اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طرق التميّز في درجات القرب الإلهي
- إن الطريق إلى التميز في عالم القرب إلى الله –عز وجل- لا يكون إلا بأحدِ أمرين:
الأول: إما بمجاهدة متصلة خفيفة:
إن الإنسان الذي يأكل، ويقوم قبل الشبع، هذا لا يعد جهاداً يعتد به في سبيل الله!..
وكذلك فإن قيام الليل، ليس جهاداً متميزاً.. قال تعالى:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}؟!..
وقد قال الشاعر:(ومن يخطب الحسناء لا يغلها المهر)!..
فالمؤمن لا يرى صلاة الليل أمراً متميزاً في حياته، فهذه أدنى الواجبات..
إن رسول الله (ص) كان يرى نفسه ملزماً بصلاة الليل، وكان يراعي مأكله، وقوله، ومشربه..
هذه المجاهدات اليومية الخفيفة تتراكم، وكفى رب العالمين أن يعطيه جائزة من الجوائز العظمى في ليلة قدرٍ أو في غير ليلة ِ قدر.
الطريق الثاني:المجاهدة الكبرى:
وهنا إما صعود إلى القمة!..أو سقوط في أسفل الوادي!..
أحد الشباب سافر إلى الخارج للدراسة، فطلبت منه إحدى الفتيات أن يعلمها القرآن الكريم، وحددا موعدا..
فذهب في الموعد المحدد، وكان الأهل في المنزل..
في اليوم التالي أعطته موعدا في وقت معين، فعندما أتى لم يكن هناك أحد في المنزل،وإذا بهذه الفتاة تقترب منه
وتقوم ببعض الحركات المشبوهة، ففر هاربا منها..فهذا الشاب قطّع الشباك والسلاسل،واجتاز التجربة اليوسفية بنجاح..
يقول: خرجت ُمن المنزل وأنا في حالة أخرى، رأيتُ أبواب الغيب فُتحت لي!..وأصبح همي الشاغل، أن أنقل هذا الهدى إلى قلوب الآخرين..
أنا تذوقت حلاوة القرب إلى الله –عز وجل- بهذه المجاهدة..ولو أنه انزلق معها في تلك الأمسية القرآنية، وعمل ما يعمله الآخرون؟!..
يكون قد أقدم على إشباع شهوة ساعة أو سويعات، تذهب لذتها وتبقى تبعتها:ندم أبد الآبدين.
- إن سياسة رب العالمين، أن يأتي بأصعب الامتحانات في أسوء الأوقات من حيث الغفلة، في ساعة يكون فيها الإنسان بين النوم واليقظة، تأتي ورقة الامتحان بأسئلة رياضية دقيقة!..
نعم، إذا أراد الله -تعالى- أن يعطي الإنسان قربا متميزاً، وهو في ليلة الزفاف يأتي الاختبار!..
فهل يقدم رضا الله على رضا المخلوقين؟..
وهل يطيع المخلوقين من حيث يعصى رب العالمين؟..
المهم أن الاختبار يأتي في ساعة الضعف..
فإياك أن تعتمد على نفسك؟!..
فنبي الرحمة (ص) كان يناجي ربه بهذه المضامين:
(اللهم!.. لا تسلب مني صالح ما أعطيتني أبداً.. اللهم!.. لا تردني إلى سوء استنقذتني منه أبدا.. اللهم!.. لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً).
- إن على المؤمن أن يسأل ربه هذه الدرجات؟..
والإنسان الذي يموت على التوحيد، وعلى النبوة، وعلى ولاية أهل البيت عليهم السلام..
وله هذه الدموع الغزيرة في مناجاة ربه تارة، وفي إقامة عزاء أهل البيت (ع) تارة..فإن الجنة مضمونة له،فإذا لم تكن الجنة له، فلمن خلقت إذاً؟!..
الإمام الباقر –عليه السلام– يقول عن هذه الآية:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:(أشفع لأَمتي حتى ينادي ربي: رضيت يا محمد؟.. فأقول: رب رضيت)..
ثم قال الباقر (ع):
(إنكم معشر أهل العراق تقولون: إن أرجى آية في القرآن:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ}..
ولكنا أهل البيت نقول:ن أرجى آية في كتاب الله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، وهي الشفاعة..
وقال الصادق (عليه السلام):(رضا جدي أن لا يبقى في النار موحد)..
النبي (ص) لا يرضى أن يبقى هذا الإنسان بنار جهنم،فكيف بالموالين؟.. وكيف بالذين يبكون على الإمام الحسين (ع)،؟؟
فالإمام الرضا –عليه السلام- قال: (فعلى الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام)..
وعليه، فإن على المؤمن أن لا يفكر في الجنة، فهي محجوزة له!.. وإنما عليه أن يفكر في الدرجات العالية،
وفي مقعد الصدق عند المليك!..فآسيا امرأة فرعون كانت في أسخف البيوت، ومع أسخف الأزواج الذي كان يدعي الربوبية
{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}،وإذا بها تطلب جنةً لا كجنان الآخرين،{إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}،
مقام العندية، مقام عظيم لا يعقله الناس..فآسيا لا تطلب مقام العندية، بل تطلب جنة العندية.
- إن الناس عادة عندما يكون لهم مريض يكررون هذه العبارة:(يا من اسمه دواء، وذكره شفاء)،والذي لا مريض له، يجتاز العبارة بسرعة..
بينما على المؤمن أن يكررها أثناء الدعاء لشفاء الأمراض القلبية!.. فالقلب الذي يستذوق الحرام، قلب منكوس!..
إذ أن هناك فرقا بين إنسان يرتكب المنكر وبعد لحظات، تجري دموعه على خديه!..
وبين إنسان يستذوق ذلك العمل!..
- إن المؤمن عندما يدخل بيت الله، عليه أن يعيش حقيقة الضيافة الإلهية..
فالإمام الحسن (ع) كان إذا بلغ باب المسجد يرفع رأسه ويقول:(إلهي!.. ضيفك ببابك.. يا محسن قد أتاك المسيء!.. فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم)!..
- إن البعض إذا وصل إلى درجة تناسبت شهيته مع الحرام، فإنه يرتكب المنكر ويكرره في شهر رمضان وفي غيره،
ولا يرى بأساً في ذلك!..فهذا الإنسان على مشارف الكفر!..
{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون}..
أوله إساءة، وفحشاء، ومنكر..
وفي الأخير إنكار لمبادئ الشريعة!..
هذه العبارات كرروها بهذه النية..
لنتوجه إلى الله –عز وجل– يا رب نحن في بيتٍ من بيوتك. تدخل المسجد قل:
(يا ربي!.. أنا دخلت ُ بيتك، لا أخرج إلا أن تُذيقني حلاوة ذكرك.. لكل ضيف قرى، ولكل قادم كرامة، أين كرامتك يا رب العالمين)؟..
- إن هنالك دعاء يُكتب في ورقة، ويوضع في يد الميت..
روي عن النبي -صلى الله عليه وآله- أنه قال:
من كتب هذا الدعاء وألقي في كفن الميت، أو وضع في يده؛ لا يعذب في قبره والله والله والله!..
(بســـم الله الرحمن الرحيم.. اللهم إن هذا أول قدومي إليك، فأكرمني!.. فإن الضيف إذا نزل بقوم يكرم، وأنت أولى بالكرامة.. إلهي!.. ما دمت حيا عصيتك، وأنت أحسنت إلي، والآن انقطع عصياني، فلا تقطع إحسانك عني يا رب!.. أعتقني من النار بمحمد وأله الأطهار الأخيار الأبرار، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين).. هذه الرواية من الروايات النادرة!..
ربما من الأفضل أن يكتب هذا الدعاء وهو حي، ويوصي أن يوضع في كفنه!..
لسماحة الشيخ / حبيب الكاظمي