اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال عز من قائل في محكم كتابه الكريم:
{ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَـبِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِى الطَّوْلِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } [color=]سورة غافر[/color]
«توب» يمكن أن تكون جمع «توبة» وأن تكون مصدراً (يلاحظ مجمع البيان).
(غافر الذنب)
(قابل التوب)
(شديد العقاب)
(ذي الطول)
(لا إله إلاّ هو إليه المصير)
تضفي أسماء الله السكينة على القلب ، فهو غافر الذنب و قابل التوب و هو ذو الطول ، ولولا هذه السكينة لتصدعت قلوب المؤمنين عند استماعهم لاسم شديد العقاب .
إنّ من له هذه الصفات هو المستحق للعبادة وهو الذي يملك الجزاء في العقاب والثواب.
تنطوي الآيات الثلاث الآنفة الذكر على مجموعة من الملاحظات:
أولا: في الآيات أعلاه (آية 2 و3) بعد ذكر الله وقبل ذكر المعاد (إليه المصير)اشتملت الآيتان على ذكر سبع صفات للذات الإلهية، بعضها من «صفات الذات» والبعض الآخر منها من «صفات الفعل» التي انطوت على إشارات للتوحيد والقدرة والرحمة والغضب، ثمّ ذكرت «عزيز» و «عليم» وجعلتهما بمثابة القاعدة التي نزل الكتاب الإلهي (القرآن) على أساسهما.
أمّا صفات «غافر الذنب» و «قابل التوب» و «شديد العقاب» و «ذي الطول» فهي بمثابة المقدمات اللازمة لتربية النفوس وتطويعها لعبادة الواحد الأحد
في قوله تعالى: { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } الإِتيان بصيغة اسم الفاعل في { غافر الذنب وقابل التوب } - لعله - للدلالة على الاستمرار التجددي فإن المغفرة وقبول التوب من صفاته الفعلية ولا يزال تعالى يغفر الذنب ثم يغفر ويقبل التوب ثم يقبل.
وإنما عطف قابل التوب على ما قبله دون { شديد العقاب ذي الطول } لأن غافر الذنب وقابل التوب مجموعهما كصفة واحدة متعلقة بالعباد المذنبين يغفر لهم تارة بتوبة وتارة بغيرها كالشفاعة.
و المؤمن حقا يعيش متوازنا مباركا ، يحثه الرجاء على التوبة و العمل الصالح ، و يمنعه الخوف عن المعصية .،،،،،
والخوف من عذاب الله كما رجاء رحمته ليس قضية نفسية و حسب ، إنما يعنيان العمل ، فنحن يجب أن نتحرك عند الرجاء ولكن ليس في أي اتجاه ، إنما في اتجاه مرضاة الله و باتباع هداه ، لأن الحياة تشبه حقل الالغام و الذي ينجو فيها هو الذي يمتلك خريطة واضحة لهايتبعها بدقة ، أما حينما ينحرف الانسان عن الحق فسوف يضل و يخسر ولن يجد من ينقذه أبدا ، لأن الله وحده هو الإله المتصرف الذي يحددمسيرة الإنسان و مصيره دون أن يكون أحد قادرا على التغيير و التبديل،،،
،،،،،،
ثانيا: ابتدأت الصفات الآنفة الذكر بصفة «غافر الذنب» أوّلا و «ذي الطول» أخيراً، أي صاحب النعمة والفضل كصفة أخيرة. وفي موقع وسط جاءت صفة «شديد العقاب» وهكذا ذكرت الآية الغضب الإلهي بين رحمتين. ثمّ إنّنا نلاحظ أنّ
«طول» على وزن «قول» بمعنى النعمة والفضل، وبمعنى القدرة والقوة والمكنة ومايشبه ذلك. بعض المفسّرين يقول: إنّ «ذي الطول» هو الذي يبذل النعم الطويلة والجزيلة للآخرين، ولذلك فإن معناها أخص من معنى «المنعم» كما يقول صاحب مجمع البيان.
فذو الطول من أسمائه الحسنى في معنى المنعم لكنه أخص من المنعم لعدم شموله النعم القصار.
الغضب الإلهي جاء وسط حديث الآية عن ثلاث صفات من صفات الرحمة الإلهية، وفي كلّ ذلك دليل على المعنى المكنون في «يا من سبقت رحمته غضبه».
ثالثا: لا يقتصر المعنى في جملة (إليه المصير) على عودة الجميع ورجوعهم كافةً إليه تعالى في يوم القيامة، و إنّما تشير أيضاً إلى الإنتهاء المطلق لكل الأُمور في هذا العالم والعالم الآخر إليه تعالى، وانتهاء سلسلة الوجود إلى قدرته وإرادته
رابعا: جاء تعبير (لا إله إلاّ هو) في ختام الصفات، وهو حكاية عن مقام التوحيد والعبودية الذي لا يليق بغير الله تعالى، حيث تنتهي أمام عبوديته كل العبوديات الأُخرى. وهكذا يكون تعبير «لا إله إلاّ هو» بمثابة النتيجة النهائية الإخيرة للبيان القرآني في هذا المورد.
ولذلك نقرأ في حديث عن ابن عباس أنّه تعالى: (غافر الذنب) للشخص الذي يقول: لا إله إلاّ الله
والذنب اسم جنس فالمعنى غافر الذنوب فيما مضى وفيما يستقبلوهو تعالى: (قابل التوب) للذي يقرّ بالعبودية ويقول:لا إله إلاّ الله.
و هو(شديد العقاب) للذي لا يقرّ ولا يقول: لا إله إلا الله.
وذكر ذلك عقيب قوله { غافر الذنب } لئلا يعول المكلف على الغفران بل يكون بين الرجاء والخوف
فشديد العقاب كذي انتقام من أسماء الله الحسنى تحكي صفته تعالى في جانب العذاب كما يحكي الغفور والرحيم صفته تعالى في جانب الرحمة.
وهو (ذي الطول) وغني عن الشخص الذي لا يقول: لا إله إلا الله.
وقيل: إنه إنما ذكر ذي الطول عقيب قوله { شديد العقاب } ليعلم أن العاصي أتي في هلاكه من قبل نفسه لا من قبل ربه وإلا فنعمه سابغة عليه دنيا وديناً.
{ لا إله إلا هو } أي هو الموصوف بهذه الصفات دون غيره ولا يستحقّ العبادة سواه { إليه المصير } أي المرجع للجزاء والمعنى أن الأمور تؤول إلى حيث لا يملك أحد النفع والضرّ والأمر والنهي غيره تعالى وهو يوم القيامة.
وفي قوله تعالى: { لا إله إلا هو إليه المصير } ذكر كلمة التوحيد للإِشارة إلى وجوب عبادته وحده فلا تلغو الدعوة الدينية بتنزيل الكتاب، وذكر كون مصير الكل ورجوعهم إليه وهو البعث للإِشارة إلى أنه هو السبب العمدة الداعي إلى الإِيمان بالكتاب واتباعه فيما يدعو إليه لأن الاعتقاد بيوم الحساب هو الذي يستتبع الخوف والرجاء خوف العقاب ورجاء الثواب
من كلّ ذلك يتّضح أن محور الصفات المذكورة هو التوحيد، الذي يدور مدار الإعتقاد الصحيح والعمل الصالح.
خامسا: من وسائل الغفران في القرآن:
ثمّة في كتاب الله أُمور كثيرة تكون أسباباً وعناوين للمغفرة ومحو الذنوب والسيئات، وفيما يلي تشير إلى بعض هذه العناوين:
1 ـ التوبة: إذ في آية ( من سورة التحريم قوله تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربّكم أن يكفر عنكم سيئاتكم).
2 ـ الإيمان والعمل الصالح: حيث نقرأ في سورة (محمّد ـ آية 2) قوله تعالى: (والذين آمنوا و عملوا الصالحات وآمنوا بما نزّل على محمد وهو الحق من ربّهم كفر عنهم سيئاتهم
3 ـ التقوى: ونرى مصداقها في قوله تعالى: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم)
4 ـ الهجرة والجهاد والشهادة: ومصداقها قوله تعالى في الآية (195) من سورة «آل عمران»: (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرنّ عنهم سيئاتهم).
5 ـ صدقة السر: وذلك قوله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وأن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئائكم)
6 ـ الإقراض: كما في قوله تعالى: (إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ويغفر لكم)
7 ـ اجتناب كبائر الذنوب: حيث يقول تعالى في: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم).
وهكذا يتبيّن لنا أن أبواب المغفرة الإلهية مفتوحة من كلّ مكان، وأنّ عباد الله بوسعهم طرق هذه الأبواب والولوج إلى المغفرة الإلهية. وقد رأينا في الآيات الآنفة الذكر سبعة من هذه الأبواب التي تضمن الخلاص لمن يلج أي واحد منها، أو كلّها جميعاً.
[color=]تفسير الأمثل
تفسير الميزان
تفسير مجمع البيان
تفسير من هدي القرآن[/color]
[color=]منقول[/color]