جاء في الكافي بسند معتبر عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عُمَير عن عُمر بن أذينة عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : { خَلقَ الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة } ( 1 ) .
و بغض النظر عن معنى الحديث و تفاصيله ، فإنه يظهر واضحاً منه ان الاشياء خلقت بالمشيئة الإلهيه تنزيهاً لذاته تعالى من مباشرة الفعل ، أي ان المشيئه كانت هي الخالقه ، بإذن من الله تعالى و بإرادة منه .. ،
و قد جاء عن الامام الرضا ( عليه السلام ) توضيح لمعنى "المشيئه" و ماهيتها ، ففي الكافي مسنداً عن يونس بن عبد الرحمن قال : قال لي ابو الحسن عليه السلام :
{ يا يونس أتعلم ما المشيئة ؟ قلت : لا. قال : هي الذكر الأول . أوَ تعلم ما الإرادة ؟ قلت : لا. قال : هي العزيمة. أفتعلم ما القدر ؟ قلت : لا. قال : هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، ثم قال : والقضاء هو الابرام وإقامة العين } ( 2 ) .
فالإمام الرضا (ع) عرف المشيئه على انها " الذكر الأول " ، و قد ورد هذا اللفظ " الذكر " في القرآن الكريم ، بقوله تعالى « فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ » ،
و قد جاء عن ائمة الهدى ( صلوات الله عليهم ) تفسير هذه الآيه ففي بصائر الدرجات بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله تعالى فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون قال : { الذكر محمد صلى الله عليه وآله ونحن أهله ونحن المسؤولون } ( 3 ) .
فقد اوضح الامام الصادق (ع) ان " الذكر " هو سيد الوجود و افضل الخلائق محمد بن عبد الله ( عليه و آله و آبائه صلاة الله و آلاف التحية و السلام ) ، فإن كانت " المشيئه " هي " الذكر " كما اوضح الامام الرضا (ع) ، و كان " الذكر " هو رسول الله (ص) ، فهذا يعني ان رسول الله (ص) هو المشيئة التي خلق الله الأشياء بها ...
و لما كان محمد و آل محمد ( صلوات الله عليهم ) جميعهم حقيقة واحده و نور واحد و شيء واحد كانوا جميعاً هم المشيئة التي خلقت بها الأشياء ... كما جاء عنهم (ع) : { أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد وكلنا محمد } ( 4 ) .
و عن النبي (ص) قال : { خلقني الله تعالى و اهل بيتي من نور واحد } ( 5 ) .
و عن الامام الصادق (ع) قال :- { علمنا واحد و فضلنا واحد و نحن شيء واحد } ( 6 ) .
فهم جميعاً صلوات الله عليهم تلك المشيئه التي خلقها الله ثم خلق الأشياء بها ، و مما يؤكد كونهم هم ( المشيئة الإلهيه ) ما ورد عن امير المؤمنين (ع) في وصف آل محمد { ... فلا يقاس بهم من الخلق أحد ، فهم خاصة الله وخالصته وسر الديان وكلمته ، وباب الايمان وكعبته وحجة الله ومحجته وأعلام الهدى ورايته وفضل الله ورحمته ، وعين اليقين وحقيقته ، وصراط الحق وعصمته ، و مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرب ومشيئته ، وام الكتاب وخاتمته ، وفصل الخطاب ودلالته ، وخزنة الوحي وحفظته ، وآية الذكر وتراجمته ، ومعدن التنزيل ونهايته فهم الكواكب العلوية والانوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية ، في سماء العظمة المحمدية والاغصان النبوية النابتة في دوحة الاحمدية والاسرار الالهية المودعة في الهياكل البشرية ، والذرية الزكية ، والعترة الهاشمية الهادية المهدية اولئك هم خير البرية فهم الائمة الطاهرون و العترة المعصومون و الذرية الاکرمون و الخلفاء الراشدون و الکبراء الصديقون و الاوصياء المنتخبون و لااسباط المرضيون و الهداة المهديون و الغر الميامين من آل طه و يس و حجج الله علي الاولين و الآخرين و اسمهم مکتوب علي الاحجار و علي اوراق الاشجار و علي اجنحة الاطيار و علي ابواب الجنة و النار و علي العرش و الافلاک و علي اجنحة الاملاک و علي حجب الجلال و سرادقات العز و الجمال و باسمهم تسبح الاطيار و تسغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار و ان الله لم يخلق احدا الا و اخذ عليه الاقرار بالوحدانية و الولاية للذرية الزکية و البراءة من أعدائهم و ان العرش لم يستقر حتي کتب عليه بالنور لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله . } ( 7 ) .
و في هذا الحديث المبارك العظيم عن امير المؤمنين (ع) تصريح واضح بأنهم (ع)
( مشيئة الله ) ، و هذا يعني و وفقاً للحديث (( خَلقَ الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة )) بأن محمداً و آل محمد (ص) هم الذين خلقت بهم الأشياء ، لأنهم مشيئة الله و الله بمشيئته خلق الأشياء ! ،
كما ان المشيئة التي خلقت بها الاشياء هي اول المتكونات و الموجودات ، لأنها الواسطه في ايجاد الخلق ، فكل مخلوق قد خلق بواسطة المشيئه ما يدل ان المشيئه هي قبل الخلق جميعاً ، و هذا يؤكد كون محمد و آل محمد (ص) هم المشيئه ، لأنهم (ع) اول الموجودات ، و في ذلك روايات كثيره منها ما ورد في علل الشرائع :
عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي ابن أبي طالب صلوات الله عليهم اجمعين قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : { ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه منى ، قال : علي عليه السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل فقال يا علي ، ان الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك ، وان الملائكة لخدامنا وخدام محبينا . يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ، لان أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده ، ثم خلق الملائكة فلم شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون ... } ( 8 ) .
و ان كونهم (ع) ( مشيئة الله ) لا ينافي كونهم (ع) ( محال مشيئة الله ) ، لأن المشيئة الالهيه هي اول الموجودات و لما كانت *ارواح* محمد و آل محمد (ص) هي اول الموجودات و المخلوقات حتى قبل اجسادهم، نتج من ذلك ان ارواح محمد و آل محمد (ص) هي المشيئه ، و اجسادهم المقدسه التي هي محال ارواحهم هي محال المشيئه ، لأن المشيئة هي ارواحهم المقدسه ...
اي ان ((ارواح محمد و ال محمد هي المشيئه)) ، و ((اجسادهم محال المشيئه)).
و عن الإمام السجاد صلوات الله و سلامه عليه : { نحن إذا شئنا شاء الله، وإذا أردنا أراد الله، ونحن أحلّنا الله عز وجل هذا المحل، واصطفانا من بين عباده، وجعلنا حجته في بلاده } ( 9 ) .
و صلى الله على محمد و آل محمد سادات الوجود و مبدئه وغايته وقدرة الرب ومشيئته وام الكتاب وخاتمته وفصل الخطاب ودلالته وخزنة الوحي وحفظته وآية الذكر وتراجمته ومعدن التنزيل ونهايته ، و جنب الله و صفوة الله و خيرة الله و مستودع مواريث الانبيآء و امنآء الله و وجه الله و آية الهدى و العروة الوثقى ، من بهم فتح الله و بهم ختم الله ، و الاولون و الآخرون و أخيار الدهر ونواميس العصر ، و سادة العباد وساسة البلاد ، و النهج القويم والصراط المستقيم ، و علة الوجود وحجة المعبود ، لا يقبل الله عمل عامل جهل حقهم ، و قناديل النبوة ومصابيح الرسالة ، و نور الانوار وكلمة الجبار و راية الحق التي من تبعها نجا ومن تأخر عنها هوى ، و أئمة الدين وقائد الغر المحجلين و معدن النبوة وموضع الرسالة وإليهم تختلف الملائكة ، و سراج لمن استضاء والسبيل لمن اهتدى ، و القادة إلى الجنة و الجسور و القناطر ، و السنام الاعظم . و من بهم ينزل الغيث و بهم ينزل الرحمة و بهم يدفع العذاب والنقمة ... ( 10 ) .
( 1 ) ( الكافي ج1 ص110 الحديث 4 ) .
( 2 ) ( الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - الصفحة 158 ) .
( 3 ) ( بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ع) ص60 ) .
( 4 ) ( بحار الأنوار ص 16 الروايه 2 باب 14 ) .
( 5 ) ( كفاية الأثر ص70 ـ 73 ) .
( 6 ) ( تفضيل الأئمه : مخطوط ) .
( 7 ) ( مشارق أنوار اليقين (ص114-117) / البحار ج25- ص169-174 ) .
( 8 ) ( علل الشرائع ج1 ص5 ) .
( 9 ) ( البحار ج26 ص14 ).
( 10 ) ( مشارق الانوار / بحار الانوار 26 ص 262 ) .