﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ﴾
آمنا بالله.. صدق الله العلي العظيم
الآية المباركة دلَّت على أن المضطر إذا دعا ربه استحق الإجابة، ولكن البحث يقع: ما هو المقصود بالمضطر في الآية المباركة؟ فهنا عندنا رأيان:
الرأي الأول: ما ذكره السيد الطباطبائي عليه الرحمة في كتاب الميزان أن المضطر هو الإنسان المنقطع إلى الله، ما معنى هذا الكلام؟
هناك آيتان في القرآن تفسر إحداهما الأخرى..
الآية الأولى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ظاهر هذه الآية أن الدعاء الحقيقي يستلزم الإجابة، إذا صدر الدعاء الحقيقي من الإنسان ضمن الإجابة، لكن هذه الآية لم تفسر لنا ما هو الدعاء الحقيقي الذي إذا صدر ضمن الإنسان الإجابة..
جاءت لنا آية أخرى تفسر معنى الدعاء الحقيقي وهي قوله تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ يعني الدعاء الحقيقي المستلزم للإجابة هو دعاء المضطر، المضطر إذا دعا فدعاؤه حقيقي يستلزم الإجابة، لماذا؟ لأن المضطر هو الذي يوقن بفشل جميع الأسباب المادية، فالإنسان مثلاً إذا أصابه مرض خطير وأيقن أن جميع الأسباب المادية فشلت في علاجه أو أصابه خطر وأيقن أن جميع الأسباب المادية فاشلة في تخليصه ونجاته من الخطر، هنا هذا الإنسان ينقطع إلى الله لأنه يدرك أن لا سبيل أمامه إلا الله فيلجأ إلى ربه، هذا يسمى مضطر، الإنسان الذي ينقطع إلى الله ليقينه أن جميع الأسباب المادية فاشلة وعقيمة في تخليصه من شدته ومن بلائه ينقطع إلى ربه، يسمى هذا مضطر وهو الذي يضمن الإستجابة ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ إذن المراد بالمضطر عند السيد الطباطبائي هو الإنسان الذي ينقطع إلى ربه في حالات شدة البلاء وشدة الخطر هذا إنسان مضطر..
الرأي الثاني: وهو الرأي الصحيح، أن المراد بالمضطر في الآية: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ المراد بالمضطر الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» فلماذا نحن نختار هذا الرأي؟
لوجهين:
الوجه الأول: الروايات ونحن لا نسطيع رفع أيدينا عن روايات صحيحة تفسر لنا الآية، عندنا معتبرة محمد بن مسلم عن الباقر ، وعندنا رواية عقبة بن صالح عن الصادق ، وموجودة عندنا هذه الروايات في تفسير القمي وفي البحار في غيرها..
عن الباقر ، سألته عن تفسير هذه الآية: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ قال: «إنها نزلت والله في قائم آل محمد، هو الله المضطر، إذا خرج صلى خلف المقام وتضرع إلى ربه فأجاب الله دعاءه فلا تُرد له راية أبدًا وكشف عنه السوء وجعله خليفة له»، إذًا الرواية تقول بهذا التفسير..
الوجه الثاني: في الآية قرينة على أن المراد بالمضطر هو الإمام، لماذا؟ لأن الآية في ذيلها قالت: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ﴾ لاحظ هذا التعبير ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ﴾
القرآن فيه تعبيران:
تعبير ﴿خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ﴾ وتعبير«خليفة الأرض»فرقٌ بين خليفة في الأرض وخليفة الأرض، ما هو الفرق بينهما؟ عندما نقول«الإنسان خليفة في الأرض»كل إنسان بمقدوره القيام بهذا الدور، دور الخلافة في الأرض، كل إنسان يستثمر الأرض يستثمر الطبيعة طبقًا لقوانين السماء، هذا الإنسان خليفة في الأرض لأنه استثمر الأرض على ضوء قوانين السماء، هذا يعتبر خليفة في الأرض..
أما«خليفة الأرض»أعظم من هذا، خليفة الأرض الذي يسيطر على الأرض كلها هذا يسمى خليفة الأرض وليس خليفة في الأرض، خليفة الأرض هو الذي تخضع له الأرض كلها بتمامها، الأرض بكنوزها ومعادنها وبركاتها تخضع له، هذا يسمى خليفة الأرض ليس فقط خليفة في الأرض، والقرآن استخدم التعبيرين..
القرآن عندما خاطب آدم قال: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، عندما خاطب النبي داوود : ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ﴾ ولكن عندما جاء يخاطب أمة النبي محمد لم يقل: ﴿خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ﴾ قال: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ﴾ ولم يقل:
«خلفاء في الأرض»، إذن أمة النبي وُعدت من قِبل الله عز وجل بخلافة الأرض كلها وليس خلافة في الأرض، الخلافة في الأرض قام بها داوود وآدم وغيره، أمة النبي وُعدت بشيء أكبر من هذا وُعدت بخلافة الأرض، أن تكون لها الأرض كلها ببركاتها ومعادنها وكنوزها..
إذن هذا الوعد وهو أن تكون أمة النبي خليفة الأرض، هذا الوعد متى يتحقق؟ إنما يتحقق في يوم الظهور، إلى الآن لم يتحقق لأمة النبي هذا الوعد، للآن لم تصبح أمة النبي خليفة الأرض مازالت خليفة في الأرض كسائر الأنبياء، خلافة الأرض إلى الآن لم تتحقق، إذن ذيل الآية قرينة على أن المراد بالمضطر ليس هو كل إنسان يضطر وكل إنسان ينقطع فهو مضطر إلى الله ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ﴾..
المضطر هو الإنسان الذي بيده تحقيق خلافة الأرض، الإنسان الذي بيده وعلى عاتقه تحقق الأمة الإسلامية خلافة الأرض، وذلك الإنسان إنما ينطبق على الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ إذن ذيل الآية قرينة على أن المراد بالمضطر في الآية هو الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف»..
لذلك عندما تدعو أنت بهذه الآية ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ﴾لابد أن تلتفت إلى أنك تقصد الإمام المنتظر، أي كأنك تتوسل إلى الله ببركة الإمام المنتظر أن يكشف عنك الضر والبلاء فهو المضطر كما نقرأ قي دعاء الندبة ﴿أَيْنَ الْمُضْطَرُّ الَّذي يُجابُ اِذا دَعا﴾ إذن المراد بالمضطر في الآية الإمام المنتظر، فمن هنا نحن ننطلق في الحديث عن علاقتنا العاطفية بالإمام المنتظر وبأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
من محاضرات محرم الحرام -المهدي «عج» عشق هادف
شبكة المنير