اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإمام أبو الحسن الثّالث، عليّ بن محمّد الهادي، العاشر في سلسلة الأئمّة عليهم السلام، ولد في منتصف شهر ذي الحجّة (على رواية) عام 214 للهجرة في قرية بصريا، وهي قرية أسّسها الإمام موسى بن جعفر، عليه السلام، على بعد ثلاثة أميال من المدينة المنوّرة.
قيل فيه إنّه «كان أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، أملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت عليه هيبة الوقار، وإذا تكلّم سيماء البهاء، وهو من بيت الرسالة والإمامة، ومقرّ الوصية والخلافة، شعبة من دوحة النبوّة منتضاه مرتضاه، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناه مجتباه».
وفي ذكرى مولده نتوقف عند آرائه في الدين والحياة، وآراؤه تلك بمنزلة الحِكم الإنسانية الخالدة، ومن الغريب أن لا تدوّن في الكتب الخاصة بالحكم والأمثال!!
يقول الإمام الهادي عليه السلام:«لا تطلب الصفا ممن كدرت عليه، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنّك إليه، فإنما قلب غيرك لك كقلبك له».
فهذه الحكمة حالة واقعيّة، يشعر بها كلّ إنسان يتعرّض لأذى نفسيّ من أحد المقرّبين منه أو من أحد زملائه في العمل والدراسة، ثمّ يأتي إليه وكأنّ شيئاً لم يكن، ويتوقّع منه الودّ والبشاشة، ناسياً أو متناسياً أنه آذاه ولم يطلب منه الصفح. وكذلك فمن غير المعقول أن يطلب الإنسان النصيحة ممن يسيء الظن بهم، فالقلوب مرايا، تتلقى نور مشاعر الآخرين لتعكسها في القلوب المواجهة.
وكان عليه السلام يرى أن يعاتب الواحد الآخر خير من أن يحقد عليه، فالعتاب يجلو القلوب ويصفي ما علّق على النفوس من لوم وعتب، فقال عليه السلام:
-«العتاب خير من الحقد».
وكان الهادي عليه السلام ينصح بتلاقي الإخوان، لأنهم في اجتماعاتهم يشاركون في عقول بعضهم البعض، فقال (ع):
«ملاقاة الإخوان نشرة وتلقيح العقل، وإن كان نزرا قليلاً».
وفي الوقت نفسه، كان ينصح بالابتعاد عن ذوي الهمم الساقطة، والأنفس الدنيئة، فقال عليه السلام: «من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه». وكان يرى أن الحكمة لا تصلح لكلّ الناس، فقال عليه السلام:
-«الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة».
وللإمام الهادي عليه السلام أقوال وحكم تتعلّق بطبع الإنسان وأخلاقه، وفي تقريرها، يحاول مساعدته على التخلّص من عادات ربما اكتسبها من محيطه، أو كانت من جبلته، فيقول عليه السلام:
- البخل أذمّ الأخلاق.
فالبخل، كما في المثل القديم "أمّ الرذائل"، وهذه العادة مذمومة على المستوى الإنساني، وقد تطرّق إليها الناس على اختلاف انتماءتهم ومعتقداتهم، فذمّوا البخلاء، وكرهوا البخل، والأقوال في ذلك كثيرة، منها المثل العربيّ الذي جاء فيه:"ابذل طعامك، فإنه ما ساد بخيل قطّ". وقال الإمام عليّ عليه السلام: البخيل يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء". وقال فولتير:"لو تُركت الحريّة لأموال البخلاء، لسارت في مظاهرات تهتف بسقوط الظلم والاستعباد". وقال هوراس:"البخيل في فقر دائم". وقال سميث:ليس البخيل حرّاً لأنّه عبد للمال.
- الطمع سجيّة سيئة.
الآفة الثانية التي نبّه إليها الإمام الهادي عليه السلام هي الطمع، فالطمع خصلة رذيلة، ربما تحوّلت إلى طبع، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله:"بئس العبد عبد له طمع يقوده إلى طبع". وعنه صلى الله عليه وآله:استعيذوا بالله من طمع يهدي إلى طبع، ومن طمع يهدي إلى غير مطمع، ومن طمع حيث لا مطمع. وقال الإمام علي عليه السلام:"ثمرة الطمع الشقاء". وقال جونسون:"للعبد سيّد واحد. أما الطمّوع فكلّ فرد يعاونه في إشباع مطامعه يكون سيّداً له". أما فرانس بوخمان فيقول:"لكلّ شخص من حاجته إلى العالم ما يكفيه، إلاّ الطموع فليس في العالم ما يكفيه".
- الغضب على من تملك لؤم.
في زمن كانت مسألة الرقيق ما زالت قائمة، دعا الإمام الهادي عليه السلام الإحسان إلى المماليك، وأخذهم بالحسنى، لأنهم أرقاء فقدوا حريتهم، فليس بطولة أن يصب المالك جام غضبه على عبيده وأرقائه، وإذا كانت ظاهرة العبودية اختفت في هذا العصر، فإنها تظهر بصورة مقنّعة من خلال معاملة الضعفاء والمساكين الذين تحت أيدينا، فالخدم الذي يملأ البيوت باتوا يُعاملون وكأنهم أرقاء، وتكون حياتهم تحت رحمة سيدات البيوت وأزواجهن، وأولادهنّ، فلا يتورّعون عن ضرب الخادمة أو تعذيبها او اغتصابها وقصص ما يجري للعاملات الأجنبيات كثيرة، وأقلّ ما يتعرضّ إليه هؤلاء الخدم هو الغضب عند كل كبيرة وصغيرة، فكانت الوصايا دائماً بلجم الغضب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله:"ألا أخبركم بأشدكم ؟ من ملك نفسه عند الغضب". وقال الإمام عليّ عليه السلام: "الحدّة ضرب من الجنون لأن صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم". وقال كونفوشيوس: "الإنسان الغاضب يتحوّل دمه إلى سمّ". وقال أفلاطون: الغضب الشديد يعمي. وكان غاندي يوصي قائلاً:"لا تقابلوا الغضب بالغضب". وقال بانيون:"الغضب كالنار يأتي على كلّ شيء". وقال ألبير كامو:"يظن الغاضب أنه يستطيع مجاوزة قدراته".
- العجب صارف عن طلب العلم، داع إلى الغمط.
الإنسان المغرور يتوقّف عن تطوير قدراته، وتهذيب نفسه، لأنه يظن نفسه أنه الأفضل، فالهادي عليه السلام، رأى أن المعجبين بأنفسهم يتوقّفون عن طلب العلم اكتفاء بما عندهم، مع أنهم لم يأتوا من العلم إلا قليلاً. وكان الإمام عليّ عليه السلام أوصى مالكاً الأشتر بعدة وصايا لما ولاّه مصر، منها:"إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين". وقال جعفر الصادق(ع):"لا جهل أضرّ من العجب". أما دلييف فقال:"يتجدّد الغرور في الرؤوس الفارغة".
- الهزل فكاهة السفهاء، وصناعة الجهّال.
يرى الهادي عليه السلام أن الهزل مهنة الجهّال، لأنّ الجاهل لا شيء يشغله، فهو يملأ الفراغ بالكلام السخيف ولا يهتم لمعالي الأمور، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله:كثرة المزاح يذهب وكان الإمام علي عليه السلام يقول:"اهجر اللهو فإنك لم تخلق عبثا فتلهو، ولم تترك سدى فتلغو" وقال أيضاً:"اللهو من ثمار الجهل". وقريب منه قوله عليه السلام:"كثرة الهزل آية الجهل". وقال جبران خليل جبران:"لا يحسد الثرثار إلا الأصمّ".
- الجاهل أسير لسانه.
يكشف اللسان مكنونات الإنسان، ولهذا نجد أن الجاهل يكشفه كلامه، ويطلقه دون دراية وحكمة ما يجعله أسيراً لأقواله. فالجهل في الإنسان، بحسب الإمام عليّ، أضرّ من الآكلة في البدن، وهو داء وعياء وهو أدوأ الداء وهو مطية شموس، من ركبها زلّ وهو مميت الأحياء ومخلد الشقاء.
قيل لعدي بن حاتم الطائي:أي شيء أوضع للإنسان؟ قال: كثرة الكلام.
تنبيهات للآخرة
وكان الهادي عليه السلام يذكّر الناس بأن الأعمال الصالحة هي التي تفيد في الآخرة، علماً أن الإنسان يغفل عن هذا الأمر، فتأخذه أمور الدنيا، فقال عليه السلام:«الناس في الدنيا بالأموال، وفي الآخرة بالأعمال». والدنيا على حدّ قوله:سوق، ربح فيها قوم وخسر آخرون. كما يذكّره بعدم نسيان مصير الإنسان في هذه الحياة، وهو الموت، حيث لا يفيد الندم على التفريط، فقال عليه السلام:«اذكر مصرعك بين يدي أهلك، ولا طبيب يمنعك، ولا حبيب ينفعك». ولهذا كان لا بدّ من توبة يجدّد فيها الإنسان وقفته وخط سيره في الدنيا، حتى يصبح ظاهره مثل باطنه، فعندما سئل عليه السلام عن التوبة النصوح، قال:«أن يكون الباطن كالظاهر وأفضل من ذلك». وقال أيضاً:«اذكر حسرات التفريط تأخذ بتقديم الحزم».
وفي هذه الدنيا يكون الإنسان معرضاً لأنواع البلاءات المختلفة، فقال(ع):«إنّ الله جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دارعقبى، وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً».
موقع سماحة اية الله الفقيه السيد حسين الصدر
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين