اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمليّاً كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يمارس إعداد الإمام عليّ ( ع ) لخلافته ، ومنذ بدء الدعوة ، ويُظهر لصحبه وللناس أنّه ينصبه لذلك ، عملاً مشفوعاً بالقول أحياناً ، مصرحاً بين الحين والحين بأنّ ذلك من الله تعالى وبأمره..
منذ البدء ، نشأ عليٌّ ( ع ) في بيت النبيّ ( ص ) يتبعه اتّباع الظلّ ، حتّى بُعث صلى الله عليه وآله وسلم فكان عليٌّ أوّل من آمن به مع زوجته خديجة (1).
وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يخرج إلى البيت الحرام ليصلّي فيه ، فيصحبه عليٌّ ( ع ) وخديجة فيصلّيان خلفه ، على مرأىً من الناس ، ولم يكن على الاَرض من يصلّي تلك الصلاة غيرهم (2).
وكان الإمام عليٌّ ( ع ) يصف أيّامه تلك ، فيقول : «وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حِجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره... وكان يمضغُ الشيء ثمّ يُلقمنيه ، وما وجد لي كذبةً في قول ، ولا خَطلةً في فِعل... ولقد كنتُ أتّبعه اتّباع الفصيل أثَرَ أُمّه، يرفعُ لي في كلّ يوم من أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنةٍ بحِراء فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الاِسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة...» (3).
ويوم أنذر عشيرته الاَقربين ، رفع شأن عليٍّ عليهم جميعاً ، وخصّه بمنزلة لا يشركه فيها غيره .
ويوم هجرته إلى المدينة ، اختار عليّاً يبيت في فراشه ، ثمّ يؤدّي ما كان عند النبيّ ( ص ) من أمانات ، ثمّ يهاجر بمن بقي من نساء بني هاشم .
ثمّ اختصّه بمصاهرته في خير بناته سيّدة نساء العالمين (4)، بعد أن تقدّم لخطبتها أبو بكر ثمّ عمر فردّهما صلى الله عليه وآله وسلم (5)! وقال لها : «زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً» (6).
وآخى بين المهاجرين والاَنصار ، ثمّ اصطفى عليّاً ( ع ) لنفسه فقال له : «أنت أخي في الدنيا والآخرة» ، أو : «أنت أخي وأنا أخوك» (7). فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيّد المرسلين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد ، والإمام عليّ بن أبي طالب ( ع )، أخوَين (8).
وفي سائر حروبه كان لواؤه صلى الله عليه وآله وسلم أو راية المهاجرين بيد الامام عليٍّ عليه السلام (9).
وفي خيبر بعث أبا بكرٍ براية ، فرجع ولم يصنع شيئاً ، فبعث بها عمر ، فرجع ولم يصنع بها شيئاً ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «لاَُعطينَّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله ، لا يخزيه الله أبداً ، ولا يرجع حتّى يفتح عليه» فدعا عليّاً ( ع ) ودفع إليه الراية ودعا له ، فكان الفتح على يديه (10).
وفي عبارة بعضهم : بعث أبا بكر فسار بالناس فانهزم حتّى رجع إليه ، وبعث عمر فانهزم بالناس حتّى انتهى إليه (11). وفي عبارة بعضهم : فعاد يُجبِّن أصحابه ويجبّنونه (12)!
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم لاَصحابه : «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله» فيستشرفون له ، كلٌّ يقول : أنا هو ؟ وفيهم أبو بكر وعمر ، فيقول : «لا ، لا ، لكنّه عليّ» (13).
ويبعث أبا بكر بسورة براءة أميراً على الحجّ ، ثمّ يبعث خلفه الإمام عليّاً ( ع ) فيأخذها منه ، فيعود أبو بكر إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيقول : أحَدَث فيَّ شيءٌّ ، يارسول الله ؟!
فيقول صلى الله عليه وآله وسلم : «لا ، ولكنّي أُمرتُ ألاّ يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي»(14)!
وكان لبعض الاَصحاب أبواب شارعة في المسجد ، فقال لهم ( ص ) : «سدّوا هذه الاَبواب ، إلاّ باب عليّ» (15).
وكان الصحابة عنده في المسجد ، فدخل عليٌّ ( ع )، فلمّا دخل خرجوا ، فلمّا خرجوا تلاوموا ! فرجعوا ، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم : «والله ما أنا أدخلته وأخرجتكم ، بل الله أدخله وأخرجكم» (16).
ودعاه يوم الطائف يناجيه ، فقال بعضهم : لقد طال نجواه مع ابن عمّه!!
فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم : «ما أنا انتجيته ، ولكنّ الله انتجاه» (17).
في حجّة الوداع أشركه في هديه ، دون غيره من أصحابه أو ذوي قرباه(18) .
وفيها خطب خطبته الشهيرة في عليٍّ وأهل البيت عليهم السلام بغدير خمّ ، وتقدّم نصّها آنفاً .
وخصّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مدّة حياته الشريفة بمنزلةٍ ليست لاَحد ! خصّه بساعةٍ من السحر يأتيه فيها كلّ ليلة (19).
وإذ نزل قوله تعالى : ( وَأْمُرْ أهلَك بالصلاة ) (20) كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يأتي باب عليٍّ صلاة الغداة كلّ يوم ، ويقول : «الصلاة ، رحمكم الله ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً» (21).
وحين يُتوَفّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخصُّ عليّاً بميراثه دون عمّه العباس ، فسُئل وُلْدُ العبّاس عن ذلك فقالوا : إنّ عليّاً كان أوّلنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لصوقاً (22) .
وغير هذا كثير ، وقد عرفه الصحابة في حياة الرسول ( ص )..
_____________________
(1) الطبقات الكبرى 3 : 21 ، سيرة ابن هشام 1 : 228 ، كتاب الاَوائل : 91 ـ 93 ، البدء والتاريخ 4 : 145 ، السيرة النبوية ، ابن حبّان : 67 ، جوامع السيرة ، ابن حزم : 45 ، السيرة النبوية ، الذهبي : 70 ، الاِصابة 4 : 269 .
(2) مسند أحمد 1 : 209 ، المستدرك 3 : 183 وتلخيصه للذهبي ، الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ | 2 و 3 ، تاريخ الطبري 2 : 311 ، مجمع الزوائد 9 : 103 .
(3) نهج البلاغة ـ شرح صبحي الصالح ـ : 300 ـ 301 خطبة 192 .
(4) الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ | 127 و 128 و 129 .
(5) الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ | 120 .
(6) مسند أحمد 5 : 26 .
(7) مسند أحمد 1 : 230 ، سنن الترمذي 5 | 3720 ، مصابيح السُنّة 4 | 4769 ، الطبقات الكبرى 3 : 22 ، البداية والنهاية 7 : 371 ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ 4 : 209 .
(8) سيرة ابن هشام 2 : 109 .
(9) الاِصابة 2 : 30 ترجمة سعد بن عبادة .
(10) المصنّف لابن أبي شيبة ـ فضائل علي ـ 7 | 17 ، سنن النسائي 5 | 8402 ، الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ | 14 وصحّحه ، المستدرك 3 : 37 وصحّحه ووافقه الذهبي ، سيرة ابن هشام 3 : 216 ، تاريخ الطبري 3 : 12، الكامل في التاريخ 2 : 219 ، البداية والنهاية 7 : 373 .
(11) ابن أبي شيبة ، المصنّف 7 : 497 | 17 فضائل عليّ .
(12) الحاكم والذهبي ، المستدرك 3 : 37 وتلخيصه .
(13) مسند أحمد 3 : 82 ، صحيح ابن حبّان 9 : 46 | 6898 ، المصنّف لابن أبي شيبة ـ فضائل عليّ ـ 7 | 19 ، البداية والنهاية 7 : 398 .
(14) مسند أحمد 1 : 3 و 331 و 3 : 212 و 283 و 4 : 164 و 165 ، سنن الترمذي 5 | 3719 ، سنن النسائي 5 | 8461، الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ | 23 و 72 و 73 وصحّحها جميعاً، البداية والنهاية 7 : 374 و 394، تفسير الطبري 10 : 46 .
(15) مسند أحمد 1 : 331 ، سنن الترمذي 5 | 3722 ، الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ | 23 و 41 ، البداية والنهاية 7 : 374 و 379 ، فتح الباري 7 : 13 ، الاِصابة 4 : 270 .
(16) الخصائص ـ بتخريج الاَثري ـ | 38 .
(17) سنن الترمذي 5 / 3726 ، مصابيح السنة 4 / 4773 ، جامع الاصول 9 / 6493 ، البداية والنهاية 7 : 369.
(18) الكامل في التاريخ 2 : 302 ، وانظر حجة الوداع في سائر كتب السنن المفصّلة.
(19) الخصائص ـ بتخريج الأثري ـ / 112 ـ 113 ، وخرجه على النسائي وابن ماجة وابن خزيمة من وجوه.
(20) طه 20 : 132.
(21) تفسير القرطبي 11 : 174، تفسير الرازي 22 : 137 ، روح المعاني 16 : 284 والنصّ عنه.
(22) السنن الكبرى 5 : 139 / 8493 و 8494.