1- حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه قال حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهر ويقال حدثنا علي بن موسى الرضا ( ع ) عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي ( ع ) قال أتى علي بن أبي طالب ( ع ) قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له عمرو فقال يا أميرالمؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا و أين كانت منازلهم و من كان ملكهم و هل بعث الله عز و جل إليهم رسولا أم لا و بماذا هلكوا فإني أجد في كتاب الله تعالى ذكرهم و لا أجد غيرهم
فقال له علي لقد سألتني عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك و لا يحدثك به أحد بعدي إلا عني و ما في كتاب الله عز و جل آية إلا و أنا أعرفها وأعرف تفسيرها و في أي مكان نزلت من سهل أو جبل و في أي وقت من ليل أو نهار و إن ها هنا العلم و أشار إلى صدره و لكن طلابه يسير و عن قليل يندمون لو فقدوني كان منقصتهم يا أخا تميم أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبرة يقال لها شاهدرخت كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها دوشاب
كانت أنبطت لنوح ( ع ) بعد الطوفان
و إنما سموا أصحاب الرس لأنهم رسوا بينهم في الأرض و ذلك بعد سليمان بن داود ( ع ) و كانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال لها رس من بلاد المشرق و بهم سمي ذلك النهر و لم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه و لا أعذب منه و لا قرى أكثر و لا أعمر منها تسمى إحداهن آبان و الثانية آذر والثالثة دى و الرابعة بهمن و الخامسة إسفندار و السادسة فروردين و السابعة ارديبهشت و الثامنة خرداد و التاسعة مرداد و العاشرة تير و الحادية عشر مهر والثانية عشر شهريور و كانت أعظم مدائنهم إسفندار و هي التي ينزلها ملكهم و كانيسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم ( ع ) و بها العين و الصنوبرة و قد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة فنبتت الحبة و صارت شجرة عظيمة و حرموا ماء العين و الأنهار فلا يشربون منها و لا أنعامهم و منفعل ذلك قتلوهم و يقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها ويشربونهم و أنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم و قد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة من يريد فيها من أنواع الصور ثم يأتون بشاة و بقر فيذبحونها قربانا للشجرة و يشعلون فيها النيران بالحطب فإذا سطع دخان تلك الذبائح و قتارها في الهواء و حال بينهم و بين النظر إلى السماء خروا للشجرة سجدا و يبكون و يتضرعون إليها أن ترضى عنهم فكان الشيطان يجيء فيحرك أغصانها و يصيح من ساقها صياح الصبي و يقول قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا و قروا عينا فيرفعون رؤوسهم عند ذلك و يشربون الخمر و يضربون بالمعازف و يأخذون الدستبند
فيكونون على ذلك يومهم و ليلتهم ثم ينصرفون
و إنما سمت العجم شهورها بآبانماه و آذرماه و غيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا و عيد شهر كذا حتى إذا كان عيد شهر قريتهم العظمى اجتمع إليه صغيرهم فضربوا عند الصنوبرة و العين سرادقا من ديبا جعليه من أنواع الصور له اثنا عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم و يسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق و يقربون له الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا و يتكلم من جوفها كلاما جهوريا و يعدهم و يمنيهم بأكثر مما وعدتهم و منتهم الشياطين كلها فيرفعون رؤوسهم من السجود و بهم من الفرح و النشاط ما لا يفيقون و لا يتكلمون من الشرب و العزف فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون
فلما طال كفرهم بالله عز و جل وعبادتهم غيره بعث الله عز و جل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهود بن يعقوب فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز و جل و معرفة ربوبيته فلا يتبعونه فلما رأى شدة تماديهم في الغي و الضلال و تركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح و حضر عيد قريتهم العظمى قال يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي و الكفر بك وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع و لا تضر فأيبس شجرهم أجمع و أرهم قدرتك و سلطانك فأصبح القوم و قد يبس شجرهم فهالهم ذلك و قطع بهم و صاروا فرقتين فرقة قالت سحر آلهتك من ذا الرجل الذي يزعم أنه رسول رب السماء و الأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه
و فرقة قالت لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها و يقع فيها و يدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها و بهائها لكيتغضبوا لها فتنتصروا منه فأجمع رأيهم على قتله فاتخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الأفواه ثم أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق و الأخرى مثل البرابخ و نزحوا ما فيها من الماء ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة و أرسلوا فيها نبيهم و ألقموا فاها صخرة عظيمة ثم أخرجوا الأنابيب من الماء و قالوا نرجو الآن أن ترضى عنه آلهتنا إذ رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها و يصد عن عبادتها
ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه فيعود لنا نورها و نضارتها كما كان فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم ( ع ) و هو يقول سيدي قد ترى ضيق مكاني و شدة كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي و عجل بقبض روحي و لا تؤخر إجابة دعوتي حتى مات ( ع ) فقال الله عز و جل لجبرئيل ( ع ) يا جبرئيل انظر عبادي هؤلاء الذي غرهم حلمي و أمنوا مكري و عبدوا غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني كيف و أنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي و إني حلفت بعزتي لأجعلنهم عبرة و نكالا للعالمين فلم يرعهم و هم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديدة الحمرة فتحيروا فيها و ذعروا منها و انضم بعضهم إلى بعض ثم صارت الأرض من تحتهم كحجر كبريت يتوقد و أظلتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا تلتهب فذابت أبدانهم في النار كما يذوب الرصاص في النار فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه و نزول نقمته و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
(كتاب عيون اخبار الرضا)