بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ساد في عهد « عمر » و« عُثمان » تمايز طبقي في توزيع الثروة من بيت المال ، حتى أصبح الناس قسمين ، قسم في عداد الأثرياء وما فوق ذلك ، وآخرون لا يرتفعون عن مستوى الفقر كثيراً! حتى تسبَّبت هذه السياسة الظالمة في استثراء تفاوت طبقي خطير..
فأعلن الإمام عليٌّ عليه السلام إلغاء التمايز الطبقي بكلِّ أسبابه ، وعهد إلى التسوية بين الناس في العطاء ، فالناس عنده سواسية كأسنان المشط ، وانقطعت آمال الطبقة الغنية التي لم تنظر للدنيا الا في منظار مادِّي.
فقال عليه أفضل الصلاة والسلام : « ألا لا يقولنَّ رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا ، فاتَّخذوا العقار وفجَّروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة ، واتَّخذوا الوصائف الروقة ، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً ، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه ، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون ، فينتقمون ذلك ويستنكرون ، ويقولون : حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا! » (1) .
ولمَّا نودي لقبض الحقوق ، قال الإمام عليٌّ عليه السلام لعبيدالله بن أبي رافع ـ كاتبه ـ : « إبدأ بالمهاجرين فناديهم ، وأعطِ كلَّ رجلٍ ممَّن حضر ثلاثة دنانير ، ثُمَّ ثنِّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك ، ومن حضر من الناس كلُّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك »!
وتخلَّف يومذاك رجال منهم : طلحة ، والزبير ، وعبدالله بن عمر ، وسعد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، قد عزَّ عليهم أن يكونوا كغيرهم من الموالي والعبيد!
هناك خطب الإمام عليٌّ عليه السلام مرَّةً أُخرى قال فيه : « هذا كتاب الله بين أظهرنا ، وعهد رسول الله وسيرته فينا ، لا يجهل ذلك الا جاهل عانَدَ عن الحقِّ ، منكر ، قال تعالى : ( يَاأيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقَاكُم ) » ثُمَّ صاح بأعلى صوته « ( أطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإن تَوَلَّوا فَإنَّ اللهَ لأ يُحِبُّ الْكَافِرِين )! أتمنُّون على الله ورسوله بإسلامكم ؟! ( بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أنْ هَدَاكُمْ لِلإِِيمَانِ إن كُنتُمْ صَادِقِين ) أنا أبو الحسن ، ألا إنَّ هذه الدنيا التي أصبحتم تمنُّونها وترغبون فيها ، وأصبحت تُغضبكم وترضيكم ، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خُلقتم له ، فلا تغرَّنكم فقد حذَّرتكموها..
فأمَّا هذا الفيء فليس لأحدٍ على أحدٍ فيه أثرة ، وقد فرغ الله من قسمته ، فهو مال الله ، وأنتم عباد الله المسلمون.. وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا ، وعهد نبيِّنا بين أظهرنا ، فمن لم يرضَ به فليتولَّ كيف يشاء! فإنَّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه » (2)
وقال عليه السلام : « أتأمرونِّي أن أطلب النصر بالجور فيمن وُليِّتُ عليه! والله لاأطور به ما سَمَرَ سَميرٌ (3) ، وما أمَّ نجمٌ في السماء نجماً! لو كان المال لي لسوِّيت بينهم ، فكيف وإنَّما المال مال الله ؟! » (4) .
وكان ذلك أبلغ وأروع خطاب يهزُّ المشاعر ، فهنيئاً لمن عاش في ظل النبوَّة والإمامة الحقَّة!
1) شرح النهج لابن أبي الحديد 7 : 37.
2) شرح ابن أبي الحديد7 : 40 ، والآيتان على التوالي من سورة الحجرات 49 : 13 ـ 17.
3) أي لا اُقاربه هدى الدهر.
4) نهج البلاغة ، الخطبة : 126.
الإمام علي عليه السلام
سيرة وتاريخ
اللهم لاتهلكني غماً حتى تستجيب لي وتعرفني الإجابة في دعائي