بيان خصوصيات فاطمة في القرآن -7-
فاطمة باعثة الحياة في الشيعة
هنا يتضح معنى ومفهوم الحديث القدسي حيث يقول:
﴿لولا فاطمة لما خلقتكما﴾،
يعني أيها النبي (صلى الله عليه وآله ) لو لم تكن الزهراء(صلوات الله عليها) لم أخلقك، لم أخلق الإمام علي(صلوات الله عليه)، لسوف تصاب بالصدمة وسوف يطفأ نورك، أنت تحتاج إلى حافظة، لابد أن يوجد عاصم حتى يراقبك ويحفظك؛ ولذلك خلقت الزهراء المرضية(صلوات الله عليها)، ولو لم تكن هي لسوف – بعد رحيل الرسول(صلى الله عليه وآله ) - يقتل الإمام علي(صلوات الله عليه) مباشرة، ويقضى على الإسلام ولكن السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) هي الرحمة المانعة من ذلك.
رحمتها تشمل والدها وزوجها وفي الحقيقة تشمل كل الشيعة بل جميع المسلمين؛ لأنه لو أُخِذَ منا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) والإمام علي(صلوات الله عليه) ما عسانا نفعل؟ وكيف سوف نسلك طريق الحق والهداية؟ هل غير أن الجميع سيمضون حياتهم في الضلال والغواية؟ ولذلك لنا الحق أن نقول إن فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها) هي باعثة الحياة في الشيعة، الشيعة الذين وجدوا بيد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) وهو سماهم الشيعة، وأجرى على الألسنة هذا الاسم.
كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله ) خاطب الإمام علي(صلوات الله عليه) وقال:
﴿وشيعتك على منابر من نور مبيّضةً وجوهُهُمْ حولي في الجنة وهم جيراني﴾.
من جهة أخرى سعى المنافقون كثيراً بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) كي يمحوا كل أثرٍ وعلامة للشيعة، لكن جهاد السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) منع أعمالهم وسعيهم من وصوله إلى نتيجة، ومن هذه الجهة السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) باعثة الحياة للشيعة.
ثانياً: إن النكتة التي تشير إليها الآية الشريفة أن الزهراء(صلوات الله عليها) جامعة كلمات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) والإمام علي(صلوات الله عليه)؛ لأنا قلنا بأن السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) مشكاة، وأن هذه المشكاة شاملة ومحيطة بالمصباح الذي هو الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) والزجاجة الإمام علي(صلوات الله عليه)، يعني باطن وجود الزهراء(صلوات الله عليها) يشمل كل كمالات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين(صلوات الله عليه) بكل فضائلهما. السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) جامعة بحر النبوة والإمامة، وفي النتيجة إن حقيقة النبوة والإمامة مجتمعة في الوجود الشريف للسيدة الزهراء(صلوات الله عليها).
ولذلك يكون بمعنى أنَّ الآية هكذا: لو أردت أن تعرف الرسالة والولاية، لابد أن تبحث وتحقق في وجود زهراء الطهر(صلوات الله عليها)، بمعنى أنَّ سيدة نساء العالمين(صلوات الله عليها) لديها كل كمالات وحقائق النبوة والإمامة، حتما ليس بمعنى أن السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) أفضل من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله )، بل بهذا المعنى: أن السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) حاملة للرسالة لا أفضل، وكل شيءٍ أعطاه الله للرسول (صلى الله عليه وآله ) فقط أعطاه لبضعته (صلى الله عليه وآله )، إلا في مورد واحد فقط وهو مقام النبوة والرسالة.
الروايات المفسِّرة لآية النور
1ــ في حديث الإمام جعفر الصادق (صلوات الله عليه ) فسَّر ﴿مِشْكَاةٍ﴾ بفاطمة و ﴿مِصْبَاحٌ﴾ بالحسن و ﴿الْمِصْبَاحُ﴾ بالحسين.
2ــ كذلك في رواية أخرى عن الإمام جعفر الصادق (صلوات الله عليه ) حين سئل حول آية النور، فأجاب:
﴿هو مثلٌ ضربه الله لنا، فالنبي والأئمة(صلوات الله عليهم) من دلالات الله وآياته الّتي يهتدى بها إلى التوحيد ومصالح الدّين وشرائع الإسلام والسّنن والفرائض، ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم﴾.
يقول المفسر العظيم العلامة الطباطبائي: إن هذه الروايات تشير إلى بعض المصاديق وهذا أعلى مصداق، أي رسول الله والطاهرين من أهل بيته الكرام (صلى الله عليه وآله ).
الأثر الاستثنائي لآية النور
من خصوصيات هذه الآية الشريفة أن تلاوتها في الليالي، طبق شرائط خاصة يتوفق الإنسان للتشرف لمحضر الإمام صاحب الزمان (صلوات الله عليه) مجموعة من الفضلاء ذهبوا إلى أصفهان لكي يحضروا عند المرحوم آية الله مير جهاني وطلبوا منه أن يتلطف عليهم بهدية.
قال: في الليالي قبل النوم كرِّروا الصلوات ثلاث مرات، وبعد ذلك اقرأوا آية النور أربعة عشر مرة وكرِّروا الصلوات ثلاث مرات وناموا، إن شاء الله ستلتقون بالإمام صاحب الزمان (عليه السلام) أما في النوم أو في اليقظة.
البذرة الإلهية في قلب الوجود
ومن جملة الآيات القرآنية الكريمة طبق التفسير الملكوتي والمعنوي النازلة في شأن ومنزلة السيدة الزهراء(صلوات الله عليها)، هي هذه الآية:
﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
المعنى الملكي للآية هكذا: إن الأشخاص الذين ينفقون في سبيل الله عملهم كمثل زراعة بذرة القمح التي تتبدل إلى سبع سنابل، وحينها تصبح كل سنبلة سبعين حبة قمح، يعني من حبة واحدة نحصل على سبعمائة حبة قمح.
أما بالنسبة للمعنى الملكوتي وتأويل الآية الشريفة، يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):
﴿الحبة فاطمة(صلى الله عليها) والسبع السنابل من ولدها سابعهم قائمهم﴾.
على أن السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) في الحقيقة هي حبة كل الأئمة (عليهم السلام)، لكن في هذه الرواية جاء التعريف فقط في سبعة الأئمة (عليهم السلام)، يُحتمل أن علة ذلك أنه يبدأ الوصول إلى نتيجة وثمرة الحبة من الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
وبعد ذلك يقول الله في القرآن الكريم:
﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾.
حتما المنبت والزارع وموجد كل الحبوب هو الله المتعال، والناس فقط عمّال؛ يعني عملهم فقط وضع البذر والحب في باطن الأرض.
يعرِّف الله المتعال في آية مئتين وواحد وستين من سورة البقرة نفسه بأنه هو الزارع، ويعرّف من هي البذرة التي بذرت في قلب الوجود، ومنها وجدت السنابل الإستثنائية والعجيبة وفوق العادة، هل يوجد غير السيدة الزهراء(صلوات الله عليها)؟ الزارع، والحارث، الخالق، المعلم، المربي، الساقي لهذه الحبوب هو الله المتعال؛ لأن هذه الحبة غالية وقيمة جدا، هي شخصية خُلِق كل الوجود من أجلها، لو لم تكن موجودة لم يخلق موجود، هي السيدة فاطمة(صلوات الله عليها)،
السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) التي منها وجد الأئمة المعصومون (عليهم السلام)، وجد من هذه الحبة السنابل، السنابل هم الأشخاص الذين يكون كل الأنبياء في مقابلهم في خضوع، والملائكة يجلسون في ذلك المكان متأدبين.
يقول الله: حبتي في عالم الخلقة زهراء الطهر(صلوات الله عليها)، ونتيجة وثمرة هذه الحبة وجود أئمة الهدى (عليهم السلام). الأئمة (عليهم السلام) الذين عملهم تربية ورشد البشر، أولئك يريدون أن يقطعوا البشر عن الالتصاق بالأرض ويأخذوهم إلى العرش حتى يصبحوا إلهيين.﴿وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ﴾ ،
المعنى الملكي والظاهري لهذه الجملة أن الله لو يريد، ستكون هذه الحبوب أكثر. بعض العلماء السابقين في زمانهم عدُّوا ووصلوا لهذه النتيجة: أن تعداد السادة أبناء الزهراء(صلوات الله عليها) وصل إلى خمسة وثلاثين مليون شخصٍ، على أنهم احتملوا أن العدد الحقيقي أكثر من ذلك. يحتمل أن يأتي زمان يكون أبناء الرسول (صلى الله عليه وآله ) أكثر من هذا العدد؛ لأن في الأزمنه السابقة كانت بعض الحكومات تعمل على قتل ومحو أبناء السيدة الزهراء(صلوات الله عليها)، ولذلك أخفى كثير من السادة سيادتهم.
وأما المعنى الباطني والملكوتي لهذا القسم من الآية الشريفة هكذا: أن الوجود المطهر للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ربى كل الشيعة وأتباع المذهب العلوي، وملأ كل العالم من الحقائق والمعارف والفضائل التوحيدية والنبوية والولائية.
لماذا فاطمة حبّة؟
يوجد لهذا السؤال جوابان:
الجواب الأول: أن هذه الحبّة هي علَّة وأساس لكل السنابل، ولو لم تكن هذه الحبة لم يوجد أثر لهذه السنابل والقمح، ولذلك يريد الله أن يقول: أيها الإنسان، لو لم تكن السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) لم يوجد أثر للإمام الصادق، الإمام الكاظم، الإمام الرضا، وبقية الأئمة وسفراء الهداية (عليهم السلام)، ولذلك فإن كل ما لدى الأئمة والأنبياء والأولياء (عليهم السلام) من بركة سيدة نساء العالمين الزهراء المرضية(صلوات الله عليها)، بمعنى أن كل هؤلاء من خلال هذه الحبة كسب الفيض والفضيلة، ويعتبر وجودهم مديون لها، بهذا الدليل يقول الحديث القدسي:
﴿لولا فاطمة لما خلقتكما﴾،
أيها النبي! لو لم تكن فاطمة لم أخلقك أنت ولا علي(صلوات الله عليهما).
الجواب الثاني: أن حقيقة وباطن الأولاد أنهم الآباء، رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قال:
﴿أولادنا أكبادنا...﴾،
أبناؤنا قطعة منا. ولذلك فإن حقيقة وجود المعصومين (عليهم السلام) هو وجود السيدة الزهراء(صلوات الله عليها)، إن وجود المعصومين (عليهم السلام) بحسب الحقيقة وجودها، يعني وجود السيدة الزهراء(صلوات الله عليها)، إن هذا الوجود في الظاهر له تكثر وهو وجود المعصومين (عليهم السلام)، لكن في الحقيقة شيء واحد.
