اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومضات نورانية عن الحج
الحج سؤال الله:
إنتبهوا إلى أن السفر إلى الحج ليس سفراً للتجارة، وليس سفراً لتحصيل أمور الدنيا، إنما هو سفر إلى الله.
أنتم ذاهبون إلى بيت الله الحرام، فأتمّوا كل الأمور والأعمال المطلوبة منكم بطريقة إلهية. إن سفركم الذي يبدأ من حين التهيّؤ هو وفادة إلى الله،
سفر إلى الله تعالى وكما أن المسافرين إلى الله أمثال الأنبياء عليهم السلام والعظماء من ديننا، مسافرون إلى الله في جميع أحوالهم وأوقات حياتهم،
ولم يتخلّفوا خطوة واحدة عن أي شيء في برنامج الوصول إلى الله، أنتم أيضاً تذهبون الآن وفوراً إلى الله، في الميقات الذي تذهبون إليه تلبون فيه نداء الله،
وتقولون لبّيك اللهم لبّيك، يعني أنت تدعونا ونحن نجيب الدعوة، معاذ الله أن تقوموا بعمل لا يرضاه الله تبارك وتعالى .
معاذ الله أن تجعلوا هذا السفر سفراً للتجارة أو تبحثوا الأمور والمسائل التجارية فيما بينكم، أيها السادة أهل العلم، أيتها القوافل، يا رؤساء القوافل،
يا سائر الحجاج، هذا السفر سفر إلى الله وليس سفراً إلى الدنيا، فلا تلوّثوه بها.
أخلصوا في الحج :
إن أهم الأمور في جميع العبادات هو الإخلاص في العمل وإذا قام شخص لا سمح الله بعمل ما لأجل التظاهر به أمام الآخرين،
وعرض عمله الجيّد أمامهم، فإنه يصبح باطلاً. ولينتبه الحجّاج المحترمون وليواظبوا على عدم إشراك غير الله في أعمالهم،
إن الجهات المعنوية للحج كثيرة، والمهم أن يعرف الحاج إلى أين يذهب ودعوة من يلبّي؟ وأنه ضيف من؟ وما هي آداب هذه الضيافة؟
وليعلم أن الغرور والنظرة الذاتية لا يجتمعان مع حب الله وطلبه، ويتناقضان مع الهجرة إلى الله، وبالتالي تكونان سبباً لنقص معنويات الحج.
وإذا ما تحققت هذه الجهة المعنوية والعرفانية للإنسان و تحققت لبّيك صادقة ومقرونة بنداء الحق تعالى، حينها ينتصر الإنسان في جميع الميادين.
لا ترجموا أنفسكم :
إن هذا السفر الإلهي الذي تذهبون إليه وترجمون فيه الشيطان،وإذا ما كنتم لا سمح الله من جنود الشيطان سترجمون أنفسكم أيضاً.
يجب أن تكونوا فيه رحمانيين، وأن تصبحوا رحمانيين، حتى يكون رجمكم رجم أتباع الرحمن، ورجم جنود الرحمن للشيطان،
أنتم تقفون في تلك المواقف والمواضع الكريمة، معاذ الله أن يتلوّث وقوفكم بشيء خلاف الشرع.
لا حج كامل بدون حج صحيح :
إن المراتب المعنوية للحج هي رأسمال الحياة الخالدة وتقرب الإنسان من أفق التوحيد والتنزيه،
وسوف لن نحصل على النتيجة ما لم ننفذ أحكام وقوانين الحج العبادية بشكل صحيح ولائق وشعرة بشعرة،
على الحجّاج المحترمين والعلماء المعظّمين مسؤولي قوافل الحجّاج أن يصرفوا وقتهم ويكون كل همّهم هو تعليم وتعلّم مناسك الحج
وعلى العارفين مراقبة من يرافقهم حتى لا يتخلف أحد عن الأوامر.
على أيّة حال هذه وظيفة العلماء الموجودين في القوافل يعني هي إحدى وظائفهم، وإن إحدى الوظائف المهمة أيضاً هي تعريف الناس بمسائل الحج،
إننا نرى الكثيرين من الأشخاص الذين يذهبون إلى الحج ويتحملون المصاعب وهم لا يعرفون مسائل الحج ويصبحون مقيّدين بحركتهم هناك،
وعندما يعودون وبعد عدة سنوات يسألون أننا قد أنجزنا علمنا على الشكل التالي، فهل حجّنا صحيح أم لا؟ فهل نحن ما زلنا على إحرامنا أيضاً أم لا؟
فيجب على السادة العلماء أن يعقدوا جلسات للتدريس ويدرّسوا الناس آداب الحج، واجبات الحج، محرّمات الحج، فإذا لم يتعلّموا الآداب،
فليس في ذلك إشكال، أما المحرمات والواجبات فيجب تعليمها للناس يومياً، ويجب على الناس أيضاً الذهاب عند السادة العلماء لحضور هذه الدروس،
فإذا ما انعقدت هذه الدروس فيجب أن يذهبوا إليهم ويستمعوا ويتعلموا مسائل الحج حتى لا يصبحوا مأسورين فيما بعد عند عودتهم
ويتساءل أحدهم كيف كان طوافي، هل كان صحيحاً أم لا؟.
فعندما تتعلمون المسائل فالعمل حينئذ يكون صحيحاً وخالياً من الأخطاء وأيضاً إن إحدى الوظائف الملقاة على الجميع
ويجب على العلماء القيام بها هناك، كما يجب على عامّة الناس أن يتتبعوا هذا الأمر هي تعلّم مسائل الحج
وعدم الاكتفاء بأننا ذهبنا إلى الحج وأنجزنا عملنا كيفما كان.
كلا الأمر هنا مختلف عن كل الأماكن الأخرى فالإنسان الذي يذهب للزيارة مثلاً ولم ينجز أعماله المتعلقة بها على النحو الصحيح
سوف لن تسبب له أي إشكال أو مشكلة أما هنا في الحج فإنها تسبب له إشكالات أنه ما زال محرماً!
فهذا يعني أنه يجب عليه أن يذهب ثانية إلى الحج وهو يواجه الكثير من هذه الإشكالات لذا ومن أجلكم أنتم عليكم أن تتّبعوا هذه المسائل
وتتعلّموها حتى لا تقعوا في الاشتباه والخطأ ولا تكون سبباً لتعبكم فيما بعد .
سرُّ التلبية :
إن هذه المناسك العجيبة كلّها إشارات عرفانية وروحية لا يتّسع المجال لتفصيلها في هذا المقال بدءاً من الإحرام والتلبية
وحتى آخر المناسك لذا سأكتفي بذكر بعض إشارات التلبية، إن لبَّيك التي تتكرر عدة مرات من إنسان، حقيقته أنّه يستجيب لدعوة الله بالاسم الجامع،
ويستمع بروحه لنداء الحق، فالمسألة هي مسألة الحضور بين يدي الله ومشاهدة جمال المحبوب
ويحكى أن المتحدث في هذه الساحة المقدسة يتجاوز ذاته لينفي وهو يكرر استجابته الدعوة
ويعقب بعد ذلك بنفي الشريك لله بالمعنى المطلق الذي يعلمه أهل الله ليس الشريك في الألوهية فقط،
وإن كان نفي الشريك في هذا المقام أيضاً شاملاً لجميع المراتب حتى فناء العالم في نظر أهل المعرفة
ومشتمل على جميع الفقرات الاحتياطية والإستجابية مثل "الحمد لك والنعمة لك " والحمد هنا من اختصاص الذات المقدسة،
وكذلك النعمة ونفي الشريك، وهذا غاية التوحيد عند أهل المعرفة، وهذا يعني أن كل حمد وكل نعمة تتحقق في عالم الوجود،
هي حمد الله ونعمة الله بدون شريك، ويسري هذا المقصد وهذه الغاية على كل موقف ومشعر ووقوف وحركة وسكون وفي أي عمل،
وخلاف ذلك إنما يكون الشرك بالمعنى الأعم، المبتلون به نحن جميعاً عمي القلوب.
.........................................
مقتطفات من كتاب أبعاد الحج للإمام الخميني (قدس)