بيان خصوصيات فاطمة في القرآن -4-
معرفة ليلة القدر
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ ، أيها النبي (صلى الله عليه وآله ): ما أدراك ما هي فاطمة(صلوات الله عليها)؟ نحن نعرّفك السيدة الزهراء(صلوات الله عليها)! ولو لم نعطك العلم والعصمة والامتياز وعلو المقام ولم نعرّفك على فاطمة(صلوات الله عليها)، ليس معلوماً أن تستطيع أن تعرف الزهراء المرضية(صلوات الله عليها)، نحن المعرِّفون للسيدة الصدّيقة(صلوات الله عليها)!
ولذلك سيأتي بنو أمية ويحكمون ألف شهر(أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة) لا يصيبك الغم والهم لذلك! لأننا سوف نعطيك عوضاً عن ذلك فاطمة(صلوات الله عليها)، فاطمة(صلوات الله عليها) التي سوف يولد منها أحد عشر إماماً وحجة لله( عليهم السلام)، وآخرهم الإمام صاحب الزمان ( عليه السلام) حيث أنه سوف يزيل كل اسمٍ وعلامةٍ لبني أمية وبني العباس والظالمين،﴿للباطل جولةٌ وللحق دولة﴾ ، بمعنىٰ أن الباطل له جولان أما الحق له استقرار واستمرار.
النكتة في هذا القسم من سورة القدر والتي لابد أن توضع في نظر الإنسان هي أن ليلة القدر في عالم الملك والزمان ليست بتلك الأهمية حتى تواجه بهذه الجملة:﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ لأن الزمان والمكان قائم بوجود النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله )
بين أحمد واحد ميم واحدة فارقة
عـالـم في هـذه المـيـم غـارق
بمعنىٰ أن خلق كل الممكنات بلطف وجود رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله ) ومرتبط بوجوده.
الاسم الأرضي للنبي محمد (صلى الله عليه وآله ) والإسم السماوي أحمد (صلى الله عليه وآله ) ولذلك مقام أحمد أعلى من الإسم الأرضي؛ لأن هذا اسم لأهل السماوات، يعني جبرائيل، اسرافيل، ميكائيل وعزرائيل لديهم معرفة مقامه هذا، ويعملون به، ولذلك يقول الله في حديثه القدسي:
﴿لولاك لما خلقت الأفلاك﴾.
ولذلك تعتبر هي ليلة قدر عالم الملك، ولها اطلاع وعلم بها، لأن الزمان تحت إرادتها، من هذه الجهة، لا يسعها الزمان؛ لأنها أعلى من الزمان والمكان، ولذلك فإن لهذه الجملة معنىً دقيقاً.
لابد أن تكون أفضلية ليلة القدر أكثر من ليلة قدر عالم الملك وهي الوجود المقدس للسيدة الزهراء المرضية(صلوات الله عليها)، كما قالوا في وصفها: ﴿فُطمتْ من الشر﴾، ليس لها أي شر ونجاسة ورجس وحتى لم يصدر منها ترك الأولى أبداً. إذاً ليلة القدر التي عرَّفها الله هي فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها).
معرفة ليلة القدر مرتبط بمعرفة السيدة فاطمة
قال الإمام جعفر الصادق( عليه السلام):
﴿فمن عرف فاطمة(صلوات الله عليها) حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر﴾،
هذه الجملة لها معنيان:
المعنى الأول: يعني لو أن شخصاً يريد أن يعرف ويفهم ليلة القدر أية ليلة في السنة، لابد أن يعرف الزهراء(صلوات الله عليها)، يعني يسير ويسلك في فصل المعرفة والعرفان.
يقول المرحوم السيد بن طاووس : أنا أعلم متى ليلة القدر!
سُئلَ: من أين تعرف؟
قال: طوال السنة توجد ليلة واحدة تكون فيها السماء والأرض مملؤة من الملائكة الإلهيين ولذلك أعرف بأن هذه ليلة القدر.
﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ ، كل الملائكة تأتي بصحائف الأعمال وتقديرات العالم وتعرضها في المحضر الشريف للإمام صاحب الزمان( صلوات الله عليه) حتى يمضي تلك الصحائف، وعلة أن السيد بن طاووس ملتفت إلى ذهاب وإياب الملائكة، معرفته القلبية بالسيدة الزهراء(صلوات الله عليها)، حيث من أثر هذه المعرفة وصل إلى مقام الفناء في الولاية.
المعنى الثاني: هو كما أن الناس لا تستطيع أن تدرك ليلة القدر وأن تعرفها، فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها) ستبقى مجهولة أيضا، ولا يوجد شخص قادر على أن يعرفها حق معرفتها.
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾.
المعنى الباطني لليلة القدر
ذكر الله العادل في القرآن الكريم السيدة فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها) بكلمات عظيمة، على سبيل المثال في هذه الآية الشريفة ذكرها بـ: ﴿لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ ، هذه الآية أيضا لها معنى ظاهري ومعنى باطني.
المعنى الظاهري ليلة القدر،
أما المعنى الباطني لها طبق الروايات - القرآن يصل إلى سبعين معنى باطنياً – هكذا: نحن أنزلنا القرآن الكريم في شأن وفضيلة ومدح وثناء فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها)،
المعنى الباطني الآخر هو: نحن أنزلنا القرآن الكريم في ظرف ووجود وقلب السيدة الزهراء(صلوات الله عليها)، يعني مركز العبارات، اللطائف، الإشارات، الكنايات، الحقائق والمعارف القرآنية هو قلب زهراء الطهر(صلوات الله عليها). إذا أراد شخص أن يحصل على حقائق القرآن الكريم ويدركها، لابد أن يكون في فصل ومسير ولاية وعصمة الزهراء المرضية(صلوات الله عليها)؛ لأن السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) لا تفترق ولا تنفصل عن القرآن الكريم، بل هي القرآن الناطق.
القرآن عبَّر عن السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) بـ ﴿لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ . يعني كل البركات التي تصل من جانب الله المنان إلى ما سوى الله، كل العطايا المادية والمعنوية، وكل الحقائق والمعارف والنعم ببركة الوجود الممتاز لفاطمة الزهراء(صلوات الله عليها)، ولو لم تكن فاطمة(صلوات الله عليها) لم يوجد في العالم شيء.
لم أخلق الوجود ليصلني شيء
بـل حتـى أجـود على العبـاد
مقام السيدة فاطمة
يقول الإمام جعفر الصادق( عليه السلام):
﴿تسبيح فاطمة في كلّ يومٍ في دبر كلّ صلاة أحب اليّ من صلاة ألف ركعةٍ في كل يومٍ﴾.
يريد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أن يقول لو أن ركعة واحدة من صلاة في دبرها تسبيحة الزهراء(صلوات الله عليها) وُزِّعَتْ على كل الأنبياء (عليهم السلام)، كلهم سوف يفتخرون بأنهم وصلوا إلى مراحل كمالية؛ لذلك يقول: تسبيحات أمي أفضل من ألف ركعة صلاة، لكن لم يبيِّن فضيلة هذه التسبيحات التي هي أفضل من ألف ركعة بصورة أكثر، بل هذا السر جعله مغلقاً وهذه نكتة تحتاج إلى تأمل.ما هذه السيدة فاطمة(صلوات الله عليها)؟ ما هي بركتها لكي يكون لتسبيحها هذا المقدار من القيمة؟ في حال أن محبتها واتباعها والتوسل بوجودها وذاتها المقدسة له آثار وبركات بلا انتهاء وأن البشر ليس له مقدرة إدراكها وعدّها.
يقول القرآن الكريم:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾.
ما هو المقصود من الذكر الكثير؟ يقول: الذكر تسبيحات أمنا الزهراء(صلوات الله عليها)، حتى لو كان بحسب الظاهر، مائة تسبيحة، أما في الباطن كثير وبلا انتهاء، ولذلك بواسطة وجود بركة هذه السيدة(صلوات الله عليها) وصلت بركات بلا عدّ إلى المخلوقات وبني الإنسان، ومن جملتها بل وعلى رأسها وجود الأئمة الأطهار (عليهم السلام)؛ كما نقرأ في زيارتها:
﴿... وسللت منها أنوار الأئمة﴾.
زهراء الطهر(صلوات الله عليها) هي ظرف الأئمة (عليهم السلام) ومنشأ الله كمالاتهم، حتى قال الإمام صاحب الزمان ( عليه السلام):
﴿وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله ) لي أسوة حسنة﴾.
كذلك الإمام جعفر الصادق (عليه السلام ) في حديث آخر قال:
﴿يا أبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنّه لم يلزمه عبدٌ فشقي﴾.