• كتب الميرزا النوريّ في ( دار السلام ):
مِن آيات الله العجيبة التي تطهّر القلوبَ عن رِجْز الشياطين.. أنّه في أيّام مُجاوَرتِنا في بلد الكاظمين عليهما السّلام، كان رجلٌ نصرانيّ ببغداد يُسمّى « يعقوب »، عَرَض له مرض الاستسقاء، فرجع إلى الأطباء فلم ينفعه علاجهم، واشتدّ به المرض حتّى أصبح « يعقوب » نحيفاً ضعيفاً.. إلى أن عجز عن المشي.
قال يعقوب: وكنتُ أسأل اللهَ تعالى تكراراً الشفاءَ أو الموت، إلى أن رأيتُ ليلةً في المنام، وذلك في حدود سنة 1280هجريّة، وكنتُ نائماً على السرير: سيّداً جليلاً نورانيّاً، حضر عندي فهزّ السرير وقال لي:
ـ إن أردتَ الشفاء فالشرطُ بيني وبينك أن تدخل بلد الكاظمين عليهما السّلام وتزور؛ فإنّك تبرأ من هذا المرض.
فانتبهتُ من النوم، وقَصَصتُ رؤياي على أُمّي فقالت: هذه من الشيطان! ثمّ أتَتْ بالصليب والزِّنّار فعلّقَتْهما علَيّ، ونمتُ ثانياً.. فرأيتُ امرأةً مُنَقَّبةً عليها إزارها، فهزّت السرير وقالت:
ـ قُمْ؛ فقد طلع الفجر.. ألم يَشتَرِطْ معك أبي أن تزوره فيَشفيك ؟!
ـ ومَن أبوكِ ؟!
ـ الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام.
ـ ومَن أنتِ ؟
ـ أنا المعصومة أختُ الرضا عليه السّلام.
فانتبهتُ متحيّراً في أمري.. ما أصنع ؟! وأين أذهب ؟! فوقع في قلبي أن أذهب إلى بيت السيّد الراضي البغدادي الساكن في محلّة الرواق، فمشيتُ إليه.. فلمّا دَقَقتُ الباب نادى:
ـ مَن أنت ؟
ـ افتَح الباب.
فلّما سمع صوتي نادى بِنتَه:
ـ افتحي الباب؛ فإنّه نصرانيّ يريد أن يدخل في الإسلام.
فقلت له بعد الدخول:
ـ مِن أين عَرَفتَ ذلك ؟!
ـ أخبرني جَدّي عليه السّلام في النوم.
فذهب بي إلى الكاظمين عليهما السّلام، وأدخلني على الشيخ عبدالحسين الطهرانيّ فحكيتُ له القصّة، فأمر بي أن يُذهَبَ بي إلى الحرم المطهَّر، فذهبوا بي إلى هناك وأطافوا بي حول الشبّاك، ولم يظهر لي أثر.
فلمّا خرجتُ من الحرم تأمّلتُ هُنَيئةً.. فعرضَ لي عطش، فشربتُ الماء فعرض لي اختلاط فوقعتُ على الأرض، وكأنْ على ظهري جبلٌ فحُطّ عنّي، وبُدّل اصفرار وجهي إلى الحمرة، ولم يبقَ فيّ أثرٌ مِن ذلك المرض، فرجعتُ إلى بغداد لآخذ مؤونتي مِن مالي فاطّلَعَ أهلي وأقاربي على ذلك، فأخذوني وذهبوا بي إلى بيتٍ فيه جماعة فيها أُمّي، فقالت لي:
ـ سَوَّد اللهُ وجهَك، ذهبتَ وكَفَرت!
ـ تَرَينِ ما بقيَ مِن مرضي أثر ؟
ـ هذا من السحر!
ونظر سفير الدولة الإنجليزيّة إلى عمّي وقال:
ـ إأْذَنْ لي أن أُؤدّبه؛ فإنّه قد كفر اليوم، وغداً يكفّر جميع طائفتنا!
فأمر بي فجرّدوني، وأضجعوني وضربوني بالآلة المعروفة بـ « القِرباچ »، وهو مشتمل لشُعَبٍ من السِّيم ( أي الأسلاك ) الموضوعة على رأسه شبه الإبر، فجرى الدم من أطراف بدني، ولكنْ لم يؤثّر فيه مِن جهة الوجع والألم.. إلى أن وَقَعتْ أختي نفسها علَيّ، فكَفُّوا عني، وقالوا لي:
ـ أقْبِلْ على شأنك.
فرجعتُ إلى الكاظمين عليهما السّلام، ودخلتُ على الشيخ عبدالحسين الطهراني، فلقّنني الشهادتَين وأسلمتُ على يدَيه، فلمّا كان وقت العصر بعَثَ المتعصّبُ العنيد والي بغداد نامق باشا رسولاً إلى الشيخ الطهراني ومعه كتاب، فيه: إنّ رجلاً أتى إليك لِيُسْلم، وهو من رعايانا وتبعة الإفرنج، فلابدّ أن يُسْلِم عند القاضي. فأجابه الشيخ بأنّ الذي ذكرتَه أتى عندي ثمّ ذهب لشأنه وأخفاني.
ثمّ بعثني إلى كربلاء فزرت، وزُرتُ المشهد الغرويَّ أيضاً ورجعت، ثمّ بعثني مع رجل صالح من أهل « اصطهبانات » من توابع شيراز إلى بلاد العجم، وكنتُ في قرية « اصطهبانات » سنة، بعدها رجعت إلى العتبات.
فلمّا دخلتُ بلد الكاظم عليه السّلام تحرّك فيّ عِرقُ الرَّحم، واشتَقتُ إلى لقاء أقربائي، وذكرت ذلك للشيخ محمّد حسن الكاظميّ فمنعني وقال:
ـ أخاف أن يُمسكوك.. فإمّا أن تُعذَّب، أو ترجع إلى النصرانيّة.
فرجعتُ عن قصدي، ورأيت في تلك الليلة في نومي كأنّي في بَرِّيّة واسعة مُخْضَرّة من النبات، فيها جماعة من السادة، وكان رجلٌ واقف فيها قال لي:
ـ لِمَ لا تُسلّم على نبيّك ؟
فسلّمتُ على السادة، حتّى قال لي أحدُ السيّدَين اللّذَين كانا مقدَّمينِ على جميعهم:
ـ أتحبّ أن ترى أباك ؟
ـ نعم.
فقال لذلك الرجل: اذهَبْ به إلى أبيه ليراه.
فذهب لي.. فرأيتُ جبلاً مظلماً يستقبلني، فلمّا قَرُب منّي استحرّ الهواء فصار مثل الصيف، وارتفع صوتٌ وفُتح منه باب صغير يشتعل ناراً يصيبني شَرَرُها، وأسمعُ مِن داخله صياح إنسان ـ وكان أبي ـ! فاستوحشتُ، فردّني إلى السادة فقالوا لي:
ـ أتريد أباك بعد هذا ؟ قلتُ: لا.
ثمّ أمروا بي أن اغتَمِس في حِياضٍ كانت هناك ـ وهي سبعة ـ فاغتَمَستُ بأمرهم في كلّ واحدٍ منها ثلاث مرّات. ثمّ أُتي لي بثيابٍ بِيضٍ فلبستُها، وانتبهتُ من النوم فرأيتُ بدني تنتابه الحكّة، ويخرج من جميع أعضائه دَماميلُ كبار.. ذكرتُ ذلك للشيخ فأجابني:
ـ ذلك ممّا كان في بدنك من لحم الخنزير وأثر الخمر، واللهُ يريد أن يطهّرك منه بعدما أسلمت.
وكان يخرج مِن بدني القروح.. إلى مدّة أُسبوع.
وانصرف « يعقوب » عن نيّته بزيارة أهله، ورجع إلى محلّ هجرته، وهناك تزوّج وانشغل بذِكْر مصائب أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، ورُزق الأولاد، وتشرّف مع أهله بزيارة مراقد أئمّة العراق عليهم السّلام مرّة ثانية، ثمّ رجع إلى محلّ هجرته وإقامته .
منقول