قائد القلوب إلى المعشوق
*عيسى بن مريم :
عيسى بن مريم عليه السلام هو أفضل الأنبياء بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم، وعندما نتعمّق في حياة عيسى بن مريم عليه السلام نلاحظ أنّه رغم كونه من أنبياء أولى العزم ولكنّه لم يصدر منه في عصره ما يتناسب وشأنه فلم يتاح له المجال حتى للزواج فضلا عن الملك و الحكم فأخذه الله إليه سريعاً ، وأيضاً نشاهد أنّ جنس تحركاته و تصرفاته لا يتلائم مع زمانه بل كأن الله خلقه لعصر غير عصره .
فالملاحظ أنّ الله منحه أكبر المعجزات كما قال تعالى : (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ)(آل عمران/49).
فاحياء الموتى رغم خطورته إلا أنّه لم يستفد منه كثيراً في حياته نشاهد أنّ الإحياء في عصر موسى يتمّ خلال عملية معقّدة كما قال تعالى: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)(البقرة/72). (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(البقرة/73).فضربوا الميت ببعض البقرة ليحيى ويعترف على من قتله .
فيا ترى لِمَ كلّ هذه المعجزات ؟
أقول : إنّها لا علاقة لها بذلك الزمان إلا بنحو جزئي ، إنّ عيسى قد تميّز في دوره الميداني الحسّاس في دولة صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف كما هو المستفاد من الآيات والأحاديث ولديه مسؤوليات خطيرة في الثورة المهدوية من أهمّ تلك المسؤوليات أنّه سيقود قافلة كبيرة من قلوب أهل الكتاب إلى عصر الظهور ويوجههم إلى صاحب الأمر إليه فلا تبقى حينئذٍ إلا شريعتان الإسلام والمسيحية ومن ثمّ ومن خلال صلاته خلف الإمام سوف- ينقلب كلّ أتباعه إلى الإسلام طوعاً وذلك بدليل في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)(النساء/159). فجميع الأديان سوف تتجه إلى دين واحد وكلّ أتباع تلك الأديان يعتنقون المسيحيّة وبالنتيجة تبقى المسيحية والإسلام وسوف يوجّه جميع أتباعه إلى الإسلام ، فمسؤولية عيسى خطيرة للغاية حيث يرجع أتباع جميع الأديان إلى الإسلام وهو عليه السلام سيكون في خدمة الإمام المهدي أرواحنا فداه قال العلامة الطباطبائي ره: و يؤيده أن إرجاع ضمير «قَبْلَ مَوْتِهِ» إلى عيسى يعود إلى ما ورد في بعض الأخبار أن عيسى حي لم يمت، و أنه ينزل في آخر الزمان فيؤمن به أهل الكتاب من اليهود و النصارى، و هذا يوجب تخصيص عموم قوله «وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» من غير مخصص، فإن مقتضى الآية على هذا التقدير أن يكون يؤمن بعيسى عند ذلك النزول من السماء الموجودون من أهل الكتاب دون المجموع منهم، ممن وقع بين رفع عيسى و نزوله فمات و لم يدرك زمان نزوله، فهذا تخصيص لعموم الآية من غير مخصص ظاهر. فهذا الذي ذكرناه يؤيد كون المراد بإيمانهم به قبل الموت إيمانهم جميعا به قبل موته ع.
وفي نور الثقلين : (و قوله: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً فانه روى ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذا رجع آمن به الناس كلهم.) وايضاً (عن ابى حمزة عن شهر بن حوشب قال، قال لي الحجاج يا شهر! آية في كتاب الله قد أعيتنى فقلت، ايها الأمير أية آية هي؟ فقال قوله «وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ» و الله انى لأمر باليهودي و النصراني فتضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فلما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد، فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت، قال، كيف هو؟ قلت، ان عيسى ينزل قبل يوم القيامة الى الدنيا، فلا يبقى أهل ملة يهودي و لا غيره الا آمن به قبل موته، و يصلى خلف المهدي قال، ويحك انى لك هذا و من أين جئت به؟ فقلت، حدثني به محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليهم السلام فقال، جئت و الله بها من عين صافية.) بحار الأنوار ج 9 ص 195
مُلك الأنبياء والأولياء:
عيسى بن مريم عليه السلام شاهد الآفات التي اعترت ملك الأنبياء والأولياء فملك آدم لم يبق سوى ساعات محدودة وملك ذي القرنين رغم استمراره 2000 سنة إلا أنّه تكبّد خسائر جسيمة جرّاء ابتلائه بمجموعات خطيرة وهي يأجوج ومأجوج وأخيراً أزيل ملكه وأمّا يوسف فرغم وصوله إلى شيء من الملك إلا أنّ أهل مصر لم يؤمنوا به إلا بعد أن نفدت أرزاقهم ، يقال أنّه استعبدهم ثمّ دعاهم إلى التوحيد ومن ثمّ حرّرهم . وأمّا ملك موسى فكان مليئاً بالآفات فبنو إسرائيل لم يطيعوه ونقضوا مواثيقهم وابتلوا باكفر ثمّ الشرك من خلال عبادة العجل الكفر وأخطر من ذلك تورّطوا في جريمة قتل الأنبياء وأمّا طالوت فآفة ملكه ظهرت في البداية حيث شربوا كلّهم أكثر من غرفة إلا عدد قليل حيث وفوا بعهودهم وأمّا داوود فيكفي أنّ الله سبحانه يقول ( لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إِسْرائيلَ عَلى لِسانِ داوُودَ وَ عيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ) ولم يبق إلا ملك سليمان وهو رغم شموليته إلا أنّه حكم عليه بالزوال بمجرّد أن توفى سليمان ثمّ إنّه قد نتشر السحر بين عامّة الناس بعد وفاته .
وأمّا عيسى ، حيث شاهد ملك الأنبياء والأولياء وتعرّف على الملك العظيم أعني الملك المهدوي فرفعه الله مكاناً علياُ وهو ينتظر ذلك الملك العظيم في الأرض (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)(النساء/54). والكبير في الجنّة (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)(الإنسان/20).
الشبه بين عيسى والإمام المهدي:
في تفسير قوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)(النساء/157). عن الامام الصادق عليه السلام: (... و أما غيبة عيسى عليه السلام : فإن اليهود و النصارى اتفقت على أنه قتل فكذبهم الله جل ذكره بقوله «وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» كذلك غيبة القائم ...).
وفي قصصالأنبياء للراوندي 282 الباب التاسع عشر ح346 ( وكانت للمسيح عليه السلام غيبات يسيح فيها في الارض ، فلا يعرف قومه وشيعته خبره ، ثم ظهر فأوصي إلي شمعون بن حمون عليه السلام ، فلما مضي شمعون غابت الحجج بعده واشتد ( ت ) الطلب ، وعظمت البلوي ، ودرس الدين وضيعت الحقوق ، وأميتت الفروض والسنن ، وذهب الناس يمينا وشمالا لا يعرفون أيا من أي ، فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة )
دور عيسى بن مريم في الثورة المهدوية:
ماذا سيحدث قبيل ظهور الإمام المهدي عجّل الله فرجه ؟
لا طريق لمعرفة تلك الأمور إلا من خلال القرآن الكريم وأحاديث أهل بيت العصمة والطهارة في ومن خلال النصوص يمكننا أن نستنتج أنّه في أواسط آخر الزمان سيحدث الهرج و المرج الشديدان وتقع حروب فتّاكة ومشاكل كبيرة ،والناس يشتكون من جرائم مجموعات يأجوج وماجوج حيث ينتشرون كالجراد حيث يدمرون كلّ شيئ فيأكلون حتى القطط ويشربون حتى الأنهار .يقول سبحانه(وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ، حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ)(الأنبياء/95 و 96).
فلابد من وجود رجل قوي للغاية يمتلك قوى باطنية يتمكن من خلالها خلاص الناس من تلك المشاكل ففي هذا الظرف الحرج سوف يرجع عيسى بن مريم في منطقة معروفة فيجتمع المؤمنون حوله ، عيسى عليه السلام بدعاءه الإعجازي يدمّرهم على بكرة أبيهم
في تفسير منهج الصادقين، ج2، ص: 236 عن عبد اللَّه عباس عن رسول (ص) قال كيف يُهلك أمّة أنا في أوّلها و عيسى عليه السلام فى آخرها و المهدي من أهل بيتى في وسطها)
ونحن لا ندري ما هي هذه المعجزة ولكن جاء في القرآن تعبير نفخ الصور(وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)(الكهف/99). وهذا الصور لا علاقة له بالصور الثاني الذي به يحي الله الموت .
النصر بالرعب:
هذه القوّة لها أهمّية كبيرة في آخر الزمان وهي القوى المعنوية التّي تدعمها القوى الظاهرية قال تعالى(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ...)(الأنفال/60). وقد بيّن الله هذه القوّة في عدد من الآيات الكريمة كقوله : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)(آل عمران/151).
وقد ورد في الحديث عن مواصفات تلك النهضة المباركة عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (ويظهر الله عزوجل له كنوز الارض ومعادنها ، وينصره بالرعب ، فيملا الارض به عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ) وأيضاً (عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام يقول : ... لو خرج قائم آل محمد عليهما السلام لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين و الكروبيين . يكون جبرئيل أمامه ، وميكائيل عن يمينه ، وإسرافيل عن يساره ، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ، والملائكة المقربون حذاه ..) وأيضاً (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ الْقَائِمُ مَنْصُورٌ بِالرُّعْبِ مُؤَيَّدٌ بِالنَّصْرِ تُطْوَى لَهُ الْأَرْضُ وَ تَظْهَرُ لَهُ الْكُنُوزُ وَ يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ الْمَشْرِقَ وَ الْمَغْرِبَ وَ يُظْهِرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ دِينَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ خَرَابٌ إِلَّا عُمِرَ وَ يَنْزِلُ رُوحُ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام فَيُصَلِّي خَلْفَهُ ) فمهمّة عيسى بن مريم عظيمة ومسؤوليته خطيرة .
الدجّال :
وأصعب من ذلك هو أمر الدجّال حيث تبدأ الآفات فلا مطر ينزل ولا طعام يتواجد والقحط يشمل البلاد واستمرار هذا الوضع يكون للناس صعباً للغاية ، ففي هذا الظرف الصعب حيث الناس يريدون شيئاً يسدّ جوعهم فإذا يأتي الدجّال وهو يدّعي الربوبية وينادي أنا ربّكم الأعلى ويستغل قدراته الشيطانية فيأتي بكميات كبيرة من الخبز والماء والطعام الطازج لا يعطيها أحداً من الناس إلا أن يسلّم نفسه له ويقرّ بأنّه عبد ، والكثير من الناس ينحرفون عن الصراط المستقيم ويتورّطون في الشرك . (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها ...يَا خَيْثَمَةُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ مَا هُوَ وَ التَّوْحِيدَ حَتَّى يَكُونَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنَ السَّمَاءِ وَ يَقْتُلَ اللَّهُ الدَّجَّالَ عَلَى يَدَيْهِ وَ يُصَلِّيَ بِهِمْ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَ لَا تَرَى أَنَّ عِيسَى يُصَلِّي خَلْفَنَا وَ هُوَ نَبِيٌّ أَلَا وَ نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْهُ )
(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(آل عمران/55).
باسناده عن حماد بن عبد الله بن سليمان و كان قارئا للكتب قال قرأت في الإنجيل(أَرْفَعُكَ إِلَيَّ ثُمَّ أُهْبِطُكَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِتَرَى مِنْ أُمَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله الْعَجَائِبَ وَ لِتُعِينَهُمْ عَلَى اللَّعِينِ الدَّجَّالِ أُهْبِطُكَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتُصَلِّيَ مَعَهُمْ إِنَّهُمْ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ )
وأيضا في قوله تعلى (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ)(آل عمران/46). (قد كلمهم عيسى في المهد وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل)
في تفسير الشريف اللاهيجى ج1 325 (إنّه يتحدّث مع الناس بنحو الإعجاز في كلا المرتبيتين من عمره ، في المهد و عندما يكون كهلا ، وبما أنّه رفع إلى السماء في شبابه وقد بلغ من عمره الثلاث والثلاثين فإذاً قوله وكهلاً لابد وأن يكون بعد نزوله من السماء وهو في كبره في عصر دولة آل محمّد) أقول ولذلك قال : ومن الصالحين فهو حينئذٍ من جملة الصالحين الذين التحقوا بركب الإمام الحجّة عجل الله فرجه حيث أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون.
ولا يخفى عليك أنّ قوله تعالى عن لسان عيسى (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)(مريم/31). ربّما يدلُّ على ماذكرنا فتأمّل في وفي قوله (وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)(مريم/33).
السفياني :
ولا تمرّ تسعة أشهر أي بمقدار الحمل إلا وقد خرج السفياني من ناحية والخراساني من ناحية أخرى ثمّ تبدأ الرجعة ويأتي دابة الأرض . ولا بأس هنا بالإشارة إلى السفياني شيئاً :
السفياني : أمياله وأحاسيسه يهودية ، مذهبه وهابي ، رايته صليب ، تصرفاته فسق ، أخلاقه جريمة يصلي الجماعة فتجلس فاحشة على رجله ومن يعترض عليه يقتله .. جيشه قوي فيه آلاف السحرة والجن يقتل من اسمه فاطمة ولو كان محتملاً ويكون في الشامات والحجاز وتركيا والعراق ، هنا قد حذّر أئمتنا أصحابهم كما في الحديث (النبي صلى الله عليه وآله قال لا بد من عشر علامات قبل الساعة السفياني و الدجال و الدخان و الدابة و خروج القائم و طلوع الشمس من مغربها و نزول عيسى ابن مريم و خسف بالمشرق و خسف بجزيرة العرب و نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر )
معلّم عيسى :
فينبغي أن يكون للنبي عيسى بن مريم معلّماً يتعلّم على يديه من قبل أن يولد حيث لا مجال طويل عنده بل المجال ضيق للغاية فمن الطبيعي أن ينتقل إلى بلد المعلّم ، وأيّ معلِّم هو ؟ هو أفضل من يحرّك الركب أفضل مصير ، ألا وهو سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام فلابدّ لعيسى أن يستغلّ الفرصة الذهبية القصيرة فينتقل إلى ديار العشق ، فالأفضل أن ينقله الله سبحانه قبل ولادته ، فيولد هناك أعني في (أرض كربلاء) ويتعلّم السبيل الصحيح والوسائل التي يحتاج إليها للسير في هذا السبيل فينظر بعين غير مادية إلى المستقبل فيشهد أسلوب التبعية والفداء ليكتسب الخريطة التي على ضوءها يؤدّي مهمته التي من أجلها خلق ومن أجلها جعل من أولي العزم من الرسل ففي الحديث في كتاب الكافي و علل الشرائع باسناده الى جابر بن يزيد عن أبى جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل «وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» قال:
(عهد اليه في محمد و الائمة من بعده فترك و لم يكن له عزم فيهم انهم هكذا، و انما سمى أولوا العزم لأنهم عهد إليهم في محمد و الأوصياء من بعده و المهدي و سيرته، فأجمع عزمهم ان ذلك كذلك و الإقرار به) تفسير نور الثقلين، ج5، ص: 25
الشاهد الحاضر:
المفروض أنّ عيسى بن مريّم لم يكن مجرد متفرّج لواقعة الطفّ بشتّى أبعادها بل هو المتعلّم والمطبّق وهو الشاهد بل من أفضل شهود كربلاء المقدّسة ووقائعها. فينبغي له إذن أن ينظر إلى كلّ شيء هنالك بنظر الدقّة والتأمّل ليتعلّم الأمور ظاهرها وباطنها ثمّ يطبّقها في مسيرته الطويلة بحذافيرها وبدقّة فائقة .
وعليه يمكننا أن ندّعي أنّ أدقّ من عرف كربلاء وعاشوراء هو النبي عيسى بن مريم عليه السلام وكيف لا وهو نبي أولى العزم بل هو في أفضل الأنبياء بعد نبينا محمّد صلى الله عليه وآله ؟ ومن المستحيل أن يضيِّع الفرصة على نفسه إنّه سوف يقود قافلة القلوب إلى عصر الظهور وهذه القافلة تنطلق إلى أرض الطفوف ومن ثمّ إلى الدولة الحقّة ، كما قاد الإمام الحسين عليه السلام هذه القافلة ويقودها مادامت السماوات والأرض .
إنّ مسؤولية عيسى هي مسؤولية حسينية ، فقافلته قافلة القلوب إلى الكوفة ..فالحسين عليه السلام علّمه ذلك ، والجدير بالذكر أن مهمّة عيسى عليه السلام كأستاذه الإمام الحسين عليه السلام سوف تبرزحين الرجعة ، فالإمام الحسين قد حارب يزيد بن معاوية وعيسى بن مريم سيحارب الدجّال .
كربلاء المهد :
وقد حان الحين أن نتدبّر في كتاب الله لنعلم المكان الذي ولد فيه عيسى فنقول :
إنّ القرآن من خلال آيات مختلفة يحقق لنا هذا الأمر وللمتدبّر أن يفتح أقفال قلبه ويكون جليساً في محضر القرآن فيتناول من هذه المائدة العظيمة كل ما استساغ له .
الشرق :
يتحدّث سبحانه عن المرحلة الأولى وهو السفر الأول حيث ابتعدت عن قومها (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا)(مريم/16). أي تنحّت مِنْ أَهْلِها و استعمال الانتباذ للاشارة الى انّها ذهبت الى تلك النّاحية بحيث كأنّها نبذها نابذ فانتبذت من أهلها مَكاناً شَرْقِيًّا ،فهي ابتعدت من فلسطين إلى جهة الشرق والظاهر أنّها توجّهت في البداية نحو دمشق كما سيتضح ذلك وهناك وقع ما وقع (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)(مريم/17). (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا)(مريم/18). (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ِلأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا)(مريم/19). (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيًّا)(مريم/20). (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا)(مريم/21). ففي هذه المرحلة هي التي انتبذت من أهلها ثمّ حملت بعيسى عليه السلام .
القصي :
وهي المرحلة الثانية وهنا ذهبت لتضع حملها ، وبالفعل تحققّ ذلك قال تعالى : (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا)(مريم/22). هنا ورد الحديث في إحدى أهم كتبنا أعني تهذيب الأحكام للشيخ الطوسى رضوان الله تعالى عليه (عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين ( ع ) في قوله : ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ) قال : خرجت من دمشق حتى أتت كربلا فوضعته في موضع قبر الحسين ( عليه السلام ) ثم رجعت من ليلتها .) تهذيبالأحكام : 6 / 73. والمكان كان بعيداً عن موطنها وتقع في جهة الشرق كما أنه يشتمل على النخيل فالتجت إلى واحدة منها .
النخلة ذات الرطب الجني:
المحلّ الذي التجأت إليه كان فيه النخل المثمر ذو الرطب الجنيّ ولا يتوفّر ذلك إلا في مدن خاصة من العراق فقال (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)(مريم/23). أي ألجأها وجاء بها ، وجع الولادة ، إلى جذع النخلة وأيضاً قال : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)(مريم/25).
وفي الكافي عن حفص بن غياث، قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يتخلل بساتين الكوفة، فانتهى إلى نخلة، فتوضأ عندها، ثم ركع و سجد، فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة، ثم استند إلى النخلة، فدعا بدعوات، ثم قال: (يا حفص، إنها- و الله- النخلة التي قال الله عز و جل لمريم: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا). بحار الأنوار ج 14 ص 208
وأيضاً جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام مَضَى إِلَى الْحِيرَةِ .. وَ اللَّهِ الْعَجْوَةُ نَخْلَةُ مَرْيَمَ الْقُطْ لَنَا مِنْهَا فَلَقَطْتُ فَوَضَعْتُهُ فِي الطَّبَقِ الَّذِي فِيهِ الرُّطَبُ فَأَكَلَ مِنْهَا وَ أَكْثَرَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي هَذَا الْقَبْرُ الَّذِي أَقْبَلْتَ مِنْهُ قَبْرُ الْحُسَيْنِ قَالَ إِي وَ اللَّهِ يَا شَيْخُ حَقّاً ). بحار الأنوار ج 97 ص 247
النهر :
ومن خصوصيات ذلك المكان هو جريان نهرٍ فيه وقد ذكر القرآن هذا النهر في قوله (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)(مريم/24).
هناك حديث في أصول الكافى (عن أبى الحسن موسى (عليه السلام) انه قال لرجل نصرانى سأله عن مسائل فأجابه (عليه السلام) فيها: ... والنهر الذى ولدت عليه مريم عيسى هل تعرفه؟ قال: لا، قال: هو الفرات، وعليه شجر النخل الكرم، وليس يساوى بالفرات شئ للكروم والنخل.) بحار الأنوار ج 48 ص 87 .
فكان الأكل متوفِّراً وهو الرطب الجنّي والشراب أيضاً وهو الماء الصافي (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَّ مِنْ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)(مريم/26).
الربوة:
والجدير بالذكر أنّ في تفسير قوله تعالى (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)(المؤمنون/50). قد ورد في كتاب مجمع البيان " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " وقيل: حيرة الكوفة وسوادها. والقرار مسجد الكوفة والمعين الفرات عن أبى جعفر وابى عبدالله (عليهما السلام) . بحار الأنوار ج 14 ص 232
(وفي معاني الأخبار... عن أبي جعفر ع قال قال أمير المؤمنين ع في قول الله عز و جل وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ قال الربوة الكوفة و القرار المسجد و المعين الفرات) بحار الأنوار ج 14 ص 217
(وتفسير القمي: قال علي بن إبراهيم في قوله وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً إلى قوله وَ مَعِينٍ قال الربوة الحيرة و ذات قرار و معين الكوفة) بحار الأنوار ج 14 ص 239
قال المجلسي في البحار : (بيان: لعل المعنى أن القرار هو الكوفة و المعين ماؤها أي الفرات و الحيرة أي كربلاء لقربها منهما أضيفت إليهما.) بحارالأنوار ج 14 ص 240
في كتاب الغيبة في حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام وفيه ( ثُمَّ تَنَفَّسَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام وَ قَالَ يَا مُفَضَّلُ إِنَّ بِقَاعَ الْأَرْضِ تَفَاخَرَتْ فَفَخَرَتْ كَعْبَةُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ عَلَى بُقْعَةِ كَرْبَلَاءَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا أَنِ اسْكُتِي كَعْبَةَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَ لَا تَفْتَخِرِي عَلَى كَرْبَلَاءَ فَإِنَّهَا الْبُقْعَةُ الْمُبَارَكَةُ الَّتِي نُودِيَ مُوسَى مِنْهَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَ إِنَّهَا الرَّبْوَةُ الَّتِي أَوَتْ إِلَيْهَا مَرْيَمُ وَ الْمَسِيحُ وَ إِنَّهَا الدَّالِيَةُ الَّتِي غُسِلَ فِيهَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع وَ فِيهَا غَسَلَتْ مَرْيَمُ عِيسَى ع وَ اغْتَسَلَتْ مِنْ وِلَادَتِهَا وَ إِنَّهَا خَيْرُ بُقْعَةٍ عَرَجَ رَسُولُاللَّهِ ص مِنْهَا وَقْتَ غَيْبَتِهِ وَ لَيَكُونَنَّ لِشِيعَتِنَا فِيهَا خِيَرَةٌ إِلَى ظُهُورِ قَائِمِنَا ع ) بحار الأنوار ج 35 ص11
ومن الشواهد على ما أثبتناه ما ذكر العلامة المجلسي في بحار الانوار عن قصص الانبياء للشيخ الصدوق روى عن يحيى بن عبيد الله، قال:
( كنا بالجدة فركبت مع الامام جعفر الصادق عليه السلام فلما سرنا حيال قرية فوق المأصر قال: حيث قرَبَ من الشَّطْ صار على شفير الفرات، نزل فصلى ركعتين. قال: تدري أين ولد المسيح عليه السلام، قلت لا، قال في الموضع الذي أنا فيه جالس. ثم قال أتدري اين؟ قلت لا، قال هو الفرات.) بحار الأنوار ج 14 ص 216
هذا :
وقوله تعالى (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا)(مريم/27). يدلُّ على أنّها قد ابتعدت عن قومها فرجعت إليهم وهي حاملة ابنها عيسى .
سؤال وجواب:
هناك من يقول بأنّ موضع ولادة المسيح بن مريم ( عليه السلام ) على صخرة بيضاء في أرض برثا أي موضع مسجد برثا الحالي رَوَى الْمُفِيدُ بأسناده عَنْ الإمام عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) حديثاً مفصلاً جاء فيه : أن أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام ) لَمَّا رَجَعَ مِنْ وَقْعَةِ الْخَوَارِجِ اجْتَازَ بِالزَّوْرَاءِ ، فَلَمَّا أَتَى يَمْنَةَ السَّوَادِ إِذَا هُوَ بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ ـ فجرى بينهما حديث ، الى أن قال ـ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ ... : إِنِّي وَجَدْتُ فِي الْإِنْجِيلِ نَعْتَكَ وَ أَنَّكَ تَنْزِلُ أَرْضَ بَرَاثَا بَيْتَ مَرْيَمَ وَ أَرْضَ عِيسَى ( عليه السلام ) فَأَتَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) مَوْضِعاً فَلَكَزَهُ بِرِجْلِهِ فَانْبَجَسَتْ عَيْنٌ خَرَّارَةٌ .فَقَالَ : " هَذِهِ عَيْنُ مَرْيَمَ الَّتِي أُنْبِعَتْ لَهَا " .ثُمَّ قَالَ : " اكْشِفُوا هَاهُنَا عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً " .فَكُشِفَ فَإِذَا بِصَخْرَةٍ بَيْضَاءَ . فَقَالَ ( عليه السلام ) : " عَلَى هَذِهِ وَضَعَتْ مَرْيَمُ عِيسَى عليها السلام ) مِنْ عَاتِقِهَا ، وَ صَلَّتْ هَاهُنَا ثُمَّ قَالَ : " أَرْضُ بَرَاثَا هَذِهِ بَيْتُ مَرْيَمَ ( عليها السلام ) " ، ( بحارالأنوار ج 14 ص210
ولكن كما شاهدت في الحديث قال عليه السلام : (عَلَى هَذِهِ وَضَعَتْ مَرْيَمُ عِيسَى عليها السلام مِنْ عَاتِقِهَا) وهذا لا ينافي أنّها حملته في كربلاء ، ثمّ أخذته إلى هذا الموضع ، وعلى أيّ نعتمد على هذا الحديث كشاهد على أنّها بالفعل ذهبت إلى أرض العراق وبالتحديد إلى الكوفة و ضواحيها.
سؤال آخر :
ماذا عمّن يقول بأنّ عيسى بن مريم ولد في بيت لحم ؟
الجواب :
إنّ هذا القول موجود في آثار مفسّري العامة ولا سند لهذا القول إلا كتب أهل الكتاب المحرّفة ومن خلال کعب الأحبار الذي هو سامري الأمّة والراوي هو ابوهريرة ، ولو أردنا الجميع بين هذا الرأي وبين ما ذكرناه من أنّه ولد في كربلاء فنقول: أنّ بيت لحم هو مكان مهد عيسی استقرّ فيه بعد رجوعه من كربلاء فنشأ فيه وترعرع .
مقام نخل مريم أو الصخرة المقدّسة :
وقد تحدّث بعض المحققين عن هذا المقام إليك نصّه بتلخيص :
هذا الأثر الذي جسد حدثين مهمين في التأريخ ألاوهو ولادة السيد المسيح عليه السلام وثورة الإمام الحسين عليه السلام في حركة الطف، هذا الربط الروحي والإلهي بين الولادة المباركة وثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام تلك الصخرة المقدسة التي جمعت الحدثين، الولادة وحز رأس الإمام الحسين عليه السلام فالإمام الحسين عليه السلام ذبح عند نخل مريم مما يلي رأس الحسين، والمقام عبارة عن محراب مرصع بأحجار من الرخام الناصع يخال الناظر اليها أنها قطع من المرايا، وفي وسط هذا المحراب حجر أسود على شكل دائرة يبلغ قطرها 40 سم تقريباً، أما المحراب فقد صمم على شكل نخلتين منحوتتين من نفس الحجر. يقول المؤرخ الأستاذ السيد سلمان هادي آل طعمة عن أهل تلك الصخرة التي وجدت في ارض كربلاء المقدسة والمسمات بنخل مريم : على بعد مترين من الضريح الحسيني المقدس من جهة الرأس الشريف كانت توجد صخرة رخامية ملصقة بالحائط، تعرف بمقام جذع النخلة وهو من الآثار المقدسة في الحرم، جاء وصف هذا المقام في كتاب (سفر نامة عضد الملك) الذي زار كربلاء المقدسة سنة 1284هـ / 1867م وترجم بالعربية كما يلي (وإن نخلة مريم هي عمود بين الصفة ومقابل الوجه المبارك فوق الرأس المطهر حيث يكتنفها عمودان رفيعان بطول ذراع واحد، وضعت النخلة بين العمودين المذكورين، وبين النخلتين نصب حجرأسود، ويقال أن مريم جاءت هذا االموضع المقدس بدون فعل فاعل من البشر.
ورد في كتاب (سفر نامه عتبات ناصر الدين شاه قاجار) الذي زار كربلاء المقدسة حدود سنة 1287هـ / 1870م وصف موجز لهذا المقام فترجمته حرفياً: (وفوق رأس الحسين عليه السلام) كانت اسطوانات قصيرتان من المرمر ملصقتان بالجدار الذي كانوا يسمونه (مقام جذع النخلة) الخاص بمريم العذراء عليها السلام والذي تولد فيه عيسى بن مريم عليهما السلام ووضع فوق ذلك المقام صخرة سوداء مشوبة بالحمرة فسألت عن هذه الصخرة فقالوا ان هذه الصخرة انتقلت مع الزوار من خراسان الى كربلاء ونصبت قبل خمسة عشر سنة في هذا المكان(أي من تأريخ زيارته المذكور سابقاً). وجاء في كتاب (تاريج وجغرافيا كربلاى معلى) مثل ما ترجمته: ان تاريخ صخرة المرمر المكتوب تحت نخلة مريم هو (وهزي اليك بجذع النخلة)1255هـ)
قال السيد عبد الرزاق الحسيني في سنة 767هـ /1365م شيد السلطان اويس الايلخاني المسجد والحرم وأئمة واكملته ابنه احمد بن اويس سنة 786هـ / 1384م وقد وجد هذا التاريخ في المحل المعروف عند اهل كربلاء بنخل مريم عند الرأس الشريف.
يقول : السيد سلمان طعمة ادركت هذه الصخرة اواسط الاربعينات وأنا في العاشرة من عمري وهي صخرة سوداء فيما يلي الرأس الشريف او بعبارة اخرى رخام منعوت بـ(نخل مريم) ملصق على احدى الدعائم في الحرم الشريف قرب الرأس المقدس للإمام الحسين عليه السلام، وكنت ارى الزائرين يتبركون بها وذلك بمسح ظهورهم عليها، وقد رفعت هذه الصخرة من الحائط سنة 1947م كما حدثني بذلك فضيلة السيد عبد الصالح آل طعمة السادن السابق للروضة الحسينية المقدسة، وقد ورد تفاصيل وصف هذا المقام في عدد من المصادر منها، (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) ص 71 (حديثة الحسين) ج1 ص 31،41 وغيرها.
ويقول سماحة السيد مرتضى القزويني: قبل خمسة وخمسين عاما عندما كنا شبابا وكنا ننزل الى موضع القبر الشريف لقراءة الدعاء المنحوت على الصخرة الرخامية والذي يبدأ بـ (اللهم لا تدع لي ذنباً إلا غفرته.. الى اخر الدعاء) لذلك تسنى لي مشاهدة الصخرة التي تسمى بـ (نخل مريم) كان طولها حسب تقديري متراً وعرضها 50 سنتيمتراً يميل لونها الى الاحمر. هذا كل ما اتذكره عن هذا الأثر.
كهيعص :
في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سعد بن عبدالله القمى عن الحجة القائم (عليه السلام) حديث طويل وفيه: قلت: فأخبرنى يا بن رسول الله عن تأويل كهيعص قال: هذه الحروف من أنباء الغيب، اطلع الله عبد زكريا عليها، ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله)، وذلك ان زكريا (عليه السلام) سأل ربه ان يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط الله عليه جبرئيل (عليه السلام) فعلمه اياها، فكان زكريا اذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه، واذا ذكر الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال ذات يوم: الهى ما بالى اذا ذكرت أربعا منهم (عليهم السلام) تسليت بأسمائهم من همومى، واذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عينى وتثور زفرتى؟ فأنبأه تبارك و سرى عنه الشئ: كشف عنه ما يجده من الهم والغضب. تعالى عن قصته، فقال: " كهيعص " فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد لعنه الله وهو ظالم الحسين، والعين عطشه، والصاد صبره، فلما سمع بذلك زكريا (عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلثة أيام، ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء و النحيب، وكانت ندبته: الهى أتفجع خير خلقك بولده؟ أتنزل بلوى هذه الرزية بفناءه؟ اتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة،؟ الهى أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟ ثم كان يقول: الهى ارزقنى ولدا تقر به عينى عند الكبر، واجعله وارثا ووصيا، واجعل محله منى محل الحسين (عليه السلام) فاذا رزقتنيه فافتنى بحبه وبه أفجعنى به كما تفجع محمدا حبيبك (صلى الله عليه وآله) بولده، فرزقه الله يحيى (عليه السلام) وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر، وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك.
السلام عليك يا ابا عبدالله وعلى الارواح التي حلت بفنائك عليك مني سلام الله ابدا مابقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله بأخر العهد مني لزيارتكم السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين..
الشيخ ابراهيم الانصاري