بيان خصوصيات فاطمة في القرآن-2-
شبه فاطمة بليلة القدر
يوجد من بين الروايات أنواع من الشبه بين السيدة فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها) وبين ليلة القدر ويمكننا أن نحصل عليها في تلك الروايات، وسوف نشير لعشرة وجوه:
1_ عدم معرفة ليلة القدر ومقام فاطمة
ليلة القدر مجهولة المنزلة والقيمة بالنسبة للناس، ولا يوجد شخص يعرف ما هي القيمة الحقيقية لهذه الليلة؛ كذلك القرآن يقول: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾، لم يعرفوا الله حق معرفته.
الصدّيقة الشهيدة(صلوات الله عليها) مجهولة المنزلة أيضا؛ بمعنىٰ أنها موجودة ملكوتية وسماوية مجهولة وغير معلومة القدر والمقام، ليس فقط في هذه الدنيا، بل حتى في عالم الآخرة لا تُعرَفُ بصورة كاملة، وفقط الله سبحانه وتعالى والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )وأمير المؤمنين(صلوات الله عليه) عارفون بمقامها العالي.
يقول النبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم):
﴿لو كان الحُسْنُ شخصاً لكان فاطمة بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خيرُ أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً﴾.
لو كل جمال أهل العالم يجتمع في مكان واحد، وتُنْفَخُ فيه الروح حتى يصبح إنساناً له شخصية، ستصبح هذه الشخصية فاطمة(صلوات الله عليها)، بل عظمة فاطمة(صلوات الله عليها) أعظم من ذلك! كما أن فاطمة(صلوات الله عليها) من جهة العنصر والشرافة والكرامة هي أفضل أهل الأرض.﴿كل ما لدى الأولياء فقط لديك أنت ذلك﴾.إن هذا التعبير من الرسول الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم) دقيق جداً ولطيف وله نكات:
النكتة الأولى: إن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعبِّر عن حسن وجمال زمانٍ معيِّن، بل ذكر حسن وجمال كل الأزمنة.
النكتة الثانية: إن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشر إلى فضائل وجمال وحُسْنٍٍٍ يوجد في الناس، بل قال كل حُسْنِ وجمال وفضائل الوجود، يعني ما يوجد في النبي آدم (عليه السلام)، النبي نوح، النبي إبراهيم، النبي موسى، النبي عيسى والأنبياء الإلهيين الآخرين (عليهم السلام) من حسن وجمال وكمالات بصورة كاملة موجودة في الوجود المقدس للسيدة الطاهرة(صلوات الله عليها)، سواء كان حسناً وكمالاً وجمالاً في الاعتقادات والأفعال والصفات، أو الكمالات الأخر في عالم الوجود وما سوى الله.
النكتة الثالثة: إن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكتفِ بهذا الحد، بل يواصل ويقول:
﴿بل هي أعظم﴾، يعني بل ابنتي أفضل وأعلى من كل هذه الكمالات والحسن والجمال الذي ذكرته. فاطمة(صلوات الله عليها) هي حُسن الوجود، ورمز وضع أسماء أبنائها حسن، حسين، محسن، هو انها حَسَن الوجود، حسين الوجود ومحسن الوجود.
النكتة الرابعة: في ذلك الوقت قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ابنتي خيرُ أهل الأرض﴾ يعني من بداية الخلقة إلى نهايتها، أفضل مخلوق فوق الأرض من جهة العنصر والشرافة والكرامة هي ابنتي الزهراء(صلوات الله عليهما وآلهما).
النكتة الخامسة: الشيء الذي جاء في بيان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) وقابل للتأمل والتدقيق أن هذه الخصوصيات للسيدة فاطمة(صلوات الله عليها) لم ترد حتى للنبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك يظهر بأن السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) حقيقة مجهولة القدر والمنزلة، وسوف تبقى غير معروفة المنزلة والمقام.
2 _ أفضل من الأنبياء الإلهيين
ليلة القدر هي أفضل ليلة في السنة وشهر رمضان أفضل شهر في السنة. السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) أفضل وأعلى مقاماً من كل الأنبياء والأوصياء والملائكة المقربين (عليهم السلام)، إلا أن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل من كل المخلوقات، والإمام علي(صلوات الله عليه) في رتبة واحدة مع السيدة فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها).
3_ قيمة محبة فاطمة
فضيلة العبادة في ليلة القدر أفضل من عبادة ألف شهر. محبة السيدة الصدّيقة(صلوات الله عليها) أفضل من أي نوعٍ من العبادات التي تؤدى في ألف شهر، بل لو كان يوجد عابد ليس في قلبه محبة السيدة فاطمة(صلوات الله عليها)، لن يكون للصلاة أثر أبداً، والصيام، والحج، والرياضة، والمجاهدات كذلك.
كما أن الأمم السابقة لها وظيفة بالنسبة لساحة قدس هذه السيدة(صلوات الله عليها) من المحبة والمعرفة أيضاً.
قال الإمام جعفر الصادق (صلوات الله عليه):
﴿وهي الصّدّيقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى﴾.
فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها) الصدِّيقة الكبرى، والأمم السابقة لديهم وظيفة بالنسبة لها أن يكون لديهم معرفتها، لأن الأمور تدور حول مدار دائرتها.
بعبارة أخرى إن ليلة القدر هي منشأ الفيوضات والكمالات، والتوسل بالصدّيقة الشهيدة(صلوات الله عليها) وسيلة للوصول إلى الخيرات والبركات وابتعاد البلاءات وأنواع المصائب.
4_ فاطمة مرقاة السير إلى الله
الطريق الذي يوصل الإنسان إلى الله قد يكون بطريقين:
ألف: السير الآفاقي، وهو عبارة عن التوجه للعلامات التي في عالم الخلقة، حيث بالتدقيق والتدبّر في هذه الأمور يحصل الإنسان على معرفة الله، يقال لهذه الطريقة السير الخارجي. العلامات التي توجد في عالم الوجود كثيرة جدا، وكل شخصٍ بحسب ظرفيته ومقدرته يحصل عليها ويطوي طريق معرفة الله، النباتات والموجودات الأرضية والبحرية، والسماوية والكواكب و...، توجد أمور متعددة بالتدقيق والتفكر في خلقتها وحركتها التكوينية، توصل إلى خالقها.
باء: السير الأنفسي، الذي هو عبارة عن الحركة الباطنية، بداية هذا السير من باطن الإنسان وفي النهاية يصل الإنسان إلى الله. الإنسان في هذه الطريقة ينظر إلى باطنه، ومن هذا الطريق يعرف عظمة الله:
﴿من عرف نفسه فقد عرف ربه﴾،
تفكر الإنسان في نفسه يوصل إلى الله، ينظر إلى روحه، ويرى نفسه مجردة ولها مقدرة الخلاقّية على أنها ليست قابلة للرؤيا، ومن هذه الجهة يفهم بأن الله هكذا أيضا. ومن جهة أخرى يحسُّ الإنسان بوجود روحه في وجوده، ويعرف ويتوجه أن الله هكذا أيضا وليس له مكان مختص به. الروح هي الحاكمة والبدن مسِلّم في مقابلها، هكذا الله في عالم الخلقة:
﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾.
ومن هذه الجهة قالوا: ﴿أفضل المعرفة معرفة الإنسان نفسه﴾. القرآن الكريم يقول:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾.
في هذه الآية تشير لكلا النوعين من السيرين، يقول: نريهم علاماتنا –سريعا- في الآفاق وفي نفوسهم حتى يظهر واضحاً أن الله هو الحق، ولذلك لابد أن نعلم أن ليلة القدر وسيلة لأجل السير الأنفسي والآفاقي؛ ولذلك عن طريق هذين الطريقين يمكن في هذه الليلة الوصول إلى الكمالات.
خصوصية ليلة القدر المهمة هي أنها تقرّب الإنسان إلى الله. السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) لها شباهة بليلة القدر أيضا، ولذلك عبّر عنها ليلة القدر لأنها مرقاة الصعود والسير إلى الله، بالخصوص أنه بواسطتها يستطاع الوصول بسرعة إلى الله، ولذلك أي شخص يريد الوصول إلى الله عن طريق هذين المسارين لابد أن يكون مجهزا بولايتها، وأن يجعل ظرف قلبه محبة ذاك الوجود المقدس(صلوات الله عليها)، وكذلك يكون في صدد تحصيل الأنس القلبي معها، وبهذه الصورة يحصل على التوفيق، وبواسطة هذا الطريق يطمئن أن مسير التكامل والرشد يطويه بسرعة؛ لأن هذه السيدة(صلوات الله عليها) هي منشأ كل الخيرات والكمالات وبواسطتها ترتفع كل البلاءات؛ كما في بيان الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم):
﴿ذكرُنا أهل البيت شفاءٌ من الوعك والأسقام ووسواس الريب﴾.
فاطمة(صلوات الله عليها) مشكاة، هي منبع نور الله، كما أن الزيتون له منافع كثيرة ومتعددة فإن كل الخلق يستفيد من وجودها، وبركاتها تشمل الكل.
5 محبة فاطمة معراج الأنبياء
ليلة القدر معراج كل الأنبياء والأولياء الإلهيين(عليهم السلام)، عُرِضَتْ ولاية ومحبة السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) على كل الأنبياء ووظيفتهم قبولها. الملاك لتعيين قدر ومنزلة الأنبياء (عليهم السلام) ميزانه قبول ولاية السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) كما جاء في الروايات:
﴿ما تكاملت النبوة لنبيٍ حتّى أقرّ بفضلها ومحبتها﴾.
مثلا، النبي إبراهيم (عليه السلام ) في مسير النبوة وطي مراحلها، في البداية كان نبياً وبعد ذلك رسولاً وفي آخر الأمر نال مقام الإمامة. هذا السير والتكامل لنبي الله إبراهيم الخليل (عليه السلام ) بواسطة الإقرار بمحبة وفضائل السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) في العالم. كذلك بقية الأنبياء (عليهم السلام) بواسطة قبول السيدة(صلوات الله عليها) كان ميزان وصولهم إلى مقامٍ ومنزلةٍ عند الله.