اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أعظم الأدلة على المحاربة الآثمة انّ الإمام لمّا دفن زوجه فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفنها في الليل سرّاً، وعفى قبرها، ولم يُعلم موضعه على التحقيق إلى اليوم، فتزار في ثلاثة مواضع، ولم يشهد جنازتها إلّا علي وولداه، ونفر من بني هاشم، ونفر قليل من الصحابة!
وهو أمر كما يقول الإمام السيّد (محسن الأمين) لا يكاد ينقضي منه العجب!
أمّا قبر الإمام نفسه فقد جاء في قسم النجف من موسوعة العتبات المقدّسة ما نصّه: ( إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر ابنه الحسن أن يحفر له أربعة قبور، في أربعة مواضع: في المسجد، وفي الرحبة، وفي الغري، وفي دار جعدة بن هبيرة، إنّما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره).
فيا للعجب من هذا الحال!
أجل بمثل هذه الروح المتعفّنة بالحقد الأرعن، والعداء الأزرق عومل ربيب النبي وصفيه، وأبو ذريّته، الأمين على عرض النبي وشرفه، ولم يبال الذين تحاملوا على علي حياً وميتاً بما يقوله التاريخ ، الذي لا يرحم!
كان المفترض أنّ فاجعة الحسين تطوي الأحقاد السياسية، والخوف من لعظمة التي وراراها القبر، لكنّ النقمة ظلّت تتبع كل من أظهر ميلاً لعليّ ولذريّة الإمام علي!
فأعجب لرجل يخافه الخصوم بعد موته، كما كانوا يخافونه وهو حي!
يخافون قبور أبنائه، فيضع الأمويّون على قبر الحسين (عليه السلام) المسالح لكي لا يؤم أحد من الزائرين مثواه، ويجعلون القبر مطوّقاً بمخافر تتولّى حراسته حذراً من أن يُزار.
أمّا المتوكّل العباسي فقد بلغه أنّ أهل السواد يجتمعون في أرض نينوى لزيارة قبر الحسين(عليه السلام) فأنفذ قائداً من قوّاده، وضم إليه كثفاً من الجند كثيراً ليشعث قبر الحسين (عليه السلام) ويمنع الناس عن زيارته والإجتماع إلى قبره، فخرج القائد إلى الطفّ وعمل كما أُمر ذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين!
فثار أهل السواد، واجتمعوا عليه، وقالوا: (لو قتلتنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منّا عن زيارته) .
وقد اشتهر المتوكّل هذا بالنصب ـ وهو ضد التشيّع ـ وكان يقصد من يبلغه عنه أنّه يتولى عليّاً وأهله بأخذ المال والدم، فأمر سنة 237 هـ بهدم قبر الحسين بن علي بكربلاء وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يحرث ويبذر، ويسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فذكر أنّ عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية:
(من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة أيّام، بعثنا به إلى المطبق)، فهرب الناس وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حوله!
وكان إمام الإمامية في عهده (أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب) قد سعي به إلى المتوكل، فأقدمه من المدينة إلى سامراء التي كانت تعرف بالعسكر، فلقّب بالعسكري وقد ظلّ مقيماً بها نحو عشرين سنة، ومات بها وجاء سامراء لم تنقطع السعايات عنه، فأخبر المتوكل أنّ في منزله سلاحاً، وكتباً وغيرهما من شيعته فوجّه إليه ليلاً من هجم عليه في منزله وهو غافل، فوجد في بيت وحده، عليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت، إلّا الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحقة من صوف، وهو يقرأ ويدعو، فحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه، والمتوكل يشرب، فأجلسه إلى جنبه، وعرض عليه الكأس، فاستعفى فأعفاه، ثم قال أنشدني شعراً، فأنشده:
باتوا على قلل الأجيال تحرسهم واستنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم
ناداهم صارخ من بعدما قبروا أين الوجوه التي كانت منعّمة
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا
وطالما عمروا دوراً لتحصنهم وطالما كنزوا الأموال وادّخروا
أضحت منازلهم قفراً معطّلةً غلب الرجال فما أغنتهم القلل
فاودعوا حُفراً يا بئسما نزلوا أين الأسرة والتيجان والحلل؟
من دونها تضرب الأستار والكلل تلك الوجوه عليها الدود يقتتل!
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا!
فخلفوها على الأعداء وارتحلوا! وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا!
فبكى المتوكل حتى بلّت دموعه لحيته! ثم أمر برفع الشراب.
أرأيت ماذا يفعل الإخلاص؟
أرأيت كيف يحوّل الإخلاص الصخور ينابيع تتفجّر منها سيول الدموع؟!
سلسلة متصلة من أعداء الإمام وذريّة الإمام تحملها قلوب حاقدة، وتنفّذها إرادات خائفة مذعورة!
الإمام علي أسد الإسلام وقدّيسه
حرسكمـ الله بعينه التي لاتنام