اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تورط الشراح السنيين في حديث سفينة
سفينة : مولى أم سلمة ، وثقه علماء الجرح والتعديل السنيون ، وروى عنه البخاري وغيره من أصحاب الصحاح حديثاً يتعلق بالموضوع وصححوه .
قال الترمذي : 3/341 :
( عن سعيد بن جمهان قال : حدثني سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ، ثم ملك بعد ذلك ( عضوض ) .
ثم قال لي سفينة : أمسك عليك خلافة أبي بكر ، ثم قال : وخلافة عمر ، وخلافة عثمان ، ثم قال : أمسك خلافة علي ، فوجدناها ثلاثين سنة .
قال سعيد : فقلت له : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ؟
قال : كذب بنو الزرقاء ، بل هم ملوك من شر الملوك .
وفي الباب عن عمر وعلي قالا : لم يعهد النبي صلى الله عليه وسلم في الخلافة شيئاً . هذا حديث حسن ، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ، لانعرفه إلا من حديثه ) . انتهى . ورواه أحمد في مسنده : 5/220 ، و221 بدون كلام سفينة عن ملوك بني أمية . وقال عنه الحاكم : 3/71 وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .
ورواه ابن كثير في البداية والنهاية : 3/198 : ثم روى بعده عن عبد الرحمن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : خلافة نبوة ثلاثون عاماً ، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء ، فقال معاوية : رضينا بالملك !! . انتهى .
وإذا صح حديث سفينة فهو إخبار نبوي عن انحراف الأمة بعد الثلاثين سنة ، وعدم شرعية الحكم فيها . وبما أن عدد الحكام في هذه الفترة لم يزيدوا عن خمسة، فلا بد أن يكون الأئمة الإثنا عشر من غير الحاكمين ، أو تكون تكملتهم من غيرهم !
فحديث سفينة يحكم بخطأ جعل الأئمة الإثني عشر من الحكام ، كما هو واضح. ولكن أكثر الشراح أشربوا في قلوبهم حب بني أمية ، وارتكبوا كل تناقض لجعل ملكهم العضوض إمامة ربانية ، وجعل حكامهم المعروفين بسلوكهم وبطشهم ، أئمة ربانيين مبشراً بهم على لسان رسول رب العالمين!
والذي يزيدك اطمئناناً بما قلناه ، أنهم قبلوا حديث سفينة ( الخلافة ثلاثون سنة ) وقد فسره راويه سفينة ونفى الخلافة عن بني أمية ، وقال إنهم ملوك شر ملوك ! بل اتهمهم بأنهم أبناء رومية زانية ( بنو الزرقاء ) !
ومع ذلك جعلوهم أئمة ربانيين ، اختارهم الله تعالى لقيادة هذه الأمة !
ومنهم من حاول نفي تفسير سفينة للحديث وقال: إنه زيادة لم تثبت ، مثل الألباني ! وكذلك لم يثبت عندهم كل ما في تاريخ بني أمية من ظلم عضوض للناس !! فلا بد لهم أن يردوا وصف النبي له بالعضوض !!
قال العيني في عمدة القاري : 16/74 : ( فإن قلت : يعارض حديث سفينة ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة : لايزال هذا الدين قائماً ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، الحديث .
قلت : قيل إن الدين لم يزل قائماً حتى ولي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، وأراد بهذا خلافة النبوة ، ولم يرد أنه لايوجد غيرهم .
وقيل : هذا الحديث فيه إشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلين من قريش ، وإن لم يوجدوا على الولاء ، وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ، ثم قد كان بعد ذلك خلفاء راشدون منهم عمر بن عبد العزيز ، ومنهم المهتدي بأمر الله العباسي ، ومنهم المهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان ) . انتهى .
فانظر إلى هذا التصرف بالألفاظ من أجل مصلحة الأمويين ، حيث جعل الخلافة الشرعية نوعين : خلافة نبوة وهي التي كانت لمدة ثلاثين سنة ، وخلافة شرعية ليست خلافة عن النبي صلى الله عليه وآله !!
فلابد أن تكون خلافة عن بني تبع وبني حمير أو عن الهواء مثلاً ، وهي التي امتدت بعد الثلاثين ، وهي التي بشر بها النبي صلى الله عليه وآله بقوله : اثنا عشر خليفة ، أو إماماً !!
وقد تمسك الشراح المحبون لبني أمية بهذا الإبتكار وفرحوا به ، لأنه يبقى لهم إمكانية التلاعب بالحديث ، وتفسيره بأئمتهم الربانيين من بني أمية !!
قال ابن كثير في البداية والنهاية : 3/198:
( فإن قيل : فما وجه الجمع بين حديث سفينة هذا ، وبين حديث جابر بن سمرة ، المتقدم في صحيح مسلم ؟ . . .
فالجواب : أن من الناس من قال : إن الدين لم يزل قائماً حتى ولي اثنا عشر خليفة ثم وقع تخبيط بعدهم في زمان بني أمية .
وقال آخرون : بل هذا الحديث فيه بشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلاً من قريش ، وإن لم يوجدوا على الولاء ( التتابع ) وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة ، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون فيهم عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي رضي الله عنه ، وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمة ، حتى قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه : ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز !
ومنهم من ذكر : من هؤلاء المهدي بأمر الله العباسي .
والمهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان منهم أيضاً بالنص على كونه من أهل البيت ، واسمه محمد بن عبد الله ، وليس بالمنتظر في سرداب سامرا ، فإن ذاك ليس بموجود بالكلية ، وإنما ينتظره الجهلة من الروافض ) . انتهى .
فترى أن ابن كثير لاجواب عنده على إشكال حديث سفينة، ولذلك قال: من الناس من قال .. وقال آخرون .. ومنهم من ذكر ! وليته أكمل الرواية عن سفينة كما وردت في مصادرهم !
أما مدحه لعمر بن عبد العزيز أو المهدي العباسي ، فهو مهما كثر لايصير دليلاً على أنه أحد الأئمة الربانيين المبشر بهم ! وإلا لاستحق كل ممدوح مثلهما أن يكون منهم !
فإن دخول أحد في عداد أشخاص بشر بهم أنبياء الله تعالى يحتاج إلى دليل على أنه مقصود بهذا النص ، وأنه واحد من هؤلاء الربانيين الذين اختارهم الله تعالى وأعطاهم مقاماً فوق مدح المادحين من البشر !
وأما تكراره اتهام الشيعة بانتظار ظهور المهدي الموعود من سرداب سامراء فهو من المكذوبات علينا ، فنحن ننتظر ظهور المهدي عليه السلام من مكة كما ينتظره هو ، وسرداب سامراء بيته وبيت أبيه وجده عليهم السلام ، وهو مكان مبارك ، نصلي فيه ونتبرك به . ولكن ابن كثير .. كثير الكلام والتهم .
وقال في هامش عون المعبود : 11/361 :
( ذكر الشيخ ابن القيم رحمه الله ... حديث : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، وحديث اثنا عشر خليفة . ثم قال : فإن قيل : فكيف الجمع ؟ قيل : لاتعارض بين الحديثين ، فإن الخلافة المقدرة بثلاثين سنة هي خلافة النبوة كما في حديث أبي بكرة ) . انتهى .
ولم يقل ابن قيم ولا غيره إذا لم تكن خلافة بني أمية خلافة نبوة فهي خلافة ماذا يا ترى ؟؟ وهل تبقى لها صفة إسلامية وربانية ، بعد أن وصفها النبي صلى الله عليه وآله بأنها ملك عضوض ، كما اعترف صاحب قرة العينين وغيره ! وهل يعني إقرارهم بأنها ملك عضوض ، ونفيهم عنها صفة الخلافة الإسلامية ، إلا أنها خلافة جاهلية عضوضة ؟
وهل يتصور عاقل أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله يبشران الأمة بأئمة جاهليين ، يَعُضُّونها كالكلب بظلمهم ؟!
ولو أن ابن حبان وابن حجر وابن قيم وصاحب قرة العينين وأمثالهم .. اكتفوا بتعصبهم لبني أمية ، لكان خطبهم أسهل ، ولكنهم مع الأسف أصروا على تسخير الأحاديث النبوية لنصرتهم ، وتطبيق بشائر الأنبياء عليهم السلام على ملوكهم !!
ومن طريف عمل الألباني في حديث سفينة ، أنه صحح عدة أحاديث عن الإنحراف والأئمة المضلين ، الذين سيحكمون بعد النبي صلى الله عليه وآله ، ومنها حديث برقم 2982 ( إن من أصحابي من لايراني بعد أن أفارقه ! ) .
وحديث برقم 2864 ( إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة ) .
وحديث برقم 2865 ( إني ممسك بحجزتكم عن النار ، وتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب ، ويوشك أن أرسل حجزتكم ... ) إلخ .
وحديث برقم 1749 ( أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ) . وجعل هذا الحديث تحت عنوان : من أعلام نبوته الغيبية ، وقال بعده : ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة وجعله وراثة . والله أعلم .
وحديث برقم 744 ( إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين الله دَخَلاً، وعباد الله خَوَلاً ، ومال الله دِوَلاً ) .
كما صحح حديث سفينة برقم 459 ، ولكنه جعله تحت عنوان : خلافة النبوة !
ومع كل هذه الأحاديث التي صححها ، قال مدافعاً عن الأمويين : فلا ينافي مجيء خلفاء آخرين من بعدهم لأنهم ليسوا خلفاء النبوة . فهؤلاء هم المعنيون في الحديث لاغيرهم ! كما هو واضح !! ويزيده وضوحاً قول شيخ الإسلام في رسالته المذكورة : ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء ، وإن كانوا ملوكاً ولم يكونوا خلفاء الأنبياء ... إلخ . انتهى .
فقد أفتى هذا الإمام الألباني تبعاً لإمامه ابن تيمية ، بأن الأئمة الإثني عشر المبشر بهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله ، القيمين على الأمة بتعيين رب العالمين هم .. معاوية ويزيد وبنو الحكم بن أبي العاص ، الذين صحت فيهم أحاديث ذمٍّ قاصعة !!
وهكذا يدفعه غلوه في بني أمية إلى أن يعطي الحجة على ربه سبحانه ، وعلى نبيه صلى الله عليه وآله !!
فماذا يقول إذا قال له مستشرق مثلاً : إنكم أيها المسلمين تقولون إن ربكم مزاجي ونبيكم مزاجي أيضاً ، لأنهما يلعنان أشخاصاً ويذمانهم ويتبرآن منهم ! ثم يتغير مزاجهما فيرضيان عنهم ، ويعلنان للمسلمين : إنا نبشركم بهم وبأولادهم ، إنهم صفوة البشر ، أئمة ، ربانيون ، معصومون ، قيمون على الأمة !!
وهل دخل المستشرقون الخبثاء، وهل دخل سلمان رشدي وأمثاله ، وطعنوا في الإسلام ، إلا من أبواب أحاديث التعصب لقريش العتاة على ربهم وبني أمية العتاة على نبيهم وآله ، وكعب الأحبار مزرق ثقافة اليهود للمسلمين ؟!
( كتاب ايات الغدير للشيخ علي الكوراني)