بيان خصوصيات فاطمة في القرآن -8-
بحر بلا انتهاء من الفضائل
﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾.
بحران مختلفان(مالح وحلو، بارد وحار) في جنب بعضهما، في حال أنهما ملتقيان.
سورة الرحمن تسمى عروس القرآن؛ لأن في هذه السورة بيان أعلى النعم الإلهية، أعم من النعم الدنيوية والأخروية، على رأس كل النعم وجود خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)، وولاية أمير المؤمنين(صلوات الله عليه)، ونعمة عصمة السيدة فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها) وكفتي الرحمة الإمام الحسن والإمام الحسين (صلوات الله عليهما)، في هذه السورة بعد بيان كل نعمة يقول:
﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
النكتة التي نطرحها في هذه النعم على خمسة أقسام، أن الله لم يصرِّح بالأنوار الخمسة المقدسة، بل ذكر بيان صفاتهم، حكمة عدم ذكر أسمائهم لأنها سوف لن تفي للإحاطة بالأبعاد الوجودية لهم بصورة دقيقة، لأن ببيان صفاتهم وخصوصياتهم في حين التلاوة سوف يكون بصورة دقيقة وكافية، وسيكون هناك تدقيق وتفحص أكثر، وسيكون الإنسان في فصل معرفة السادة المعصومين (عليهم السلام).
جاء في التفسير الموضوعي(ﭘيام قرآن) حول فضائل أهل البيت (عليهم السلام) هكذا:
أن للقرآن ظاهراً وباطناً، على ذلك يوجد تفسير مادي ومعنوي للقرآن أيضا. في الروايات الإسلامية فسَّرت هذين البحرين بالإمام علي(صلوات الله عليه) والسيدة فاطمة الزهراء(صلوات الله عليها)، وفسَّرت ﴿اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾
بالإمام الحسن والإمام الحسين (صلوات الله عليهما).
في كتاب(شواهد التنزيل) عن سلمان الفارسي(رضوان الله عليه) فَسَّر هذه الآية بنفس هذا البيان. على ذلك السيوطي في تفسيره الروائي(الدر المنثور) بعد أن ذكر بيان الروايات التي تفسر تفسيرا ظاهريا نقل محتوى الأحاديث السابقة عن ابن عباس عن نبي الله (صلى الله عليه وآله)، وطَبّقَ الآيات على أمير المؤمنين(صلوات الله عليه)، والسيدة فاطمة(صلوات الله عليها)، والإمام المجتبى وسيد الشهداء (صلوات الله عليهما) عن قول ابن مردويه.
الآلوسي المفسر المعروف لأهل السنة في تفسيره(روح المعاني) بعد ذكر الروايات عن طرق متعددة يقول: ﴿أعتقد أنه لو كانت الروايات صحيحة ليس لها ارتباط بالتفسير، بل هذا تأويل مثل تأويل المتصوفة بالنسبة لكثير من الآيات القرآنية، على أن الإمام علي وفاطمة(رضى الله عنهما) كل واحد منهما محيط عظيم من جهة العلم والفضائل والعظمة، وكذلك كلا من الحسنين(رضى الله عنهما) بلا نهاية في الجمال والجاذبية من اللؤلؤ والمرجان﴾.
الآلوسي اعترف بمقام هؤلاء العظماء اللائق بهم، وذلك مشروط على أن لا ينفي الروايات التي ذكرها فوق، كأن الآلوسي نسي بأن هذا الحديث نُقِل بطرق متعددة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) له الحق في تأويل الآيات، والقياس بين تلك الروايات وبين التأويلات التي بلا مصدر والمختلقة من أفكار المنحرفين الصوفية ظالم جدا وبعيد أن يصدر من عالم هكذا شأنه.
على أي حال، إن هذه الآية هي من الآيات الدالة على فضيلة فوق العادة، وجلالة بلا انتهاء للإمام علي وزوجته(صلوات الله عليهما)، وأبنائهما الحسن والحسين (صلوات الله عليهما)، لأنها شبهت الإمام علي(صلوات الله عليه) وفاطمة الزهراء(صلوات الله عليها) ببحرين ومحيطين عظيمين، محيط علامة على عظمة الله ومنبع البركات ومبدأ العلوم الكثيرة وعلامة بارزة على الأخلاق الكريمة والجود والسخاء والطهارة والعصمة.
ابن عباس في تفسير هذه الآية ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ يقول: البحران يعني الإمام علي وفاطمة الطهر(صلوات الله عليهما)، ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾ هو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) و ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ الإمام الحسن والإمام الحسين (صلوات الله عليهما).
عبَّر الله المنان في هذه الآية المباركة عن هذين الزوجين بالبحر، يعني إن هذين الشخصين بحر، وبالتدقيق والتأمل في هذا التعبير لله المتعال نصل إلى نكتة ظريفة ودقيقة يريد بيانها وهي سعة وعمق وعدم انتهاء، ولا حدّ لهذين العظيمين.
ولذلك عبر عنهما بالبحر، بدون أن يذكر بيان حجم وأبعاد هذا البحر، ولذلك لابد أن يُتوجَّه لهذه المسألة، أن الذي يشبِّه هو الله، وأن تشبيه الله غير تشبيه الآخرين؛ لأنه عندما يصف إنسان بحراً لم يره سيكون هذا الكلام بدون اعتبار وقيمة؛ لأنه سيقول حتى لجدول ماءٍ صغير بحر، فكيف بجدول عظيم أو بحيرة! عندما يعرِّف إنسان البحر وكل بحور العالم، ويتحدث عن البحر، هذان اللذان عرفا البحر، بينهما تفاوت، وبصورة كلية ليس بينهما وجه قياس، عندما يشبِّه خالق البحر شيئا بالبحر ويصفه به أيضاً.
مثال آخر: نحن ليس لدينا معرفة بكل العلوم؛ لذلك إذا كان لدى شخص عدَّة علوم نقول له علاَّمة، عندما يقول الله لشخص علامة، هل هذان التعبيران متساويان؟ الله المتعال لا يقول لكل أحدٍ علامة، وأولئك الذين نظنهم أنهم علامة، الله يقول في حقهم:
﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾، يعني يا علّامات الدنيا!، أيها العلّامة الحلّي، أيها العلّامة بحر العلوم، أيها العلّامة المجلسي، أيها العلّامة الطباطبائي ويا علّامات كل عالم الخلقة، لو أن كل علومكم توضع فوق بعضها البعض، مجموعها كلها تساوي قطرة واحدة قد أعطيتكم إياها، أهل الدنيا يخاطبونكم بلقب علّامة، لكن أقول قد أعطيتكم قليلاً، قطرة واحدة من العلم.
الجميل أن هذا الخطاب من الله ليس لشخص واحد أو لشخصين، الخطاب لكل الخلق من بداية الخلقة إلى النهاية، يعني كل الخلق علمهم قطرة واحدة، في حال أن الله يعتبر كل العلوم المختلفة في طول الخلقة قطرة واحدة ويقول: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ ،
عندما يريد الله أن يوضح علم الإمام علي(صلوات الله عليه) والسيدة فاطمة(صلوات الله عليها) يقول: الزهراء وعلي بالنسبة لي بحر(صلوات الله عليهما)، ولذلك لابد من التدقيق حتى يظهر معلوماً أن هذا البحر الذي تحدَّث عنه الله أي بحر؛ لأن ما نظنه بحر يعتبره الله قطرة، لكن عندما يريد أن يمجد هذين العظيمين يعبِّر عنهما بالبحر.