

العلم من أفضل السجايا الإنسانية، وأشرف الصفات البشرية، به أكمل الله أنبياءه المرسلين، ورفع درجات عباده المخلصين، قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
إن العلم على قسمين: اكتسابي وموهوبي، وبعبارة أخرى: تحصيلي ولدنّي.
أما الإكتسابي والتحصيلي: فهو أن يسعى الإنسان في طلب العلم ويجّد في تحصيله...
وأما الموهوبي واللدنّي: فهو العلم الذي يمنحه الله تعالى خالق الإنسان بعض عباده ممن له أهلية ذلك ويقذفه في قلب من هو كفو لها.....
والحصول على هذه المقامات الرفيعة من العلم اللدني صعب جدا، ولا يتسنى لأحد من الناس الوصول إليها إلا للأنبياء و الرسل، والأوصياء والأولياء
والذي قد حاز على كامل الدرجات وأعلى المراتب، هو أكمل المخلوقات، وأشرف الكائنات، سيد الأنبياء وأشرف المرسلين، حبيب إله العالمين، محمد وأهل بيته المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين اللهم صل على محمد وال محمد
والسيدة زينب (عليها السلام) هي من هذا البيت الرفيع: بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومعدن العلم وأهل بيت الوحي، فلا عجب أن تكون قد نالت درجة الإلهام فهي إذن ملهمة بصريح كلام ابن أخيها الإمام السجاد (عليه السلام) حين قال لها: (يا عمة … أنت بحمد الله عالمة غير معلمة) إذ لا يكون العلم بلا تعلّم إلا عن طريق الإلهام.
وأما علمها ( ع ) فهو البحر لا ينزف فإنها سلام الله عليها هي المترباة في مدينة العلم النبوي المعتكفة بعده ببابها العلوي المتغداة بلبانه من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ، وقد طوت عمرا من الدهر مع الامامين السبطين يزقانها العلم زقا فهي [ اغترفت ] من عباب علم آل محمد ( ع ) وعباب فضائلهم الذي اعترف [ به ] عدوهم الالد يزيد الطاغية بقوله في الامام السجاد ( ع ) : أنه من أهل بيت زقوا العلم زقا ... وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين ( ع ) : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة ، يريد ( ع ) أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع أفيض عليها إلهاما لا يتخرج على أستاذ أو أخذ عن مشيخة ، وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها أو لمحض انتمائها ( ع ) إليهم واتحادها معهم في الطينة المكهربين لذاتها القدسية ، فازيحت عنها بذلك الموانع المادية وبقي مقتضى اللطف الفياض وحده وإذ كان لا يتطرقه البخل بتمام معانيه عادت العلة لافاضة العلم كله عليها بقدر استعدادها تامة فافيض
عليها بأجمعه إلا ما اختص به ائمة الدين ( ع ) من العلم المخصوص بمقامهم الاسمى ، على أن هناك مرتبة سامية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم وهي الرتبة الحاصلة من الرياضات الشرعية والعبادات الجامعة لشرائط الحقيقة
لا محض الظاهر الموفي لمقام الصحة والاجزاء ، فإن لها من الآثار الكشفية ما لا نهاية لامدها.
وفي الحديث : من أخلص لله تعالى أربعين صباحا انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، ولا شك أن زينب الطاهرة قد أخلصت لله كل عمرها فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على لسانها من ينابيع الحكمة .
إن هذا الكلام حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنين ( ع ) كانت محدثة أي ملهمة ، وأن علمها كان من العلوم اللدنية والآثار الباطنية .
وفي ( الطراز المذهب ) أن شؤونات زينب الباطنية ومقاماتها المعنوية كما قيل فيها أن فضائلها وفواضلها ، وخصالها ، وجلالها ، وعلمها ، وعملها ، وعصمتها ، وعفتها ، ونورها ، وضياءها ، وشرفها ، وبهاءها ، تالية أمها وثانيتها.
وما كان منها: في زمن أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام) من مجلس درسها في الكوفة، فقد جاء في بعض المصادر أنها (عليها السلام) كانت تدير في بيتها أيام خلافة أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) الظاهرية في الكوفة مجلساً نسائياً يحضره نساء أهل الكوفة تفسّر لهن فيه القرآن، وقد كان درسها في أحد الأيام تفسير قوله تعالى (كهيعص) وفي الأثناء دخل عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) واطلع على موضوع تفسيرها، فقال لها بعد ذلك: نور عيني زينب سمعتك تفسّرين قوله تعالى: (كهيعص) للنساء، فقالت: نعم يا أبه فدتك ابنتك.
فقال لها: يا نور عيني إن هذه الآية الكريمة ترمز الى المصائب التي سوف ترد عليكم أهل البيت، ثم ذكر لها بعض ما سيجري عليهم من المصائب والرزايا فضجت السيدة زينب (عليها السلام) بالصراخ والعويل وأجهشت بالبكاء والنحيب، وهذا منها (عليها السلام) مع أنه كان فقط تذكاراً لعلمها بما سيجري عليهم، يدل على عظم المصاب وشدة وقعه، فكيف بها (عليها السلام) وهي تواجه كل تلك المصائب العظيمة والرزايا الجليلة وجها بوجه.
و كانت زينب بنت علي ( ع ) تقول : من أراد أن لا يكون الخلق شفعاؤه إلى الله فليحمده ، ألم تسمع إلى قولهم سمع الله لمن حمده فخف الله لقدرته عليك واستح منه لقربه منك .
وقال الطبرسي أن زينب روت أخبارا كثيرة عن أمها الزهراء ( ع ) . وعن عماد المحدثين أن زينب الكبرى كانت تروي عن أمها وأبيها وأخويها وعن أم مسلمة وأم هانئ وغيرهما من النساء ، وممن روى عنها ابن عباس وعلي بن الحسين ( ع ) وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين ( ع ) الصغرى وغيرهم .
وقال الفاضل العلامة الاجل المولى محمد حسن القزويني في كتابه المسمى ب ( رياض الاحزان وحدائق الاشجان ) : يستفاد من آثار أهل البيت جلالة شأن زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( ع ) ووقارها وقرارها بما لا مزيد عليه ، حتى أوصى إليها أخوها ما أوصى قبل شهادته ، وأنها من كمال معرفتها ووفور علمها وحسن أعراقها وطيب أخلاقها كانت تشبه أمها سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام في جميع ذلك والخفارة والحياء ، وأباها ( ع ) في قوة القلب في الشدة والثبات عند النائبات والصبر على الملمات والشجاعة الموروثة من صفاتها والمهابة المأثورة من سماتها ، وقد يستند في جميع ما ذكرناه إلى ما رواه في ( كامل الزيارات ) من موعظتها لابن أخيها الامام السجاد زين العابدين( ع ) حين المرور بمصارع الشهداء ، ثم ساق حديث أم أيمن الآتي ذكره ، وعن الصدوق محمد بن بابويه طاب ثراه : كانت زينب ( ع ) لها نيابة خاصة عن الحسين ( ع ) وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين( ع ) من مرضه .
وما كان منها (عليها السلام): عند ما مروا بالأسرى على قتلاهن، فإنها (عليها السلام) صاحت من بين كل السبايا قائلة: (يا محمداه ! هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتّلة) فأبكت كل عدو و صديق حتى جرت دموع الخيل على حوافرها، ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته نحو السماء وقالت: (إلهي تقبل منا هذا القربان
وهذا ما لا يستطيع قوله إلا مثل زينب (عليها السلام) العالمة غير المعلمة، والتي كانت قد تعهدت لله تبارك وتعالى أن تشارك نهضة أخيها الإمام الحسين(عليه السلام) وتكون معه جنبا إلى جنب:
وتشاطرت هي والحسين بدعوة ................ حتـم القضاء عليهما ان يندبا
هذا بمشتبك النصول وهـذه في ............... حيث معترك المكاره في السبا
وما كان منها: ما أشار إليه الفاضل الدربندي وغيره: أنها عليها السلام كانت تعلم علم المنايا والبلايا، بل جزم في (أسراره) أنها (صلوات الله عليها) أفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء، ومن نظر في (أسرار الشهادة) رأى فيه من الاستنباطات والتحقيقات في حق زينب (صلوات الله عليها) ما هو أكثر بكثير.
السلام عليك يابنت من قاد زمام ناقتها جبرائيل وشاركها في مصابها اسرافيل ، وغضب بسببها الرب الجليل وبكى لمصابها ابراهيم الخليل ونوح وموسى الكليم في كربلاء ورحمة الله وبركاته
فسلام عليك يامولاتي يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعثين حية
ومأجورين يا رب نسألكم الدعااااء