اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم
والعن عدوهم والمتراضين على عدوهم ومنكري فضائلهم من الاولين والاخرين
السلام على شيعة علي عليه السلام ورحمة الله وبركاته
الحمدلله تعالى رب العالمين ان جعلنا من خدام شيعة علي عليه السلام
ياغياث المستغيثين اغثني بفاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ادركني
عظم الله اجوركم
السيد جعفر العلوي البحراني
العلم الإداري في بعض مفرداته وأفكاره موغل في التاريخ البشري منذ القدم، ولكنه حقق قفزة نوعية في جوانبه الفكرية والتنظيرية علي ي
أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، عليه السلام، وحيث إننا ندرك أن علم الإدارة ينقسم الى أنواع؛ منها «علم الإدارة التجاري» (Business administration)، و «علم الإدارة الشخصي» (Personal administration)، و «علم الإدارة العامة» (administration Public) وأنواع اخرى.. واستطاع الإمام، عليه السلام، أن يثري علم الإدارة بكل أنواعه بمفاهيم غزيرة تحتاج الى عملية بلورة واستخراج بالتبحر في خطبه و رسائله وحكمه التي تحتوي على كم كبير من المفاهيم والرؤى الإدارية.
ولعل التجربة العملية للإمام علي، عليه السلام، تكمن بالدرجة الأولى في علم الإدارة العامة، متجلياً ذلك في مواقفه، وعدد من رسائله الى ولاته في الأمصار، وبالأخص عهده الى مالك الأشتر. كما برز الإمام، عليه السلام، في مجال علم الإدارة الشخصي عبر مقولاته الحكيمة، ودعواته في أن يحرك الإنسان كوامنه الذاتية ويثق بها، ومن ثم ينطلق بقدراته إبداعاً وعطاءً. ونحن نلاحظ أن العديد من حِكم الإمام، تندرج في إعادة صياغة الإنسان فكراً وسلوكاً ليكون قادراً على إدارة طاقاته ومواهبه بصورة ناجحة وذكية كيما يتخطى الدنيا بنجاح، ويحرز الآخرة بجدارة.
هناك عدة تعريفات للإدارة وضعها علماء الإدارة، ولكن حسب دراستنا لهذا العلم، نستطيع أن نعرّف الإدارة بأنها العملية الفكرية والعملية التي نستطيع بواسطتها تحقيق الهدف بأقل الجهود، وفقاً لمنهج يتضمن خطوات مُحددة سلفاً. هذا التعريف شامل لكل أنواع الإدارة. كمثال على ذلك: الرغبة لدى مؤسسة أن تكون الشركة الأولى في إنتاج سلعة ما، هو هدف (Goal)، ولكي تصل إليه ينبغي وضع منهج يتضمن خطوات محددة للوصول الى تلك الغاية، تُعرف بالتخطيط (Planning)، ولكن بأقل الجهود من الناحية البشرية والمالية والزمنية. فتكون عملية تحقيق هذا الهدف وفقاً لذلك التخطيط وبأقل تلك الجهود، هي عملية الإدارة (Management).
وأي قائد يعجز عن الإدارة الصحيحة، لا يكتب له النجاح في قيادته، حتى ولو ملك «كاريزما» خاصة، وحظي بمحبة الناس وطاعتهم له. ونستطيع أن نقول إن أفضل القادة هم أفضل الإداريين. ولكن ليس بالضرورة أن كل مدير ممتاز بإمكانه أن يكون قائداً. وتتقدم القيادة على الإدارة من الناحية المنطقية، لأن القائد هو الذي يملك الإمكانيات، والقدرات البشرية المطيعة له، ثم يوظفها بشكل سليم لتحقيق الأهداف، وهذا التوظيف السليم هو الإدارة بعينها.
ونحن نرى في الرسل، ولا سيما رسولنا الأعظم، صلى الله عليه وآله، وكذلك الإمام علي، عليه السلام، تحديداً، أرقى وأفضل قادة وإداريين ناجحين عرفهم التاريخ البشري. لأن قدرتهم على قيادة شعوب أو مجاميع بشرية واسعة، قائمة على مجموعة صفات اخلاقية ونفسية متقدمة، وكذا نجاحاتهم في تحقيق نتائج إنما اعتمدت على قدراتهم الإدارية إضافة الى التسديد الإلهي - بالطبع- وبالتالي نستطيع القول أن سبب التفوق الرئيسي لدى المجموعات البشرية، دولاً كانت أم تنظيمات أم مؤسسات، في نجاحها الإداري. ويرى اثنان من كبار أساتذة الجامعات الأمريكية 1، أن السبب الرئيسي لتفوق اليابان، يكمن في مهارتها الإدارية، فليس في الشعب الياباني شيءٌ مميز يمتاز به على الشعوب القريبة منه سوى قدرته الإدارية. وإلا فلا تختلف الثروات الموجودة في اليابان عنها في الصين، أو في كوريا او فيتنام.
من توجيهات الإمام علي في الإدارة
أولاً: العناية بالزمن
من أهم المقومات الإدارية الناجحة، تقدير الشخص لعنصر الزمن، وقد أولى الإسلام هذا العنصر عناية شديدة، وحثّ على استغلاله بأفضل صورة، وقد أقسم القرآن بالزمن، كما يشير الى ذلك أحد معاني كلمة «العصر»، ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ ، ويُعد الاعتناء بعنصر الزمن، أحد أهم أسباب النجاح والتقدم، وإهماله سبب رئيس للفشل والتخلف، كونه العامل المحدود، (The limiting factor) في عناصر أي تحرك يُراد تحقيق هدفه.
ولو لاحظنا أسباب تخلف العالم الثالث، ومنه العالم الإسلامي بالتحديد لرأينا أن أحد أهم تلك الأسباب هي إضاعة وقت الأفراد، و وقت المؤسسات، ووقت الدوائر الحكومية، بحيث أصبحت زمنية إنتاج الموظف الحكومي في بعض هذه البلدان تصل الى أقل من ساعة منتجة. وقد بلغ من شدة إهتمام الإسلام بالزمن أن اعتبر كل يوم هو بمثابة حجة جديدة على الإنسان، يستطيع من خلاله، أن يحصد أعلى درجات الاستفادة منه، ففي الحديث: أن كل يوم جديد يخاطب الإنسان ويقول له: «أنا يوم جديد وغداً عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل فيّ خيراً، فإنك لن تراني بعد هذا». وفي الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وآله: «اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»2. وقال الإمام علي، عليه السلام: «إن عمرك وقتك الذي أنت فيه». وقال أيضاً: «احذروا ضياع الأعمار فيما لا يبقى، فإن فائتها لا يعود».
بملاحظة هذه الأحاديث نكتشف شدة تحريض الإسلام على استثمار الوقت، وكلمة «الاغتنام» في الحديث الثاني تحمل دلالة واضحة على ذلك، بارتباطها بإحدى مفردات ظرف الزمان، «قبل».
ثانياً: الحزم
وهي من الصفات القيادية والإدارية المهمة. ومعنى الحزم كما يفسره الإمام علي، عليه السلام: «الحزم النظر في العواقب، ومشاورة ذوي العقول»3، وقريب منه التعريف اللغوي حيث يقول: حزم رأيه أو أمره: ضبطه وأتقنه، وحزم الشيء: جعله حزمة، أي جمعه مع بعضه البعض أو وضع الحزام عليه4. ويقول الإمام الشيرازي: «من الأمور المهمة لحسن الإدارة الحزم بكل أبعاده، والحزم، لفظ يشتمل على معرفة الأشياء، ومعرفة الأمور، والنظر في العواقب، وسرعة الإدراك، والانتقال من المقدمات الى النتائج، وانتهاز الفرص»5.
وبالتالي فإن المعنى الإداري الحديث للحزم هو التخطيط العام في الإدارة، ابتداءً من وضع الأهداف والتصورات، وخطط العمل، وكيفية الوصول الى النتائج، لذا فان حديث الإمام علي، السابق، يؤكد أن الحزم هو النظر في العواقب، أي محاولة التعرّف على نتائج العمل، ومن ثم وضع التصورات المستقبلية والتي هي جزء أساس من التخطيط، كما أن مشاورة العقول وأصحاب الاختصاص هي للحصول على معلومات مفيدة في زمن التخطيط من أصحاب الخبرة والكفاءة. ومصطلح التدبير، الذي يأتي في العديد من الأحاديث وحكم الإمام، عليه السلام، يفيد التخطيط أيضاً، مثل قوله عليه السلام: «التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم»، ومن الطبيعي أن مرحلة ما قبل العمل هي التفكير والتخطيط، ولذا عبر الإمام عن هذه العملية العقلية الهامة بقوله: «لا عقل كالتدبير». والتي يستفاد منها القدرة على التخطيط قبل العمل، والتفكير أثناءه للوصول به الى النتائج السليمة.
يقول سماحة العلامة السيد هادي المدرسي: «التخطيط للعمل يعزز فرص النجاح فيه، فإي مشروع يقوم على تصور مسبق يصبح سهل الإنجاز. ولقد ثبت أن التخطيط الجيد يشكل خمسين في المائة من تحقيق العمل». ويقول الإمام علي، عليه السلام: «الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي». وإجالة الرأي هو تقليب الرأي والتفكير الممعن فيه، ومن أهم ذلك هو مشاورة أصحاب الخبرة، ومن أهم آلياتها الاجتماعات.
ثالثاً: العقل الجمعي
هناك أسلوبان في الحياة، و ينعكسان على الإدارة: الأول: العمل الفردي، ونقصد به أن تسيطر الروح الفردية على العمل، بحيث يصبح الشخص، سواءً كان رئيس دولة أو صاحب شركة أو أي مشروع هو الذي يسيطر على العمل والنظام بأجمعه، وترى بصماته واضحة في كل شيء. وتصبح المؤسسة الإدارية بأكملها تنطلق منه، وبه، وتنتهي إليه، فهو المحور في كل شيء. وهو ما يُعرف بالإدارة المركزية المطلقة، وأبرز مثال على ذلك الأنظمة الديكتاتورية، حيث تتلخص الدولة بشخص الرجل القوي فيها. وهذا النوع من الإدارة هو الذي عبر عنه القرآن على لسان فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}، (سورة غافر /29)، وأبرز مخاطر هذا التوجه المركزي في الأنظمة أنه ينتهي بانتهاء الشخص، لأن الشخص هو محوره الأول والأخير. أما النوع الإداري الآخر فهو القائم على العقل الجمعي، و روح المؤسسة، وهو أما أن يكون مؤسسو العمل جمعٌاً من الأشخاص، كحال الجمعيات والتنظيمات، أو مؤسسة فرد واحد، ولكنه يعمل بروح المؤسسة والفريق، وترى الحالة اللامركزية في العمل، و وجود الثقة المتبادلة بين أطراف العمل، وتحكيم مبدأ التفويض.
هذا النوع أقوى ثباتاً في الإدارة، وأكثر صواباً من النوع الأول، إذا استند العمل الإداري الى روح الفريق الواحد القائم على التشاور والتعاون والتنسيق بينهم. ومما يشير الى أن مثل هذه الطريقة الإدارية هي الأقرب الى الصواب والحكمة، قول الإمام علي، عليه السلام: «من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها». وقال ايضاً: «لا ظهير كالمشاورة». ويعد الإمام، عليه السلام، أن وجود العقل الجمعي يقود الى التفوق والصحة، حيث يقول: «من شاور ذوي الألباب دُل على الصواب».
رابعاً: الاهتمام بالنظام
في العلم الإداري هناك ركنان أساسيان، هما التنظيم، والتشكيل. أي وضع هيكل تنظيمي يدير المؤسسة، والتشكيل يراد به وضع الأشخاص المناسبين في الهيكل التنظيمي. ويُعد الاهتمام بالنظام من الأمور الأساسية في التقدم، والنجاح، لأن الفوضى والتخبط على الأغلب لا تؤدي الى نتائج متقدمة، فحتى لو نجح فرد على أساس الفرص، ولكنه مع الاستمرار يفشل إذا لم يستند عمله الى روح النظام. وقد أولى الإسلام موضوع النظام أهمية كبرى. فقد ذمت بعض الآيات الحالة غير المنظمة في حياة الفرد، القائمة على الهوى والتخبط. قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾، (سورة الفرقان /43)، وقال تعالى: ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (سورة الكهف /28). وقال الإمام علي، عليه السلام: «أوصيكم بتقوى الله، ونظم أمركم». وهنا نلاحظ أن الإمام اعتبر تنظيم الأمور هي القضية المحورية الثانية بعد تقوى الله في وصيته لأبنائه والمسلمين حين وفاته، وهذه دلالة واضحة على أهمية التنظيم في استمرار المسيرة. ولقد اهتم، عليه السلام، كثيرا بمسألة التنظيم، من خلال اهتمامه بوضع العديد من مناهج العمل الإداري والقيادي لولاته في الأمصار. ومن ذلك عهوده الى عدد من ولاته كالأشتر النخعي، ومحمد بن أبي بكر.
خامساً: التوجيه
يعد التوجيه من أركان الإدارة الناجحة. ففي أثناء سير العمل الإداري للدولة، أو للمؤسسة تبرز بعض الأمور الخافية، سواء كانت إيجابية أو سلبية. ولا بد من المدير الناجح أن يتابع كل تطورات العمل، بالتأكد من سيره وفقاً للخطة الموضوعة، والتأكيد على الإيجابيات، وحل المشكلات، والسلبيات التي طرأت أثناء العمل. وإذا لاحظنا سيرة الإمام علي، عليه السلام، سنلاحظ هذا البعد الإداري المهم لديه، فهو يهتم دوماً بتوجيه المسلمين، و اتباعهم بالخصوص، وإرشادهم للسبل السليمة في طاعة الله، بل حتى في الأمور الحياتية التي تقوم على الحكمة وفهم الأسباب. وما هذا السيل الواسع من خطبه وحكمه وأحاديثه إلا دلالة على أهمية التوجيه لدى الإمام.
سادساً: التحفيز
وقد عدّ بعض مفكري الإدارة، هذه النقطة، أحد مقومات الإدارة. وقد أولى الإسلام موضوع التحفيز إهتماماً من ناحيتين: التبشير والإنذار، فكل عمل سليم فيه رضا الله، نرى أن القرآن يمتدحه ويوضح الثواب الآخروي بالدرجة الأولى لمثل هذا العمل، وعبر عملية الإنذار يحافظ الدين على استقامة العباد، من خلال تحذيرهم بالعواقب الخطرة للمعاصي. ونرى في سيرة الإمام، عليه السلام، شديد الاهتمام بهذا المقوم الإداري المهم. فنرى في العديد من خطب الإمام علي الحثّ الشديد على القيام بالمتطلبات العامة المفترضة على الأمة. كما كان يتخذ سبيل امتداح الشخص حين يقوم بعمل رائع، ويفتخر بذلك العمل أمام الآخرين ونرى أن الإمام علياً عليه السلام يخاطب مالكاً الأشتر في عهده إليه، بإيضاح أمرٍ هام في التحفيز، فيقول: «ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وإلزم كلاً منهم ما ألزم نفسه».
--------------
1- ريتشارد تانر باسكال وانطوني ج. آثوس، في كتابهما «فن الإدارة اليابانية» دار الحمراء - بيروت ط 1 ص: 7
2- الحديثان نقلاً عن كتاب الإدارة ج1 ص 165- موسوعة الفقه للإمام الشيرازي - دار العلوم، بيروت
3- منتخب ميزان الحكمة 136- محمد ريشهري - مركز دار الحديث - قم 1422هـ
4- المعجم الوسيط - مجمع اللغة العربية - القاهرة.
5- كتاب الإدارة ج2، 346 مصدر سابق.
6- منتخب ميزان الحكمة، 136 مصدر سابق.
نسالكم الدعاء
دمتم برعاية بقية الله
الهي ان لم تبدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي اليك بواضح