ومن رجالات الصادقين ومجاهديهم قلماً ولساناً وجهاداً هو استاذ المنبر والأدب الخطيب والأديب السيد جواد شبر .. نجل آية الله العظمى السيد علي آل شبر الحسيني .. هو من مواليد النجف الاشرف 1322هـ .. ومن اسرة علمائية يرجع تاريخها العلمي إلى عدة قرون وفيها الكثير من فطاحل العلم والأدب كالسيد عبد الله شبر رضوان الله عليه صاحب المؤلفات والآثار المشهورة .
نشأ هذا العالم الكبير والخطيب الكبير يأخذ العلم على يد والده ونخبة من الأساتذة .. وكان يشتاق من صغره ولوع بالخطابة والمنبر .. وانطلق يتطور بسرعة حتى أصبح في الخمسينيات يعرف بأنه من أكبر خطباء النجف الأشرف بعد السيد صالح الحلي واليعقوبي .. وتتلمذ منبرياً على يد الخطيب الشيخ محمد حسين الفخراني .. واشتهر هذا الخطيب المجاهد بمنبره المتحرر الشجاع فقد خرج من الطور السائد وشب بأسلوب حماسي ممن استقطب أذواق الشباب والمفكرين فكان منبره يتميز بالحماس والاصلاح والتوعية والتأثير في النفوس .. أما تاريخه الجهادي حافل في كثير من المواقف الشجاعة فهو الخطيب الوحيد الذي استغل خطبه في مقاومة المد الشيوعي في الخمسينات وذلك أيام ثورة قاسم وكان يردد على المنابر فتاوى السيد الحكيم(رض) وبقية المراجع بتحريم الانتماء للشيوعية .. وانتدبته جموع الحوزة العلمية في النجف الاشرف لبيان نعي وفاة السيد البروجردي رحمة الله عليه فألقى في جموع المعزين وقوافل مواكب العزاء في الصحن الحيدري الشريف خطاباً تاريخياً عرج في فتاواه في تحطيم الاحزاب الالحادية المستوردة وكان ذلك يوماً مشهوداً له وقرأ في أكثر مدن العراق والكويت والبحرين .. وتعرض نتيجة جهاده لاكثر من مرة الى محاولة اغتيال .
الخطيب الشهيد السيد جواد شبر امتاز بأدبياته أيضاً بالاضافة إلى منبره الجهادي .. فهو الخطيب الأول وبعده الشيخ الوائلي أدخلا الشواهد الادبية في المنبر وفي المحاضرة مما اعطى ذلك ذوقاً اكبر في نجاح المحاضرة .. وكان الخطيب السيد جواد شبر قاموس زاخر في هذا المجال حتى في أحاديثه ومجالسه الخاصة فلا يمر شيء حتى أتحف الحضار ببيتين او ثلاث من شواهده الادبية .. أما قصائده ونظمه فله ديوان واسع واتخطر ان له ابيات وهي من اوائل ما نظم وهي في الحكمة:
أليس الارض مثوانا وفيها
تنازعنا الصخور المثقلات
وذي اجسامنا للترب تهدى
وتبقى للنسيم الذكريات
اما بالفضائل عابقات
اما بالرذائل قابعات
واستمر الخطيب السيد جواد شبر كخطيب متألق ومتفرد بشغله يقر في بلدان الخليج والعراق وفي مدينة النجف الاشرف بالذات .. وكان منبره مؤثراً في نفوس الشباب مما شكل له حساسية عند العصابات العفلقية فأقتيد الى السجن وداهموا منزله مراراً واعتقلوا اولاده الاربعة وقد علم بأن احدهم اعدم وهو المجاهد الشهيد السيد حامد اما الثاني وهو السيد زيد وقد غابت آثاره .. وبعد مدة اطلق سراح السيد جواد شبر فسافر الى الكويت للقراءة وبعد عودته سجن وعذب بتهمة انه شهر بنظام العفالقة ثم اخلي سبيله بعدما منع من ارتقاء المنبر وكان يرى بأنه لم يبق من عمره ما يستحق ان اداهن به على مبادئي خصوصاً وان لقمتي كلها من الحسين(ع) .. وآخر الامر اكتفى العفالقة ان يستمر بالقراءة شريطة ان يدعو بالنصر لرئيس العصابة العفلقية .. وطبعاً هذا العرض عرضوه على الكثير من الادباء لكنه كأستجابة لوظيفته الشرعية كان يحاضر في الحرم وفي الشارع وفي الاسواق وفي بعض البيوت وقد هدده بالتصفية فلم يكترث ورفض .. إلى ان انتهى به هذا المسار ان يغيب في اقبية السجون ويعامل بأبشع انواع التعذيب كما تفد الينا الاخبار .. ثم انقطعت اخباره في بداية الثمانينات الا ان لم يعثر على جسده رغم اكتشاف الكثير من المقابر الجماعية .
الخطيب الشهيد السيد جواد شبر له آثار مدونه وعديدة ومفيدة واشهرها وربما انفعها موسوعته المعروفة بأدب الطف وهي ذات عشرة مجلدات وترجم فيها من نظم في رثاء الحسين(ع) من بعد استشهاده .. هذه الموسوعة المعروفة بأدب الطف هي من الموسوعات التي لا يستغني عنها حتى العالم وحتى الكاتب لانه من خلال الترجمة هناك زوايا فقهية وزوايا تاريخية وهناك نكتة وهناك قضية .. فكلما دخلت في مكتبة من المكتبات حتى المراجع وجدت بين يديه جزءاً او نسخة بين يديه او كتاباً من هذه الموسوعة .. ونعم الحسنات هذه الحسنة ان يترك الانسان اثراً يفجر الرحمات والسماع على ألسنة الناس .. وهذه الموسوعة في الواقع موفقة وغنية بالمآثر وثرية بالكثير من تاريخ أهل البيت الجهادي .
آخر المطاف غابت آثار هذا العالم الجليل وكلما انكشفت المقابر الجماعية الى الآن وحسب هذا التاريخ لم يعثر على جسده تغمده الله بواسع رحمته .. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
منقول