الأدلة تشير إلى أنَّ الكهان والأحبار والقساوسة قد أشاروا إلى قرب ظهور النبي محمد (ص) إذ قال سطيح لمعشر قريش:
يا معشر قريش لقد أكثرتم الاختلاف، وزادت قلوبكم بالإرتجاف بذيتم بألسنتكم على آل عبدمناف تكذبونه فيما نطق، وتلومونه إذا صدق، وقد أرسلتم إليَّ تسألوني عن الحال الظاهر، وعن أمر النبي الطاهر صاحب البرهان وقاصم الأوثان ومذل الكّهان، وأيم الله ما فرحنا بظهوره لان الكهانة عند ولادته تزول، فأتوني بأُمهاتكم ونسائكم لترون العجب العجاب.
ولما جاءوه بالنساء قال: وحق الحرمين لقد تركتم من نسائكم اثنتين الواحدة منهن الحامل بالمولود الهادي إلى الرشاد محمد والأخرى ستحمل عن قريب وتلد غلاماً أميناً يدعى أمير المؤمنين وسيد الوصيين وانطلق أبو طالب إلى منزله وأتى بزوجته فاطمة بنت أسد، وآمنة زوجة أخيه عبدالله، فلما وصلتا بجمع الناس من النساء صاح سطيح بأعلى صوته وجعل يبكي ويقول:
يا ذوي الشرف هذه والله الحاملة بالنبي المختار رسول الله (ص) (أي آمنة) هذه سيدة نساء العرب والعجم وهي الحامل بأفضل الأُمم، مبيد كل وثن وصنم، ياويح العرب منه. وهذه والله فاطمة بنت أسد أم الإمام الذي يكسر الاصنام، وهو الأمير الذي ليس في عقله طيش، قاتل الشجعان، ومبيد الأقران.
لقد دخل الخير والسرور إلى جزيرة العرب مع حمل آمنة بنت وهب برسول الله (ص) إذ جاء: لما حملت آمنة بنت وهب برسول الله (ص)اخضرت لهم الأرض، وحملت لهم الاشجار، وأتاهم الوفد من كل مكان فأخصب أهل مكة خصباً عظيماً، فسمّيت السنة التي حمل فيها برسول الله (ص) سنة الفتح والإستيفآء والإبتهاج، ولم تبق كاهنة إلاّ حجبت عن صاحبها. وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة، ولم يبق سرير لملك من الملوك إلاّ أصبح منكوساً.
وانتقل نور النبوة من عبدمناف إلى هاشم، ومن هاشم إلى عبدالمطلب، ومن عبدالمطلب إلى عبدالله فسعت النساء للزواج منه إذ قالت له قتيلة بنت نوفل من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب (أخت ورقة بن نوفل) عند الكعبة وهي تنظر إلى وجهه: لك مثل الإبل التي نحرت عنك وَقْع عليَّ الآن.
فرفض ذلك وتزوج آمنة بنت وهب سيِّد بني زهرة نسباً وشرفاً وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً. وطلبت فاطمة بنت مُرٍّ ذلك من عبدالله فأبى، وطلبت منه ذلك كاهنة يهودية فرفض أيضاً.
وكان ورقة بن نوفل قد تنصر واتبع الكتب، فعرف أنه كان في هذه الأمة نبي، فأخبر أرحامه ومعارفه بذلك. ومن الطبيعي أن تكون آمنة بنت وهب قد اطلعت على خبر النبي الموعود، وانه ابن عبدالله بن عبدالمطلب، وشاهدت النور بين عينيه. وعندما حملت به جيء لها في المنام فقيل لها: إنك حملت بسيِّد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي:
أُعِيذه بالواحد من شرِّ كل حاسد، ثم سميه محمداً، ثم خرج منها نورٌ رأت به قصور بصرى من أرض الشام.
فولدته مقطوع السرّة، مكحولاً، نظيفاً، مختوناً، (قال رسول الله (ص): (كي لا يرى أحد سوأتي عند الختان) ساجداً لله تعالى رافعاً إصبعيه كالمتضرع المبتهل، قائلاً: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
وسأل الناسُ عبدالمطلب عن اسم ابنه؟ فقال: سميته محمداً.
قالوا: فبم رغبت به عن أسماء أهل بيته، قال: أردت أن يحمده الله في السماء وخلقُه في الأرض.
وكانت نية عبدالمطلب إدخال رسول الله (ص) الكعبة وطوافه بها وهو الواضح في شعر عبدالمطلب الخالي من ذكر الأصنام والمؤكد لعبادة الرحمن قائلاً:
الحمـدُ لله الـذي أعطانـي *** هذا الغلام الطيِّبَ الأردانِ
قد سادَ في المهدِ على الغلمانِ *** أعيذهُ بالبيتِ ذي الأركانِ
ورغم تسمية قريش لعبد المطلب بإبراهيم الثاني وتأكيده المتكرر على عبادة الباري عزوجل ووحدانيته ورفضه عبادة الأوثان ألحَّ ابن كثير وغيره على وصمه بالكفر، وتنزيه الكثير من القرشيين عن عبادة الاصنام!.
وما ذنب عبدالمطلب وأبي طالب إلاّ رحمهم الماسَّة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!
وفي ليلة ولادة رسول الله (ص) ارتج إيوان كسرى، وسقطـت منه أربـع عشرة شرافة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاصت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان قاضي الفرس في منامه إبلاً صعاباً تقود خيلاً عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها.
فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، واجتمع بالموبذان ـ عالم الفرس ـ فقص عليه الموبذان أيضاً ما رأى، فقال كسرى: أي شيء يكون هذا؟
فقال الموبذان وكان عالماً: يكون حدث من جهة العرب.
فكتب كسرى إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجِّه إليَّ برجل عالم فوجَّه إليه بعبد المسيح بن عمرو. فأخبره كسرى بما كان.
فقال عبدالمسيح: علم ذلك عند خالي في مشارف الشام يقال له سطيح، فأرسله كسرى إليه وقد أشرف على الموت فقال: رفع سطيح رأسه قائلاً لعبد المسيح:
بعثك ملك ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان وذكرها، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت، ثم قضى سطيح الغساني مكانه.
واسم رسول الله (ص) محمد وأحمد والحاشِرُ والخاتِمُ والعاقِبُ ونبي الرحمة والماحي، وكنيته أبو القاسم، وقال (ص): لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي.
المتفق بين المسلمين أن رسول الله (ص) ولد في عام الفيل بعد خمسين يوماً على وصول الفيل إلى مكة في محرم. والمشهور عند أهل البيت أنَّ النبي (ص) ولد في السابع عشر من شهر ربيع الأول بعد طلوع الفجر.
وقال الطبرسي والكليني أنه (ص) ولد في يوم الجمعة وقال آخرون أنه ولد يوم الاثنين.
وذكر أنَّه ولد سنه اثنتين وأربعين من ملك كسرى أنوشيروان وأنه ولد سنة 571 ميلادية، وحمزة أسن من رسول الله (ص) بأربع سنين.
ومكان ولادته (ص) في شعب أبي طالب في الدار التي صيرتها الخيزران أم الرشيد مسجداً فبقي الناس يصلّون فيه ويتبركون به إلى أنْ هدَّمه الوهابيون، بل جعلوه مربضاً لدوابهم.
السيرة النبوية .. الشيخ نجاح الطائي