بيان خصوصيات فاطمة في القرآن -6-
مواصلة النسل عن طريق البنت
هل إن النسب منحصر في الابن أو يمكن أن يتواصل عن طريق البنت أيضا؟، توجد بحوث مختلفة، لكن أفضل وأصح قولٍ لابد أن يؤخذ من كلام الله تعالى؛ ولذلك نذهب للقرآن الكريم الذي هو فصل الخطاب وهو عار عن أي شك وترديد.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾.
يعرّف الله تعالى في هذه الآية النبي عيسى (عليه السلام) أنه من أبناء النبي نوح (عليه السلام)، في حال أن النبي عيسى (عليه السلام) لم يكن له أب وانتسابه فقط عن طريق أمه، بمعنى أن السيدة مريم تعتبر من بنات النبي نوح (عليه السلام)؛ ولذلك انتساب نسب الابن من طريق الأم صحيح، وأولاد السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) أبناء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) أيضا.أبناء فاطمة أبناء النبي الأكرم ’
﴿تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.
عيّنَ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) يوماً لأجل عمل المباهلة وتحرك إلى المسيحيين وهو ماسك بيديه الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) ومعه السيدة فاطمة وأمير المؤمنين(صلوات الله عليه) أيضا، طبق هذه الآية الشريفة فإن ﴿أَبْنَاءنَا﴾ تشمل أولاد البنت أيضا. لو لم يكن هذا المعنى صحيحاً لم يأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أبناء بضعته معه(صلوات الله عليها).نسل النبي الأكرم من صلب النبي وعلي.
توجد روايات كثيرة في تأييد أن أبناء البنت يعتبر نسل الإنسان ونسبه، من جملتها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قال:
﴿إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبيٍ من صلبه خاصّةً، وجعل ذريتي من صلبي، ومن صلب علي بن أبي طالب﴾
طبق بيان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) في هذه الرواية، أن أبناء الإمام علي(صلوات الله عليه) هم أبناؤه أيضا. النكتة المهمة هي أنه جعل هذا الأمر من خصوصياته ووجه تمايزه عن بقية الأنبياء الإلهيين (عليهم السلام).
في إحدى أيام حرب صفين اشتدت الحرب، أسرع الإمام المجتبي (صلوات الله عليه ) للميدان للمبارزة، الإمام علي(صلوات الله عليه) عندما رأى ابنه في شوق للحملة على الأعداء قال لأصحابه:
﴿أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدُّني فانّني أنفسُ بهذين(يعني الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) ) على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله )﴾.
هذا الكلام من أمير المؤمنين(صلوات الله عليه) مؤيد آخر أن نسل النبي الأكرم نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله ) منحصر في الإمام الحسن والإمام الحسين (صلوات الله عليهما).
إن هذا الأمر نشاهده أيضا في مناظرة الإمام الكاظم (صلوات الله عليه) مع هارون الرشيد:
هارون الرشيد قال: لِمَ جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله ) و يقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي (صلى الله عليه وآله ) جدكم من قبل أمكم؟
فقلت: يا أمير المؤمنين لو أن النبي (صلى الله عليه وآله ) نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟
فقال: سبحان الله ولم لا أجيبه؟! بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.
فقلت: لكنه (صلى الله عليه وآله ) لا يخطب إليَّ ولا أزوجه.
فقال: ولِمَ؟
فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك.
فقال: أحسنت يا موسى.
ولذلك فإنه من المسلَّم بأن السيدة فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها) فقط هي الباعث على بقاء ودوام وانتشار النسل المبارك لرسول الله (صلى الله عليه وآله ) . لو لم تكن موجودة لم يبقَ اسم للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله )، بلطف الله الكبير نشاهد اليوم بأن فوق كل الأرض يوجد أبناء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) ويحيون فيها. وإلا لو لم يكن في ذاك الزمان من قتلهم وشردهم لكان على هذا العدد الموجود الآن أضعافٌ مضاعفة، ولأصبحوا كثرة بلا عدّ؛ لأن في الماضي كانت تتهدد أرواح السادة أخطار شديدة وكثير منهم أخفوا سيادتهم ليحفظوا أنفسهم، وفي النتيجة بقى كثير من أبنائهم مطموساً عنهم شرف السيادة.
فاطمة مثَل نور الله
جعل الله المتعال في آية النور للسيدة فاطمة(صلوات الله عليها) مقاماً عاليا:
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ٭ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
الله المتعال نور السماوات والأرض، ضرب الله في هذه الآية أعظم مَثَلٍ لنفسه؛ لأن الله المتعال ليس قابلاً للرؤية، ونحن ليس لدينا استطاعة على أن ندرك صفاته وأسماءه، ولذلك ضرب مثالاً وتجلَّى ببيان لنفسه وبذلك عرّف نفسه. هذه الآية الشريفة تقول: مثل نوره هو الوجود المقدس للأربعة عشر معصوماً (عليهم السلام)، كما قال: ﴿والمثلُ الأعلى، والدّعوة الحُسنى﴾.
يعني أفضل بيان لأجل معرفة الله ومعرفة صفات وأسماء وأفعال الحق المتعال هم الأربعة عشر معصوماً (عليهم السلام )؛ ولذلك فإنه إذا أراد الأنبياء (عليهم السلام ) أن يعرفوا الله لابد أن يتوسلوا بالأربعة عشر نوراً المقدسين(عليهم السلام)؛ ولذلك لابد من التدبر في هذه الآية وفهم كيف فُسِّر المثلُ الإلهي بالأئمة (عليهم السلام ).
طبق القاعدة لابد أن تبدأ الآية الكريمة برسول الله (صلى الله عليه وآله )، وبعد ذلك الإمام علي(صلوات الله عليه)، وفي ذلك الوقت بالسيدة فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها)، لكن الله بدأ مثاله باسم الصدّيقة الطاهرة(صلوات الله عليها)، وقال: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾. الإمام الصادق(صلوات الله عليه ) يقول:
﴿... مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فاطمة﴾،
في حديث الكساء أيضا بدأ الله باسم السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) وقال:
﴿هُم فاطمةُ واَبُوها وبَعلُها وبَنُوها﴾.
حتما إن هذا الأمر له نكتة وسر أن بدأ الله باسم السيدة الزهراء المرضية(صلوات الله عليها)، ويحتمل لهذه العلة أن فاطمة(صلوات الله عليها) بنت، والبنت تساوي مائة رحمة.
فاطمة مظهر رحمة الله
فاطمة(صلوات الله عليها) مظهر رحمانية ورحيمية الله المتعال، ولأنها رحمة فهي حافظة وحارسة الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وكما أن الله بدأ خلقة العالم بالرحمة، هنا بدأ بالرحمة أيضا،(في الآية وحديث الكساء الماضيين)، لكن كيف أن فاطمة(صلوات الله عليها) رحمة؟
طبق بيان هذه الآية، السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) هي حافظة ومشكاة. الكوة أي المكان الذي يتخذ في جدار البيت لأجل حفظ المصباح؛ ولذلك هي مأمن ومحل لأجل حفظ وحراسة وأمْن المصباح. النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) مصباح، وبتعبير القرآن الكريم:
﴿سِرَاجاً مُّنِيراً﴾ ، يعني مصباحاً يشع ضياءً ونوراً، الإمام علي(صلوات الله عليه) هو الزجاجة، الزجاجة هي التي تتلقى النور من المصباح وتنشره وتبثه إلى الخارج بتلألىء وجمال خاص،
هذه الآية الشريفة تشير إلى نكتتين:
أولاً: أن الله يقول زهراء الطهر(صلوات الله عليها) مشكاة، يعني مثلما أن كوة ومكان المصباح هو حافظ للمصباح ومانع من كسره وإصابته بشيءٍ وزواله، ولا يدع النور ينطفىء، السيدة الزهراء(صلوات الله عليها) هي أيضا حارس وحافظ للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله )، وأمير المؤمنين(صلوات الله عليه)، ومراقبة لأن لا يطفأ هذان النوران، كما أن الأعداء في صدد إطفاء مصباح النبوة والولاية، لكن المشكاة الإلهية مانعة من وصول أعمال هؤلاء إلى هدفهم، ولم تعط الإجازة للخطط الشيطانية أن تعمل.
السيدة فاطمة(صلوات الله عليها) بواسطة موقفها وبإشكالاتها في خطبتها وبتأدية وصيتها وفي النهاية بشهادتها المظلومة، وبإخفاء قبر الغريبة حتى لا يصل المنافقون إلى أهدافهم المشؤمة.
لو أن السيدة(صلوات الله عليها) لم تبذل كل هذه التضحيات، حتما لم يبقَ اسم للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) ولا لعلي(صلوات الله عليه)، ولذلك يريد الله أن يقول: مقام الزهراء(صلوات الله عليها) هو المشكاة الذي هو سبب بقاء مصباح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) والإمام علي(صلوات الله عليه).
الأعداء فهموا بصورة جيدة أنه لأجل محو المصباح، ابتداءً لابد أن يرفع من المشكاة ومن مكانه، ومادام في المشكاة وفي مكانه لن يستطيعوا الوصول إلى أهدافهم. أولئك يعلمون بأنه مادامت الزهراء(صلوات الله عليها) حية، لن تترك التعريف بالإمام علي(صلوات الله عليه) للأمة، ولن تدع الإمامة والولاية أن تسجن في البيت وأن تزول،
ولذلك الخليفة الثاني في رسالته إلى معاوية – عليه اللعنة – كتب: ﴿عندما عرفت بأن الزهراء(صلوات الله عليها) خلف الباب ضربته برجلي بقوة، حتى سمعت تكسر عظام أضلاع فاطمة(صلوات الله عليها)﴾.
الزهراء(صلوات الله عليها) مشكاة، هي حافظة وحارسة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) والنبوة، حارسة الشريعة والقرآن وحافظة الإمامة والولاية، وعلمها هذا هو الرحمة الإلهية. في الحقيقة يريد الله المتعال أن يقول: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أنا أعطيتك فاطمة(صلوات الله عليها) ﴿البنت رحمةٌ﴾، وهذه الرحمة حافظتك وحارستك وحارسة دينك وشريعتك وولاية الأئمة (عليهم السلام) وثمرة الدين.