السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابا صالح التماس دعا
وَأَعِنّا عَلى تَأدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَالاجْتِهادِ فِي طاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَعْصِيَتِهِ، وَامنُنْ عَلَيْنا بِرِضاهُ وَهَبْ لَنا رَأفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدَعائَهُ وَخَيْرَهُ مانَنالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَفَوْزاً عِنْدَكَ
لبيك يا رسول الله
التوصية بخمس وعشرين أمراً هي أصول لتهذيب النفس
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾
أمّا بعد، فهذه الرسالة الموسومة بـ "زاد السالك" كتبت جواباً لسؤال أحد الأخوة الروحانيّين الذي كان قد سأل عن كيفيّة سلوك طريق الحقّ.
إعلم- أيّدك الله بروح منه- كما أنّ للسفر الصوري مبدأ ومنتهى، ومسافة ومسير، وزاد وراحلة، ورفيق ودليل، فكذلك للسفر المعنوي الذي هو سفر الروح نحو الحقّ سبحانه وتعالى جميع هذه الأمور.
فمبدأه: الجهل والنقصان الطبيعي الذي أُخرج معه من بطن أمّه:﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾.
ومنتهاه: الكمال الحقيقي الذي هو فوق جميع الكمالات، وهو الوصول إلى الحقّ سبحانه وتعالى:﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيه﴾.
ومسافة الطريق في هذا السفر: هي مراتب الكمالات العلميّة والعمليّة التي تطويها الروح شيئاً فشيئاً، فيما لو كانت موافقة لصراط الشرع المستقيم الذي هو طريق الأولياء والأصفياء.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.
وهذه الكمالات مترتّبة بعضها على بعض، فلا يمكن الانتقال إلى الكمالات المتأخّرة ما لم يُطو الكمال المتقدّم.
ومنازل هذا السفر: هي الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة، حيث يحصل الترقّي والانتقال في أحوال ومقامات الروح من كلّ منزلة إلى المنزلة التي فوقها بشكل تدريجي:
والمنزل الأوّل هو اليقظة والّتي هي عبارة عن المعرفة، والمنزل الأخير هو التوحيد الذي هو عبارة عن المقصد الأقصى لهذا السفر.
وتفاصيل هذه المنازل ودرجاتها مذكورة في كتاب "منازل السائرين".
ومسير هذا السفر: هو السعي التامّ والجهد البالغ وانتخاب الهمّة في قطع هذه المنازل بمجاهدة النفس ورياضتها؛ بحمل أعباء التكاليف الشرعيّة من الفرائض والسنن والآداب ومراقبة النفس ومحاسبتها آناً فآناً ولحظة فلحظة، وحصر الهموم وجعلها همّاً واحداً والانقطاع إلى الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾.
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
وزاد هذا السفر: هو التقوى، ﴿تَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.
والتقوى عبارة عن القيام بما أمر به الشارع والاجتناب عمّا نهى عنه عن بصيرة، ليكون القلب بنور الشرع وصيقل تكاليفه مستعدّاً لتلقّي فيوض المعرفة من الحقّ عزّ وجلّ.
﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾.
وكما أنّ المسافر الصوري ما لم يحصل على قوّة البدن من الزاد لا يقدر على قطع الطريق، فكذلك المسافر المعنوي ما لم يقم بالتقوى والطهارة الشرعيّة ظاهراً وباطناً، ويقوّي الروح بها، فلن تُفاض عليه العلوم والمعارف والأخلاق الحميدة المترتبة على التقوى، والّتي تحصل التقوى منها أيضاً- لا على سبيل الدور- ومَثَله كمثل شخص كان في ليلة مظلمة، بيده مصباح، يرى بنوره طريقاً ويمشي فيه، وكلّما يرفع قدماً تُضاء له قطعة من ذلك الطريق فيمشي فيها، وهكذا. وما لم يرفع قدمه ويمشي فلا ضياء، وما لم يُضاء له فلا يقدر على المشي. فتلك الرؤية بمنزلة المعرفة، وذلك السير بمنزلة العمل والتقوى.
"من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم".
"إنّ العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل".
"لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له، ألا إنّ الإيمان بعضه من بعض" كذا عن الصادق عليه السلام .
وكما أنّ من لا يعرف الطريق في السفر الصوري لا يصل إلى المقصد، فكذلك من لم تكن له بصيرة في العمل في السفر المعنوي لا يصل إلى المقصد.
"العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده كثرة (سرعة) السير إلا بُعداً".
وراحلة هذا السفر: هي البدن وقواه، فكما أنّ في السفر الصوري إذا كانت الراحلة ضعيفة وفيها علّة لا يمكنها طيّ الطريق، فكذلك في هذا السفر إذا لم يكن البدن صحيحاً وقويّاً لا يمكنه الاتيان بأيّ عمل. فإذاً تحصيل المعاش ضروريّ من هذه الجهة. وما هو ضروريٌّ واجب بمقدار الضرورة.
إذاً، فطلب الفضول في المعاش مانع من السلوك. والدنيا المذمومة التي ذكروا التحذير منها هي عبارة عن ذلك الفضول الذي هو وبال على صاحبه. وأمّا المقدار الضروريّ منه فداخل في أمور الآخرة وتحصيله عبادة.
وكما أنّ من ترك راحلته ترعى كيف تشاء فإنّه لا يطوي الطريق، فكذلك في هذا السفر إذا ترك بدنه وقواه تفعل كلّ ما تشتهيه، ولم تُقيّد بالآداب والسنن الشرعيّة، ولم يمسك لجامها بيده، فإنّه لا يطوي طريق الحقّ.
ورفاق هذا الطريق: هم العلماء والصلحاء والعبّاد السالكون الذين يمدّ أحدهم الآخر ويعين بعضهم بعضاً، فليس كلّ شخص يمكنه الاطلاع بسرعة على عيب نفسه، ولكنّه يقف بسرعة على عيب غيره. إذاً، فإذا قام عدّة أشخاص ببناء أنفسهم سويّة وأخبر أحدهم الآخر بعيوبه وآفّاته فإنّ الطريق يُطوى لهم بسرعة، ويأمنون من اللصّ وسارق الدِّين، فإنّ الشيطان إلى المنفرد أقرب منه إلى الجماعة، و"يد الله على الجماعة".
وإذا خرج أحدهم عن الطريق فسيخبره الآخر بذلك وأمّا إذا كان وحيداً فهيهات أن يقف على ذلك.
ودليل هذا الطريق: هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأئمّة المعصومين عليهم السلام الّذين هم أدلّاء الطريق، وقد وضعوا السنن والآداب، وأخبروا عن مصالح الطريق ومفاسده، وسلكوا هذا الطريق بأنفسهم، وقد طلب من الأمّة الاقتداء والتأسّي بهم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾. ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾.
التوصية بخمس وعشرين أمراً هي أصول لتهذيب النفس:
الأوّل: المحافظة على الصلوات الخمس، أعني إقامتها في أوّل الوقت جماعة بسننها وآدابها. فإذا أخّرها عن أوّل وقتها من غير عذر وعلّة، أو لم يحضر الجماعة، أو ضيّع سنّةً من سننها أو أدباً من آدابها إلا نادراً ، فإنّه يخرج عن سلوك الطريق، ويكون حاله مساوياً لحال سائر العوام التائهين في صحراء الجهالة والضلالة، لا علم له بمقصد ولا طريق، وسوف لن يترقّى أبداً.
الثاني: المحافظة على صلاة الجمعة والعيدين والآيات مع اجتماع الشرائط- إلا مع العذر المسقط- فقد ورد أنّه: "إذا ترك الجمعة ثلاثاً متواليات بغير علّة طبع الله على قلبه".
الثالث: المحافظة على النوافل المعهودة للرواتب اليوميّة والتي عُدَّ (في بعض الروايات) تركها معصية، إلا أربع ركعات من نافلة العصر وركعتين من نافلة المغرب والوتيرة، فإنّ تركها من غير عذر جائز أيضاً.
الرابع: المحافظة على صوم شهر رمضان وإكماله كذلك بضبط اللسان من اللغو والغيبة والكذب والكلام البذيء ونحوها، وكذا ضبط سائر الأعضاء من الظلم والخيانة والإفطار على الحرام والشبهة، أكثر من سائر الأيّام.
الخامس: المواظبة على صيام السنّة، وهو الأيّام الثلاثة المعهودة من كلّ شهر، والتي تعادل صوم الدهر، ولا تترك من غير عذر، وإذا تركها قضاها أو تصدّق بدلها بمدٍّ من الطعام.
السادس: المحافظة على الزكاة على وجه لا يجوز معه التأخير والتأنّي إلا مع العذر كفقدان المستحقّ أو انتظار أفضل المستحقّين ونحو ذلك.
يتبع ...
نسألكم براءة الذمة والدعاء
فى هذه الايام الفضيلة