اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
يتساءل الكثيرون: لماذا خلقنا الله؟
وقد يتجاوزون ذلك أحياناً ليسألوا: بل ماهي حكمة خلق هذا العالم الكبير؟
إنَّ البستاني يزرع الشجرة من أجل ثمرها، ويحرث الأرض ويبذر الحب من أجل غلتها، فمن
أجل أي شيء خلقنا بستاني الخليقة؟
أكان هناك ما ينقص الله تعالى حتى يستكمله بالخلق؟ إذا كان الأمر كذلك فهو إذن محتاج،
ولكن الاحتياج لا يأتلف ومقام الربوبية.
للإجابة عن هذا السؤال يمكن قول الكثير، ولكن من الممكن تلخيص ذلك
في بضع جمل واضحات، وهي:
الخطأ الكبير هو أنّا نقارن صفات الله بصفاتنا. فنحن لكوننا كائنات محدودة، نقوم باعمالنا لكي نسد حاجة
من حاجاتنا، فندرس مثلاً لسد نقصنا من العلم، ونشتغل لسد حاجتنا الى المال، ونفتش عن
الطب والعلاج لضمان سلامتنا.
ولكن فيما يتعلق بالله الذي لانهاية له من جميع الجهات، علينا أنْ نبحث عن أهداف ما يفعله خارج ذاته.
فهو لا يخلق لمنفعة ولا لسد حاجة، بل هدفه من ذلك هو أنْ يفيض بلطفه ووجوده على عباده.
إنَّه شمس مشعة لانهاية لها، تشع بنورها، لا لحاجة بها الى ذلك، بل لكي ينعم الجميع بنور وجودها.
إنَّ من مقتضيات ذاته اللامتناهية الفياضة أنْ يأخذ بيد الكائنات ويتقدم بها
على طريق التكامل.
إنَّ خلقنا من العدم يعتبر بذاته خطوة تكاملية بارزة، كما أنَّ ارسال الرسل وإنزال الكتب السماوية والشرائع
والقوانين، إنْ هي إلاّ قواعد لهذا التكامل.
هذه الدّنيا أشبه بجامعة كبيرة، ونحن طلبتها!
إنَّها أشبه بمزرعة أعدت لنا ونحن زارعوها!
إنَّها متجر أولياء الله!
فكيف يمكن أن نقول أن ليس لهذا الخلقهدف، مع أنَّنا إذا نظرنا حولنا وتفحصنا جميع اجزاء
الموجودات جزءاً جزءاً لوجدنا أنَّ لكل منها هدفا.
ففي أجهزة أجسادنا لن تجد جهازاً بغير هدف، وحتى الاهداب وتقعر باطن القدم لها اهدافها.
فكيف يمكن أنْ يكون لأجزاء أجسامنا أهداف، ولا يكون لمجموع تلك
الأجزاء أي هدف؟
وإذا تجاوزنا كياننا وخرجنا الى العالم الخارجي الكبير، وجدنا أنَّ لكل جهاز فيه هدفاً، فلسطوع الشمس
هدف، ولهطول المطر هدف، ولتركيب الهواء هدف، فهل يمكن أنْ لا يكون
للمجموع أي هدف؟
الحقيقة هي إنَّ في قلب هذا العالم الفسيح لوحة كبيرة تعرض الهدف النهائي الذي لا نستطيع رؤيته
احياناً ولإوّل وهلة لعظمته. لقد كتب عليها "التربية والتكامل".
والآن، بعد أنْ تعرفنا على هدف الخلق على وجه العموم، يدور الكلام على ما إذا كانت هذه الحياة
المعدودة أيامها، وبكل مافيها من مشكلات وحرمان ومصائب، هي هدف الخلق؟
اُفرض أني عشت في هذه الدّنيا ستين سنة، وأنِّي أعمل كل يوم من الصباح حتى المساء للحصول
على القوت، وأعود الى البيت متعباً منهوكاً، وتكون النتيجة أنِّني أستهلك بضعة أطنان من الطعام
والماء، وأتحمل العناء والتعب لاُ شيّد داراً، ثم بعد ذلك أترك كل شيء وأخرج من هذا العالم، فهل ترى هذا
الهدف يستحق أنْ يستدعيني الى هذا العالم المليء بالآلام والشقاء؟
لو أنَّ مهندساً شيد عمارة عظيمة وسط الصحراء، وقضى سنوات في تكميلها وتنظيمها وتجهيزها بكل وسائل
الراحة، فاذا سئل: ما الغاية من بنائك هذه العمارة؟ قال: كل هدفي هو أنْ يمر بها عابر سبيل ولو مرة ويستريح
فيها ساعة أو بعض ساعة! أفلا يستولي علينا العجب جميعاً، ونعترض قائلين: إنَّ استراحة ساعة
لعابر سبيل لا تستوجب كل هذا العناء والتعب!
لذلك، فإنَّ الذين لا يؤمنون بالبعث وبالحياة بعد الموت، لا يرون لهذه الدنيا أي هدف. وهذا القول
كثيراً ما يصادفنا في كتابات الماديين ويكررونه الى الحد الذي يقودهم الى الانتحار، نتيجة
لاصابتهم بالتعب والملل من حياة لا هدف لها.
إنَّ ما يعطي لهذه الدنيا هدفاً ويجعلها معقولة ومنطقية هو اعتبارها مرحلة متقدمة لعالم آخر، وأنَّ ما فيها
من مشكلات إنَّما الهدف منه أن يستفيد منه الانسان في مسيرة حياة خالدة.
نضرب لكم مثلاً الجنين في رحم أُمِّه، فلو كان له شيء من العقل والادراك، ويقال له: إنَّ الحياة التي
تقضيها هناك ليس بعدها شيء، لاعترض قائلاً: ما معنى أنْ أكون سجيناً في هذا المكان وفي
هذا المحيط الضيق، أطعم الدم، مطوي الاطراف، مرمياً في هذه الزاوية المظلمة، ثم لا يكون بعد هذا شيء.
ما الذي استهدفه الخالق بهذا الخلق؟
أمّا إذا أكّدوا له بأنَّ هذه الأشهر القليلة ليست سوى مرحلة عابرة يجري فيها إعدادك للخروج الى عالم جديد
وحياة أطول وفي دنيا هي أوسع بكثير من دنياك الضيقة هذه، مضيئة ورائعة، وفيها نعم كثيرة، عندئد يقتنع
الجنين بأنَّ الدورة التي يقضيها في رحم أُمّه ليست خالية من هدف، وهو هدف جليل
يستحق تحمل عناء هذه الفترة العابرة.
يقول القرآن المجيد:
(وَلَقَدْ عَلِمْتُم النَّشأةَ الأُولى فَلَولا تَذَكَّرُونَ)
(الواقعة:62)
خلاصة القول: إنَّ هذا العالم يصرخ بكل كيانه أن هناك عالماً بعده، وإلاّ لكانت هذه
الدنيا لغواً وعبثاً لاطائل وراءه.
استمع الى ما يقوله القرآن في ذلك:
(أفَحَسِبْتُمْ أنّما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأنَّكُم إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)
(المؤمنون:115)
أي لو لا المعاد"الذي يعبر عنه القرآن بالرجوع الى الله" لكان خلق الانسان عبثاً.
وعليه، فإنَّ حكمة الخلقتقول: لابدّ من وجود عالم آخر بعد هذا العالم.
المصدر:
سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي
..نسآلكم خالص الدعاء ..
يتساءل الكثيرون: لماذا خلقنا الله؟
وقد يتجاوزون ذلك أحياناً ليسألوا: بل ماهي حكمة خلق هذا العالم الكبير؟
إنَّ البستاني يزرع الشجرة من أجل ثمرها، ويحرث الأرض ويبذر الحب من أجل غلتها، فمن
أجل أي شيء خلقنا بستاني الخليقة؟
أكان هناك ما ينقص الله تعالى حتى يستكمله بالخلق؟ إذا كان الأمر كذلك فهو إذن محتاج،
ولكن الاحتياج لا يأتلف ومقام الربوبية.
للإجابة عن هذا السؤال يمكن قول الكثير، ولكن من الممكن تلخيص ذلك
في بضع جمل واضحات، وهي:
الخطأ الكبير هو أنّا نقارن صفات الله بصفاتنا. فنحن لكوننا كائنات محدودة، نقوم باعمالنا لكي نسد حاجة
من حاجاتنا، فندرس مثلاً لسد نقصنا من العلم، ونشتغل لسد حاجتنا الى المال، ونفتش عن
الطب والعلاج لضمان سلامتنا.
ولكن فيما يتعلق بالله الذي لانهاية له من جميع الجهات، علينا أنْ نبحث عن أهداف ما يفعله خارج ذاته.
فهو لا يخلق لمنفعة ولا لسد حاجة، بل هدفه من ذلك هو أنْ يفيض بلطفه ووجوده على عباده.
إنَّه شمس مشعة لانهاية لها، تشع بنورها، لا لحاجة بها الى ذلك، بل لكي ينعم الجميع بنور وجودها.
إنَّ من مقتضيات ذاته اللامتناهية الفياضة أنْ يأخذ بيد الكائنات ويتقدم بها
على طريق التكامل.
إنَّ خلقنا من العدم يعتبر بذاته خطوة تكاملية بارزة، كما أنَّ ارسال الرسل وإنزال الكتب السماوية والشرائع
والقوانين، إنْ هي إلاّ قواعد لهذا التكامل.
هذه الدّنيا أشبه بجامعة كبيرة، ونحن طلبتها!
إنَّها أشبه بمزرعة أعدت لنا ونحن زارعوها!
إنَّها متجر أولياء الله!
فكيف يمكن أن نقول أن ليس لهذا الخلقهدف، مع أنَّنا إذا نظرنا حولنا وتفحصنا جميع اجزاء
الموجودات جزءاً جزءاً لوجدنا أنَّ لكل منها هدفا.
ففي أجهزة أجسادنا لن تجد جهازاً بغير هدف، وحتى الاهداب وتقعر باطن القدم لها اهدافها.
فكيف يمكن أنْ يكون لأجزاء أجسامنا أهداف، ولا يكون لمجموع تلك
الأجزاء أي هدف؟
وإذا تجاوزنا كياننا وخرجنا الى العالم الخارجي الكبير، وجدنا أنَّ لكل جهاز فيه هدفاً، فلسطوع الشمس
هدف، ولهطول المطر هدف، ولتركيب الهواء هدف، فهل يمكن أنْ لا يكون
للمجموع أي هدف؟
الحقيقة هي إنَّ في قلب هذا العالم الفسيح لوحة كبيرة تعرض الهدف النهائي الذي لا نستطيع رؤيته
احياناً ولإوّل وهلة لعظمته. لقد كتب عليها "التربية والتكامل".
والآن، بعد أنْ تعرفنا على هدف الخلق على وجه العموم، يدور الكلام على ما إذا كانت هذه الحياة
المعدودة أيامها، وبكل مافيها من مشكلات وحرمان ومصائب، هي هدف الخلق؟
اُفرض أني عشت في هذه الدّنيا ستين سنة، وأنِّي أعمل كل يوم من الصباح حتى المساء للحصول
على القوت، وأعود الى البيت متعباً منهوكاً، وتكون النتيجة أنِّني أستهلك بضعة أطنان من الطعام
والماء، وأتحمل العناء والتعب لاُ شيّد داراً، ثم بعد ذلك أترك كل شيء وأخرج من هذا العالم، فهل ترى هذا
الهدف يستحق أنْ يستدعيني الى هذا العالم المليء بالآلام والشقاء؟
لو أنَّ مهندساً شيد عمارة عظيمة وسط الصحراء، وقضى سنوات في تكميلها وتنظيمها وتجهيزها بكل وسائل
الراحة، فاذا سئل: ما الغاية من بنائك هذه العمارة؟ قال: كل هدفي هو أنْ يمر بها عابر سبيل ولو مرة ويستريح
فيها ساعة أو بعض ساعة! أفلا يستولي علينا العجب جميعاً، ونعترض قائلين: إنَّ استراحة ساعة
لعابر سبيل لا تستوجب كل هذا العناء والتعب!
لذلك، فإنَّ الذين لا يؤمنون بالبعث وبالحياة بعد الموت، لا يرون لهذه الدنيا أي هدف. وهذا القول
كثيراً ما يصادفنا في كتابات الماديين ويكررونه الى الحد الذي يقودهم الى الانتحار، نتيجة
لاصابتهم بالتعب والملل من حياة لا هدف لها.
إنَّ ما يعطي لهذه الدنيا هدفاً ويجعلها معقولة ومنطقية هو اعتبارها مرحلة متقدمة لعالم آخر، وأنَّ ما فيها
من مشكلات إنَّما الهدف منه أن يستفيد منه الانسان في مسيرة حياة خالدة.
نضرب لكم مثلاً الجنين في رحم أُمِّه، فلو كان له شيء من العقل والادراك، ويقال له: إنَّ الحياة التي
تقضيها هناك ليس بعدها شيء، لاعترض قائلاً: ما معنى أنْ أكون سجيناً في هذا المكان وفي
هذا المحيط الضيق، أطعم الدم، مطوي الاطراف، مرمياً في هذه الزاوية المظلمة، ثم لا يكون بعد هذا شيء.
ما الذي استهدفه الخالق بهذا الخلق؟
أمّا إذا أكّدوا له بأنَّ هذه الأشهر القليلة ليست سوى مرحلة عابرة يجري فيها إعدادك للخروج الى عالم جديد
وحياة أطول وفي دنيا هي أوسع بكثير من دنياك الضيقة هذه، مضيئة ورائعة، وفيها نعم كثيرة، عندئد يقتنع
الجنين بأنَّ الدورة التي يقضيها في رحم أُمّه ليست خالية من هدف، وهو هدف جليل
يستحق تحمل عناء هذه الفترة العابرة.
يقول القرآن المجيد:
(وَلَقَدْ عَلِمْتُم النَّشأةَ الأُولى فَلَولا تَذَكَّرُونَ)
(الواقعة:62)
خلاصة القول: إنَّ هذا العالم يصرخ بكل كيانه أن هناك عالماً بعده، وإلاّ لكانت هذه
الدنيا لغواً وعبثاً لاطائل وراءه.
استمع الى ما يقوله القرآن في ذلك:
(أفَحَسِبْتُمْ أنّما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأنَّكُم إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)
(المؤمنون:115)
أي لو لا المعاد"الذي يعبر عنه القرآن بالرجوع الى الله" لكان خلق الانسان عبثاً.
وعليه، فإنَّ حكمة الخلقتقول: لابدّ من وجود عالم آخر بعد هذا العالم.
المصدر:
سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي
..نسآلكم خالص الدعاء ..