اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام على شيعة علي عليه السلام ورحمة الله وبركاته
الحمدلله ان جعلنا من خدام شيعة علي عليه السلام
اللهم صل على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها بعدد مااحاط به علمك
نعزي مولانا وقائدنا وحبيب قلوبنا المهدي عجل الله فرجه الشريف ومولانا ابومحمد الخضر عليه السلام ولجميع مواليهم وخدامهم بذكرى فاجعة البقيع
محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي ، عن أحمد بن عيسى الوشاء عن أحمد بن طاهر القمي ، عن محمد بن بحر بن سهل الشيباني ، عن أحمد بن مسرور ، عن سعد بن عبدالله القمي قال : كنت امرءا لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها ، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها ، متعصبا لمذهب الامامية ، راغبا عن الامن والسلامة ، في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم ، معيبا للفرق ذوي الخلاف ، كاشفا عن مثالب أئمتهم هتاكا لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدلا ، وأشنعهم سؤالا ، وأثبتهم على الباطل قدما.
فقال ذات يوم وأنا اناظره : تبا لك ولاصحابك ياسعد إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والانصار بالطعن عليهما وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته أما علمتم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده وأنههو المقلد لامر التأويل ، والملقى إليه أزمة الامة ، وعليه المعول في شعب الصدع ولم الشعث ، وسد الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك.
فكما أشفق على نبوته ، أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشئ (١) مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ولما رأينا النبي صلىاللهعليهوآله متوجها إلى الانجحار ، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله صلىاللهعليهوآله بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها وإنما أبات عليا عليهالسلام على فراشه لما لم يكن ليكترث له ولم يحفل به ، ولاستثقاله له ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتى فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد علي
ثم قال : يا سعد دونكها اخرى بمثلها تخطف آناف الروافض ألستم تزعمون أن الصديق المبرى من دنس الشكوك ، والفاروق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسران النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أوكرها؟.
قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الالزام ، وحذرا من أني إن أقررت لهما بطواعيتهما للاسلام ، احتج بأن بدء النفاق ونشوه في القلب لايكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه ، ونحو قول الله عزوجل « فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا »
وإن قلت : أسلما كرها ، كان يقصدني بالطعن إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهم البأس.
قال سعد : فصدرت عنه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطع كبدي من الكرب ، وكنت قد اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا ، على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد عليهالسلام.
فارتحلت خلفه ، وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في بعض المناهل ، فلما تصافحنا قال : لخير لحاقك بي ، قلت : الشوق ثم العادة في الاسؤلة قال : قد تكافأنا على هذه الخطة الواحدة فقد برح بي القرم إلى لقاء مولانا أبي محمد عليهالسلام واريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ، ومشاكل في التنزيل.
فدونكها الصحبة المباركة ، فانها تقف بك على ضفة بحر ) لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو إمامنا.
فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا عليهالسلام فاستأذنا فخرج [ إلينا ] الاذن بالدخول عليه ، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم على كل صرة منها ختم صاحبها.
قال سعد : فما شبهت مولانا أبا محمد عليهالسلام حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الايمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية ، تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا عليهالسلام يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها لئلا يصده عن كتبة ما أراد
فسلمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس ، فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي عليهالسلام (٤) إلى الغلام وقال له : يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ، فقال : يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها فقال مولاي عليهالسلام : يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز [ ما ] بين الاحل والاحرم منها.
فأول صرة بدأ أحمد باخراجها فقال الغلام : هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على اثنين وستين دينارا فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها ، وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا عليهالسلام صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها فقال عليهالسلام ، فتش عن دينار رازي السكة تاريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضة آملية وزنها ربع دينار والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منا وربع من فأتت على ذلك مدة قيض [ في ] انتهائها لذلك الغزل سارقا فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك منا ونصف من غزلا أدق مما كان دفعه اليه واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه.
فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.
ثم أخرج صرة اخرى فقال الغلام عليهالسلام : هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لايحل لنا مسها قال : وكيف ذاك؟ قال : لانه من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف وكال ما خص الاكار بحيل بخس ، فقال مولانا عليهالسلام : صدقت يا بني.
ثم قال : يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها فلا حاجة لنا في شئ منها وائتنا بثوب العجوز ، قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته.
فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب إلي مولانا أبومحمد عليهالسلام فقال : ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا قال : فالمسائل التي اردت أن تسأل عنها؟ قلت : على حالها يا مولاي. قال : فسل قرة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ـ عما بدالك منها.
فقلت له : مولانا وابن مولانا! إنا روينا عنكم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله جعل طلاق نسائه بيد أميرالمؤمنين عليهالسلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة أنك قد أرهجت على الاسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فان كففت عني غربك وإلا طلقتك ، ونساء رسول الله صلىاللهعليهوآله قد كان طلقهن وفاته.
قال : ما الطلاق؟ قلت : تخلية السبيل قال : وإذا كان وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله قد خلا لهن السبيل ، فلم لا يحل لهن الازواج؟ قلت : لان الله تبارك وتعالى حرم الازواج عليهن ، قال : وكيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلىاللهعليهوآله حكمه إلى أميرالمؤمنين.
قال : إن الله تبارك وتعالى عظم شأن نساء النبي صلىاللهعليهوآله فخصهن بشرف الامهات ، فقل رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن مادمن لله على الطاعة ، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك ، فأطلق لها في الازواج وأسقطها من شرف امومة المؤمنين.
قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها [ من بيته ]؟ قال : الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنى فان المرأة إذا زنت واقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لاجل الحد وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ومن قد أمر الله عزوجل برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لاحد أن يقربه.
قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى عليهالسلام « فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى » فان فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة ، فقال عليهالسلام : من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته لانه ما خلا الامر فيها من خطبين إما أن تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة ، فان كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة [ إذ لم تكن مقدسة ] وإن كانت مقدسة مطهرة فليس بأقدس وأطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما ، فقد أوجب على موسى عليهالسلام أنه لم يعرف الحلال من الحرام ، وعلم ماجاز فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر.
قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال : إن موسى عليهالسلام ناجى ربه بالواد المقدس فقال : يارب إني قد أخلصت لك المحبة مني ، وغسلت قلبي عمن سواك ، وكان شديد الحب لاهله ، فقال الله تبارك وتعالى : « اخلع نعليك » أي انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا.
قلت : فأخبرنى يا بن رسول الله عن تأويل « كهيعص » قال : هذه الحروف من أنباء الغيب ، اطلع الله عليها عبده زكريا عليهالسلام ، ثم قصها على محمد صلىاللهعليهوآله و ذلك أن زكريا عليهالسلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل عليهالسلام فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سري عنه همه وانجلى كربه ، وإذا ذكر [ اسم ] الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة (١) فقال ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي.
فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته ، وقال : « كهيعص » فالكاف اسم كربلا والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين ، والعين عطشه ، والصاد صبره فلما سمع ذلك زكريا عليهالسلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته : إلهي أتفجع خير خلقك بولده ، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما.
ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر ، واجعله وارثا وصيا ، واجعل محله مني محل الحسين فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده ، فرزقه الله يحيى عليهالسلام وفجعه به.
وكان حمل يحيى ستة أشهر ، وحمل الحسين عليهالسلام كذلك وله قصة طويلة.
قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لانفسهم قال : مصلح أو مفسد؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟! قلت : بلى ، قال : فهي العلة اوردها لك ببرهان يثق به عقلك.
أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم ، وأيدهم بالوحي والعصمة ، إذهم أعلا [ م ] الامم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما ، وكمال علمهما ، إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق ، وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت : لا فقال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ، ونزول الوحي عليه ، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عزوجل « واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ـ إلى قوله ـ لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم » .
فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الافسد ، دون الاصلح وهو يظن أنه الاصلح دون الافسد ، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور ، وتكن الضمائر ، ويتصرف عليه السرائر ، وأن لاخطر لاختيار المهاجرين والانصار ، بعد وقوع خيرة الانبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا عليهالسلام : يا سعد وحين ادعى خصمك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الامة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد امور التأويل ، والملقى إليه أزمة الامة ، المعول عليه في لم الشعث وسد الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته ، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من البشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه وإنما أبات عليا على فراشه ، لما لم يكن يكترث له ولا يحفل به ، ولاستثقاله إياه وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لهامذهبكم ، وكان لا يجد بدا من قوله [ لك ] : بلى ، فكنت تقول له حنيئذ : أليس كما علم رسول الله صلىاللهعليهوآله أن الخلافة بعده لابي بكر ، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ، ومن بعد عمر عثمان ، ومن بعد عثمان لعلي؟ فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك : نعم.
ثم كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار ، ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبابكر بإخراجه مع نفسه دونهم..
فهلا نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة على أعمار الاربعة الذين هم الخلفاء الراشدون فيمذهبكم ، وكان لا يجد بدا من قوله [ لك ] : بلى ، فكنت تقول له حنيئذ : أليس كما علم رسول الله صلىاللهعليهوآله أن الخلافة بعده لابي بكر ، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ، ومن بعد عمر عثمان ، ومن بعد عثمان لعلي؟ فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك : نعم.
ثم كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يخرجهم جميعا على الترتيب إلى الغار ، ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبابكر بإخراجه مع نفسه دونهم.
ولما قال : أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل له : بل أسلما طوعا ، لانهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وسائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم ، من حال إلى حال من قصة محمد صلىاللهعليهوآله ومن عواقب أمره ، فكانت اليهود تذكر أن محمدا صلىاللهعليهوآله يسلط على العرب كما كان بخت نصر سلط على بني إسرائيل ولابد له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل غير أنه كاذب في دعواه.
فأتيا محمدا فساعداه على [ قول ] شهادة أن لا إله إلا الله ، وبايعاه طمعا في أن ينال كل منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره واستتبت أحواله ، فلما أيسا من ذلك ، تلثما وصعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقين ، على أن يقتلوه فدفع الله كيدهم ، وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا ، كما أتى طلحة والزبير عليا عليهالسلام فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد فلما أيسا نكثا بيعته ، وخرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين قال [ سعد ] : ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي عليهالسلام إلى الصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت : ما أبطأك و أبكاك؟ قال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره ، فقلت : لا عليك فأخبره فدخل عليه وانصرف من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وآل محمد. فقلت : ما الخبر؟ قال : وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليهالسلام يصلي عليه.
قال سعد : فحمدنا الله جل ذكره على ذلك ، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزل مولانا عليهالسلام أياما ، فلانرى الغلام بين يديه ، فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أرضنا ، وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال : يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة ، واشتدت المحنة ، ونحن نسأل الله أن يصلى على المصطفى جدك ، وعلى المرتضى أبيك ، وعلى سيدة النساء امك وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك ، وعلى الائمة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إلى الله أن يعلي كعبك ، ويكبت عدوك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال : فلما قال هذه الكلمة ، استعبر مولانا عليهالسلام حتى استهلت دموعه ، و تقاطرت عبراته ، ثم قال : يا ابن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فانك ملاق الله في صدرك (١) هذا فخر أحمد مغشيا عليه ، فلما أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا عليهالسلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال : خذها ولا تنفق على نفسك غيرها ، فانك لن تعدم ما سألت وإن الله تبارك وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
قال سعد : فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليهالسلام من حلوان على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وصارت عليه علة صبعة أيس من حياته فيها ، فلما وردنا حلوان ، ونزلنا في بعض الخانات ، دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال : تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده.
قال سعد : فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح ، أصابتني فكرة ففتحت عني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد عليهالسلام وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيتكم قد فرغنا من غسل صاحبكم وتكفينه فقومولدفنه فانه من أكرمكم محلا عند سيدكم ، ثم غاب عن أعيننا ، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمهالله.
المصدر بحار الانوار الجزء 52
دمتم برعاية بقية الله
اِلـهي اِنْ لَمْ تَبْتَدِئنِي الرَّحْمَةُ مِنْكَ بِحُسْنِ التَّوْفيقِ فَمَنِ السّالِكُ بي اِلَيْكَ في واضِحِ الطَّريقِ