اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
هجرة الامام علي (عليه السلام) إلى المدينة
![صورة](http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:grzyLnDRtMm1iM:http://mohamedalmuthfer.jeeran.com/ali.jpg)
أما كيفية هجرة علي (عليه السلام)، من مكة إلى المدينة فقد رواها المحدثون بهذه الكيفية. انقلها مجملاً.
كتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي بن ابي طالب (عليه السلام) كتاباً يأمره فيه بالمسير إليه، وقلة التلوم([19])، وكان الرسول بعث إليه أبا واقد الليثي، فلما أتاه كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)تهيأ للخروج والهجرة.
قال ابن شهرآشوب: واستخلفه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لرد الودائع، لانه كان أميناً، فلما أدّاها قام على الكعبة فنادى بصوت رفيع: يا أيها الناس هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصية؟ هل من عدة له قِبَل رسول الله؟ فلما لم يأت أحد لحق بالنبي.
وقال ابن شهرآشوب أيضاً: أمره النبي أن يؤدي عنه كل دَين وكل وديعة وأوصى إليه بقضاء ديونه، فإذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين فأمرهم أن يتسللوا ويتخففوا - إذا ملا الليل بطن كل واد - إلى ذي طوى، وخرج علي (عليه السلام) بفاطمة الزهراء (عليها السلام) وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب، وقد قيل: هي ضباعة وفي رواية، وفاطمة بنت حمزة بن عبدالمطلب، وتبعهم أم أيمن وابنها أيمن مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبو واقد رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم، فقال علي (عليه السلام): إرفق بالنسوة أبا واقد! إنهن من الضعائف، قال: إني أخاف أن يدركنا الطالب - أو قال: الطلب - فقال علي (عليه السلام): أربع عليك، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال لي: يا علي إنهم لن يصلوا من الان إليك بأمر تكرهه، ثم جعل - يعني علياً (عليه السلام) - يسوق بهن سوقاً رفيقاً وهو يرتجز ويقول:
ليس إلاّ الله فارفع ظنكا * * * يكفيك رب الناس ما أهمّكا
وسار، فلما شارف ضجنان أدركه الطلب سبع فوارس من قريش مستلئمين وثامنهم مولى الحارث بن أمية يدعي جناحاً وهو افتكهم، فأقبل علي (عليه السلام) على أيمن وأبي واقد وقد تراءى القوم فقال لهما: أنيخا الابل وأعقلاها. وتقدم حتى أنزل النسوة، ودنا القوم فاستقبلهم علي (عليه السلام) منتضياً سيفه، فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت أنك يا غدار ناج بالنسوة، ارجع لا أبا لك، قال: فان لم أفعل؟ قالوا: لترجعن راغماً، أو لنرجعن بأكثرك شَعراً، وأهون بك من هالك. ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها، فحال علي (عليه السلام) بينهم وبينها، فأهوى له جناح بسيفه فراغ علي (عليه السلام) عن ضربته، وتختله علي (عليه السلام) فضربه على عاتقه ، فأسرع السيف مضياً فيه حتى مس كاثبة فرسه، فكان علي (عليه السلام) يشد على قدمه شد الفرس، أو الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه وهو يقول:
خلوا سبيل الجاهد المجاهد * * * آليت لا أعبد غير الواحد
فتصدع القوم عنه، بعد قتل جناح فقالوا له: اغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب، قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بيثرب، فمن سرّه أن أفري لحمه واهريق دمه فليتبعني، أو فليدن مني، ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد فقال لهما: اطلقها مطاياكما، ثم سار ظاهراً قاهراً حتى نزل ضجنان، فتلوَّم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين، يُصَلّون للهِ ليلتهم ويذكرونه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر، فصلى علي (عليه السلام) بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه، فجعل وهم يصنعون ذلك منزلاً بعد منزل يعبدون الله عزَّ وجلّ ويرغبون إليه كذلك حتى قدموا قبا، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم: (الَّذِين يَذْكرُونَ اللهَ قِياماً وَقعُوداً وَعلى جُنُوبِهم وَيتَفكّرُون فِي خَلقِ السَّمَاواتِ والارْض ربّنا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً)([20]) إلى قوله: (فَاسْتَجَابَ لَهُم رَبهُم أنِي لا أُضِيعُ عَمَل عَامل مِنْكُم مِن ذَكَر أو أُنْثى).
ولما نزل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقباء خارج المدينة بقي ينتظر قدوم علي (عليه السلام)، فقال له أبو بكر: انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك، وهم يستريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تُقِم ههنا تنتظر علياً، فما أظنه يقدم إليك إلى شهر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلاّ، ما أسرعه. ولست أُريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عزَّ وجلَّ وأحبّ أهل بيتي إليَّ فقد وقاني بنفسه من المشركين. فبقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة عشر يوماً فوافى عليٌّ بعياله وقد تفطرت قدماه فاعتنقه النبي وبكى رحمة لما بقدميه من الورم. وتفل في يديه وأمرَّها على قدميه فلم يشتكهما بعد ذلك أبداً.
لقد وصل الامام علي (عليه السلام) مع الفواطم والمؤمنين قبا يوم الاثنين، ومكث مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يوم الخميس، وفي صباح يوم الجمعة تحرك الركب الطاهر يرافعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بصحبة المؤمنين يقصدون يثرب، فادركته الصلاة - صلاة الظهر - أو صلاة الجمعة - في بني سالم بن عوف فصلاها عندهم، وبعد ان اكمل صلاته دعا براحلته فركبها وسار في ركبه المؤمنون وهم أكثر من مائة رجل يحملون السلاح محيطين به يميناً وشمالاً.
ولما دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع المؤمنين يثرب استقبله أهلها بالترحاب والاهازيج والاشعار التي تنبأ عن شغفهم وسرورهم منها:
طَلَع البدرُ عَلينَا مِن ثَنيَّاتِ الوَداع * * * وَجب الشُكر عَلَينا مَا دعَا للهِ داع
ايها المبعوث فيا جئت بالامر المُطاع * * * جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع
وهكذا رحب أهل يثرب بمقدم نبيهم الكريم.
وأما ما ظهر من شجاعته (عليه السلام) في حروبه وغزواته مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ابتداءً من واقعة بدر، واحد، والاحزاب والخندق، وحنين، وخيبر، وذات السلاسل. التي تنزلت فيه سورة والعاديات، وغيرها من الحروب والغزوات، وفتح مكة، وتكسير الاصنام وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في العدد الاول من هذه الكرسات ملخصاً في سيرة النبي الكريم.
فضلاً عما ذكرنا من حروبه الثلاثة في عهد خلافته، الناكثين في البصرة، والقاسطين في صفين، والمارقين الخوارج، في النهروان بكراس عنوانه «ثم عقر الجمل» ولا يحتاج لتكراره.
[19]) أي عدم التباطىء .
([20]) سورة آل عمران : الاية 191 ـ 195
منقول من كتاب
المرتضى علي (عليه السلام)
الحاج حسين الشاكري
[/align]