اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
اللهم عجل لوليك الفرج
ثالثاً: القرآن..
إن من صور التأسي به (عليه السلام) ما نقرأهُ في زيارة آلِ ياسين: (السلامُ عليكَ يا تاليَ كِتاب الله وترجمانه)!..
1. التلاوة: إن المؤمن الذي لا أنسَ له بكتاب اللهِ عَزَ وجل، هذا الإنسان هُناك نَقصٌ في إيمانه!.. فأحدنا هذهِ الأيام عندما يرى اضطراباً في قلبه؛ يذهب إلى المستشفى فيفحصون القلب ويرونَ ذبذباته ونبضه، المؤمن كذلك إن أراد أن يعلم مدى حياة القلب لديه، عليه أن ينظر إلى ميله إلى كلام اللهِ عَزَّ وجل: فإن رأى ثِقلاً في التلاوة، أو عدَمَ رَغبةِ في ذلك؛ فليعلم أن هنالك انحرافاً في المزاج.. فإذن، من خلال تلك العبارة الواردة في الزيارة، نعلم أن تلاوة الكتاب من سِمات الإمام صلوات اللهِ عليه.
2. الفهم: وأيضاً من سمات الإمام (عليه السلام) التي ينبغي للمؤمن أن يتأسى بها أنه تُرجمان القرآن الكريم:
أ- إن الإنسان الناطق باللغة العربية لا يحتاج إلى مؤونة في هذا المجال.
ب- إن أغلب المؤمنين -بحمد الله تعالى- لهم تخصص علمي هذهِ الأيام، فخريجو الجامعات يمضون أربع سنوات وهُم ينظرونَ إلى الكِتابِ والأستاذ، يقرأون من هُنا وهُناك، وبعض التخصصات النادرة جِداً، تتطلب من الإنسان أن يُمضي أربع سنوات من عمره في فَهمِ جهاز، أو نبتة، أو في كشفِ جرثومة تحتِ المجهر.
إن الأمر الملفت: أن الإنسان مستعد لأن يعطي هذه الأشياء أربع سنوات مِن عُمره ويذهَب إلى أقصى بلاد العالم، ليَبحث عَن كل ما يتعلق بتخصصه ذاك، ولكنه لا يعرف معاني الكلمات التي في كتاب الله عز وجل، فالكثير من المؤمنينَ والمسلمين لا يعلمون معاني مفردات سورة "الفَلق" على قِصرِها، ولا مفردات سورة "الكوثر" التي هي أقصر سورة في القرآن الكريم، فمثلاً: ما معنى ﴿الْكَوْثَرَ﴾ تحديداً؟.. ولماذا قالَ: ﴿إِنَّا﴾ ما قال: أنا؛ ما الفرق بين إنّا وأنا؟.. لماذا قال: ﴿أَعْطَيْنَاكَ﴾ ما قال: وهبناك؛ ما الفرق بينَ العَطية والهِبة؟.. ما العلاقة بين إعطاء الكوثر والصلاة؟.. ما معنى ﴿انْحَرْ﴾؟.. انحر الإبل، أو اجعل يَدكَ إلى النحر في تكبيرة الإحرام، هل أتى في بال البعض أن ﴿انْحَرْ﴾ أي: اجعل يَدكَ إلى جِهة النَحر؟.. هذا هو المروي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، في المجمع، "في الآية عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قوله ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾: (هو رفع يديك حذاء وجهك)". لماذا قال: صَلِّ وانحر؛ لماذا ذُكرَ التكبير؟.. ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾؛ ما معنى الشانئ، وما معنى الأبتر؟.. ومن اللطيف أن نَعلم إنَّ في هذهِ السورة على قصرِها رَبُّ العالمين يُخاطِبُ النَبي () عدة مرات: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ﴾ يا رسولَ الله، ﴿فَصَلِّ﴾ يا رسول الله، ﴿وَانْحَرْ﴾ يا رسولَ الله، ﴿إِنَّ شَانِئَكَ﴾ يا رسول الله، ﴿هُوَ الأَبْتَر﴾.
فإذن، نَحنُ فقراءٌ في القرآن الكريم، لا تعمقاً إنما بَحثاً!.. ينبغي للمؤمن في أيِّ وقت من عمره، أن يتخصص في القرآن الكريم ولو تخصصاً إجمالياً، فهذا أمر ممتع جداً.. نَحنُ بحمد الله متشرفونَ من بَينِ عامة المُسلمين أننا تمسكنا بالعِترة، وهذا شَرفٌ لنا، فلو أضفنا إلى ذلك التمسك في القرآن؛ لتمت الصفقة.
رابعاً: الذكر الدائم..
إن الذكر المستمر من صور التأسي بهِ صلوات اللهِ وسلامه عليه، فرَبُّ العالمين يذكرنا في كُلِّ آن فهو جلا وعلا ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾، أما الإنسان النائم فإنه يتقلب، وقَد يرى أضغاث أحلام، وقد يرى منامات شهوية -مَثلاً- ورَب العالمين ينظرُ إليه!.. الإنسان في النَوم لا يُطالب بشيء، ولكن بمجرد أن يستيقظ عليه أن يذكر رب العالمين، لذا فإن هذهِ الفقرة مِنَ الدُعاء: (خَيْرُكَ اِلَيْنا نازِلٌ، وَشُّرنا اِلَيْكَ صاعِدٌ) فقرة مُبكية: ففي كُل آن رَب العالمين يُعطينا نَفسَاً: شَهيقاً وزَفيراً، وهذا النَفَس نصرفهُ في الحرام؛ هل هذا هو شكرِ نعمة الوجود؟!.. ولكنَ ما ورد في زيارةِ آلِ ياسين: (اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا تالِيَ كِتابِ اللهِ وَتَرْجُمانَهُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ في آناءِ لَيْلِكَ وَاَطْرافِ نَهارِكَ، ... اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقوُمُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقْعُدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تُصَلّي وَتَقْنُتُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ) يدل على أن الإمام في ذِكرٍ مُستمر؛ فهل نتأسى بهِ في هذا الأمر؟.. كلا، هذا دونَهُ خَرط القتاد، القتاد: نوع من الأشجار له أشواك كالإبر، والخرط: بمعنى نزع لحاء الشجر جذبا بالكف!.. هذا يُضرب بهِ المثل في الصعوبة، فالذكرُ المستمر تقريباً مستحيل، ولكن الذِكر الغالب أمر مُمكن!.. فبعضُ الناس يكون: في المسجد، وفي الصلاة، وفي الطواف؛ وفكرهُ في الدنيا، وهذا ليسَ من الإنصاف!.. فالإنسان في العَمل لا يذكر الصلاة، لذا من باب الانتقام عليه أن لا يذكر العمل في الصلاة، فهو بذلك يجعل موازنة.. ولكن أغلب الناس في العَمل لا يذكر الصلاة، وفي الصلاة يذكر العمل؛ فأينَ الموازنة وأينَ الإنصاف؟!.. والوصول إلى الذِكر الكَثير أو المستمر يكمن في كلمة واحدة؛ ألا وهي: "المحبة".. فالحُبُّ يورثُ الذِكر؛ وإلا الأمرُ في دائرة التَكلُّف.
دعواتنا لكم بالتوفيق والسداد لخدمه صاحب الزمان