تمتد دوافع الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) أمور داخلية فقد يكون المساهم في إيجاد الارتباط الإنسان بذاته وقد يكون شيء آخر
أ- الدوافع المرغبة
إن الحصول على نتائج الارتباط بالمعصومين من قبيل السعادة، الفلاح والخلاص من أهوال القيامة هي من ترغب الإنسان المؤمن إلى إيجاد الارتباط بالمعصومين. فالسعادة هي الأمل الدائم للبشرية. فحينما يفهم أنّ هذه العلاقة ستؤدي إلى تأمين سعادته فسيرغب حينها بهذه العلاقة وسيسعى إلى تحصيلها.
ب- الدوافع الذاتية
1- الفطرة
إنّ الميل إلى أهل البيت (عليهم السلام) قد مزج بأرواح أهل الإيمان وهو السبب في حياتهم المعنوية. فهذا الميل يتجذّر في ذات أهل الإيمان ويمثل حالة فطرية؛ لأن الإنسان جُبل على فطرة الكمال وهو باحث عن الكمال وكذلك لأنّه حينما يرى الكمال متجسداً في شيء بشكل صحيح أو خاطئ، فإنّه سيميل إليه وسيسعى للحصول عليه. ومن الطبيعي أن تكون فطرة البحث عن الكمال متجذّرة في عشقه للكمال. وبمعنى آخر فحينما يحبّ الكمال، فإنه سيبحث عنه. هذا من جانب ومن جانب آخر فإنّ المعصومين (عليهم السلام) يمثلون الإنسان الكامل وأنّ الكمالات المطلوبة لجميع الناس تتجلى فيهم ومنهم، ولكونهم عباد الله المخلصين، فإنّهم يمثلون المرآة التي تعكس كمالاته تعالى بشكل تام وهم الواسطة للوصول إلى فيضه وكذلك لأنهم يقولون أنّ الخلق قد حصل بوساطة الإنسان الكامل
فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
لما عرج بي إلى السماء ودّعني جبرائيل، فقلت: حبيبي جبرائيل أفي مثل هذا المقام تفارقني؟ فقال: يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي، ثم زج بي في النور ما شاء الله، فأوحى الله إليّ: يا محمد إنّي اطلعت إلى الأرض إطلاعة فاخترتك منها وجعلتك نبيا، ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها علياً فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي، فلولاكم لما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار، يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب. فنوديت: يا محمد ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن ابن علي والحجة يتلألأ بينهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هؤلاء ومن هذا؟ فنوديت يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك، وهذا الحجة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ويشفي صدور قوم مؤمنين. (1)
فمن الطبيعي أن يكون الميل نحو الإنسان الكامل خصلة قد أودعت لدى جميع البشر، لكن غير المؤمنين يحجبون أنفسهم بحجاب الظلام الدنيوي، لذلك أمسوا لا يبصرون الحقيقة:
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ.(2)
هذا في حين لم يبتعد أهل الإيمان عن فطرتهم السليمة لذلك سيجدون طعم وحلاوة هذا الحب والميل إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام). يقول أبو حمزة الثمالي وهو من خاصّة أصحاب الإمام زين العابدين والإمام الباقر (عليه السلام)
سمعت الباقر (عليه السلام) يقول:
إن الله خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا، وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا، لأنها خلقت مما خلقنا. (3)
إنّ كلام الإمام (عليه السلام) يدلّ بوضوح على أنّ الميل القلبي لأهل الإيمان إلى المعصومين (عليهم السلام) تمتدّ جذوره في الحالة الأولى لخلق قلوبهم ونفوسهم حيث يعبّر علماء التفسير عن ذلك بالفطرة.
وهي الفطرة التي خلق الله تعالى الإنسان عليها:
فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. (4)
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)في تبيين كلمة الفطرة في الآية:
التوحيد ومحمد رسول الله وعليّ أمير المؤمنين.(5)
وقد روي عن أبي بصير أنه سئل الإمام الباقر عن هذه الآية فقال (عليه السلام):
هي الولاية (6)
والآن يمكننا أن نصل إلى نتيجة أنه ميل القلب للأخيار والكاملين من أولياء الله تعالى يتجذّر بأجمعه من الفطرة فقد روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأمير المؤمنين (عليه السلام):
يا علي شيعتك هم الفائزون يوم القيامة، فمن أهان واحدا منهم فقد أهانك، ومن أهانك فقد أهانني ومن أهانني أدخله الله نار جهنم خالدا فيها وبئس المصير، يا علي أنت مني وأنا منك، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، وشيعتك خلقوا من فضل طينتنا فمن أحبهم فقد أحبنا، ومن أبغضهم فقد أبغضنا، ومن عاداهم فقد عادانا، ومن ودهم فقد ودنا. (7)
وقد روي عن ابن طاووس وهو من كبار علماء الشيعة أنه سمع في السرداب المقدس من
الإمام (عليه السلام) أنّه قال:
" اللهم إن شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا علی حبنا وولائنا... (8)
إنّ ملاحظة هاتين الروايتين والروايات الأخرى التي وردت بهذا المضمون أنّ الميل إلى آل العصمة والطهر أنّما هو أمر قد نشأ مع خلق الإنسان وأنّ هذا الميل هو منشأ الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام).
إنّ كل ارتباط سيؤدي حدوث لطف وكلّ لطف سيؤدي إلى تشديد حبهم في القلوب وأنّ هذه المحبّة هي بالذات من تكون جذراً لارتباطات أخرى بالمعصومين (عليهم السلام) بحيث تصير هذه العلاقة خصلة لا تنفك عن البشر لتبلغ محبتهم القمة.
وقد تتطور حينما يتم التحقيق والتفحص الأعمق في سيرة حياتهم، وآدابهم وأخلاقهم وحالاتهم؛ ومن هذا المنطلق فإن "التربية" و"اللطف" و"الدراسة" و"التحقيق" تمثل العوامل الخارجية لتحقق الفعليّة ونموّ العامل الداخلي لهذا الارتباط.
2- المعرفة والمحبّة
إنّ معرفة قدر ومنزلة المعصومين (عليهم السلام) وإن لم يكن بمستوى مقامهم ومكانتهم الحقيقية ولكنه سيكون سبباً لإيجاد الارتباط معهم إنّ هذه المعرفة ستكون سببا لظهور المحبّة والمحبة هي بالذات ما تمثل الارتباط الداخلي وهي ما تمثل الجذر لجميع الارتباطات الخارجية
فعن الإمام الصادق (عليه السلام):
إذا تجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة، وإذا هاج ريح المحبة استأنس ظلال المحبوب، وآثر المحبوب على ما سواه، وباشر أوامره وأجتنب نواهيه واختارهما على كل شئ غيرهما...(9)
_________
(1) الجواهر السنية: الحر العاملي، ص 279
(2) البقرة: 18.
(3) الكافي: الشيخ الكليني، ج 1، ص 390
(4) الروم: 30.
(5) بحار الأنوار: العلامة المجلسي ج3، ص278، ح9؛ نقلا عن التوحيد، ص329
(6) الكافي: الكليني، ج1، ص418، ح35.
(7) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ح65، ص7، ح1؛ نقلاً عن الأمالي للشيخ الصدوق، ص15، ح8.
(8) المصدر السابق، ج53، 303.
(9) المصدر السابق، ج67، ص22، ح22؛ نقلاً عن مصباح الشريعة ص119.
من محاضرات: سماحة آیة الله الشیخ مجتبی الطهراني
ترجمة: الأستاذ علي فاضل السعدي
abna.ir