فانشغل فكر النبي بذي القربى، من هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرائيل ثانيا عليه (صلى الله عليه وآله) وقال: إن الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمة (ع) فطلب النبي (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة (ع) وقال: إن الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا، فمنحها وتصرفت هي فيها وأخذت حاصلها فكانت تنفقها على المساكين.
____________
1- سورة الاسراء، الآية 26.
الثعلبي في تفسير كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور: ج4 رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى عام 352، وأبو القاسم الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمال وابن كثير الدمشقي الفقيه الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة / باب 39 نقلا عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنه لما نزلت: (وآت ذا القربى حقه) دعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة فأعطاها فدك الكبير.
فكانت فدك في يد فاطمة (ع) يعمل عليها عمالها، ويأتون إليها بحاصلها في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وهي كانت تتصرف فيها كيفما شاءت، تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق بها على الفقراء والمعوزين.
ولكن بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسل أبو بكر جماعة فأخرجوا عمال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرفوا فيها تصرفا عدوانيا!
هل الأنبياء لا يورّثون؟
أولا: نحن نقول: بأن فدك كانت نحلة وهبة من النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (ع) وهي استلمتها وتصرفت فيها فهي (ع) كانت متصرفة في فدك حين أخذها أبو بكر . وما كانت إرثا.
ثانيا: الحديث الذي استند عليه أبو بكر نحن معاشر الانبياء لانورث مردود غير مقبول لأنه حديث موضوع لوجود اشكالات فيه.
أولا: واضع الحديث عندما وضع على لسانه بأنه صلى الله عليه وآله قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " قد غفل عن آيات المواريث التي جاءت في القرآن الحكيم، في توريث الأنبياء، ولو كان يقول: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا لا أورث لكان له مخلص من آيات توريث الأنبياء في القرآن فالصيغة الأولى: نحن معاشر الأنبياء لا نورث تعارض نص القرآن الحكيم، فتكذيب أبا بكر ورده أولى من نسبة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ما يخالف كتاب الله عز وجل.
كما أن فاطمة الزهراء (ع) أيضا احتجت على أبي بكر وردته وردت حديثه بالاستناد إلى القرآن الحكيم فإنه أقوى حجة وأدل دليل واكبر برهان.
استدلال الزهراء عليها السلام وخطبتها
نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج6 /211 / طبع دار إحياء التراث العربي، عن أبي بكر الجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء (ع) وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه (ع) وإلى الإمام الباقر بن جعفر ـ محمد بن علي ـ (ع) وإلى عبد الله بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط (ع) قالوا جميعا: لما بلغ فاطمة (ع) إجماع أبي بكر على منعها فدكا، لاثت خمارها، و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها،
ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار، فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء ـ و قال بعضهم: قبطية، و قالوا قبطية بالكسر و الضم ـ ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت: أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد، الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم.
و ذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها: فاتقوا الله حق تقاته، و أطيعوه فيما أمركم به، فإنما يخشى الله من عباده العلماء، و احمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السموات والأرض إليه الوسيلة.ونحن وسيلته في خلقه، و نحن خاصته و محل قدسه، و نحن حجته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه.
ثم قالت: أنا فاطمة ابنة محمد، أقول عودا على بدء، و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا، فاسمعوا بأسماع واعية و قلوب راعية! ثم قالت: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}(1) فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم... ثم ذكرت كلاما طويلا تقول في آخره: ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي!
{أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(2) ؟ إيها معاشر المسلمين! ابتز إرث أبي!
يا بن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي!! لقد جئت شيئا فريا!! إلى آخر خطبتها(3).
____________
1- سورة التوبة، الآية 128.
2- سورة المائدة، الآية 50.
3- أقول:وروى ابن أبي الحديد هذه الخطبة عن طريق عروة عن عائشة، في شرح
وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري وغيره، أنها قالت في خطبتها:
أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم!
إذ يقول الله جل ثناؤه: {وورث سليمان داود}(1).
واقتص من خبر يحيى وزكريا إذ قال: {رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا}(2).
وقال تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
____________
النهج 16/251لا / طبع دار إحياء التراث العربي، فقد روت عائشة خطبة فاطمة مشابهة لما مر وفيها قالت فاطمة:... حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ظهرت حسيكة النفاق و شمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين... و نبغ خامل الآفكين و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه صارخا بكم فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين و لقربه متلاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم و وردتم غير شربكم هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجرح لما يندمل إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة (ألا في الفتنة سقطوا و إن جهنم لمحيطة بالكافرين) فهيهات! و أنى بكم و أنى تؤفكون!! و كتاب الله بين أظهركم زواجره بينة و شواهده لائحة و أوامره واضحة أ رغبة عنه تريدون أم لغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا و من يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها تسرون حسوا في ارتغاء و نحن نصبر منكم على مثل حز المدى و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا(أ فحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)
يا ابن أبي قحافة! أ ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون إلى آخر الخبر.
((المترجم))
1- سورة النمل، الآية 16.
2- سورة مريم، الآية 6.(كتاب ليالي بيشاور للسيد محمد الموسوي الشيرازي)