اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم عجل لوليك الفرج
الثاني: الفتح الحسيني (عاشوراء)
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القائد العام والرئيس الأعلى في الحكومة الإسلامية، وقد منحه الله في ذلك صلاحيات واسعة حتى يمكنه النهوض بهذه المسؤولية الكبرى.
قال الله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ (1)، وقال تعالى: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ﴾ (2)، ومن هنا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمثل السلطتين التشريعية والتنفيذية، فارتباطه بالسماء من خلال الوحي الذي يمثل المصدر التشريعي الوحيد، يجعله مسؤولاً عن إبلاغ الرسالة الإلهية، كما أن تصديه لقيادة الأمة الإسلامية يجعله المسؤول الأول عن تنفيذ الشريعة السمحاء.
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾ (3)، ولذا لم تكن مهمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في إبلاغ الرسالة فقط، بل تتعدى ذلك إلى قيادة المسلمين وتنفيذ شرع الله في الأرض، وكان المسلمون ملزمون بطاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تعد طاعة لله سبحانه. قـــال تعــــالــى: ﴿يَـــا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ (4)، ومن هنا فطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واجبة، فبالإضافة إلى اتباعه في التشريع هناك طاعة أخرى متوجبة له كقائد وحاكم، وهي واجبة لأن الله أمر بذلك، ولذا تعتبر الحكومة الإسلامية من صميم الدين، وبوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بدأت تتكون في عقول الناس وأذهانهم (ملازمة فكرية جديدة)، وهي: قدسية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعاليم الدين الإسلامي من جهة، وقدسية خليفة الرسول أو من يجلس على كرسي الحكم من جهة أخرى، فالأصل أن خليفة الرسول مهاب ومحترم وموقر، لأنه القائم مقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقيادة الأمة وحفظ الدين على أصوله الصحيحة، فهيبة الخليفة مستمدة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا بالنسبة للخليفة الشرعي المعيّن بأمر الله ورسوله، والأصل أن الخليفة هو الأعلم والافهم بالدين والأتقى والأصلح، وهو ولي أمر المسلمين، وهو مرجعهم الرسمي في أمور دينهم ودنياهم.. ولكن للأسف انتشرت تقليعة الغلبة واكتساب الخلافة عن طريق الغصب والقوة، وانتقلت مهابة الخليفة الشرعي للخليفة الغالب الذي لا سند لشرعية حكمه غير القوة، والقوة وحدها فقط! وبما أن الخليفة (الحاكم أو الأمير) هو خليفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد تمتع بكل الصلاحيات التي كان يتمتع بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأضيفت عليه القداسة التي كانت للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بوصفه خليفته، وأخذت هذه القداسة للخليفة الحاكم الغالب (غير الشرعي) شيئاً فشيئاً تترسخ في عقول الناس وأذهانهم، بل أصبحت التوجيهات والتعليمات الذي يصدرها الحاكم من صميم تعاليم الدين، ولها قدسية باعتباره خليفة الرسول، ومستمداً قدسيته من قدسية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى وإن كانت التعليمات التي يصدرها بعيدة كل البعد عن أحكام الدين الحنيف.. وهكذا أصبحت أوامر وتعليمات الحاكم الأموي مثلاً (معاوية ويزيد) ديناً أو من تعاليم الدين، وليست أفكاراً خارجية منحرفة، وهنا مكمن الخطر والكارثة التي واجهت الأمة، ولذا كان لابد من القيام بعمل جهادي يوضح الحقائق ويسقط (الملازمة الفكرية)، قدسية الحاكم وتعليمات الحاكم.
لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) يدرك ويعي هذه الحقيقة، ويعلم بأن التاريخ ينتظر منه القيام بعمل لإعادة الأمور إلى نصابها، ومضى سيد الشهداء (عليه السلام) في طريقه إلى الهدف الأسمى والغاية القصوى، وهو يتمثل بقول القائل:
إن كان دين محمد لم يستقم * إلاّ بقتلي يا سُيوف خذيني
لقد وقف الحسين (صلوات الله عليه) وقفته الخالدة العظيمة، بعد أن أدرك أن الأخطار المحدقة برسالة جده لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادته، ولذا كان الحسين (عليه السلام) يجسد المسؤولية الشرعية والتاريخية الملقاة على عاتقه بقوله: «لم أخرج أشراً ولا بطراً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
فالشعار والهدف التي انطلقت منها ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هو الإصلاح في أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي يتضمن إعادة الأمة إلى النهج الإسلامي الصحيح، ومن هنا نجد أن ثورة الحسين (عليه السلام) كانت طوفاناً في وجه هذا العدو الداخلي الخطير، الذي يهدد كيان الأمة ويحطم قوتها وينخر في جسدها من الداخل، باعتبار أن كيد الداخل أخطر من مؤامرات الخارج.
إن ثورة سيد الشهداء (عليه السلام) وذلك الفتح الحسيني كانت ثورة لتحرير الأمة، كما أنها ثورة قيم الدين، وتحمل في طياتها الفكر والضمير والوعي والمسؤولية التاريخية، ولذا لم يستطع أي حاكم بعد ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) أن يحتكر الفقه أو الفقاهة أو الثقافة أو الوحي أو القرآن وتفسيره، بل أصبح الحاكم (سلطة تنفيذية)، ووُضع حدٌّ فاصل بين السلطة التنفيذية (الحاكم، الملك، الخليفة، أمير المؤمنين، ولي الأمر، أو أي مسمى آخر كخليفة غير شرعي) وبين الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية، ومن هنا تنبع عظمة نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، إذ أسقطت الملازمة الفكرية والذهنية المتمثلة بقدسية الدين الإسلامي وقدسية من يجلس على كرسي الحكم، باعتباره خليفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذا تلاحقت الثورات والحركات بعد نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كالتوابيين والمختار الثقفي و... الخ، ولذا أفضل ما يطلق على نهضة أو حركة أو ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بالفتح الحسيني.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع
دعواتنا لكم بالتوفيق والسداد لخدمه صاحب الزمان