بسم الله الرحمن اارحبم
اللهم صل على محمد وال محمد
وكان من دعائه (عليه السلام) في التضرع والاستكانة:
إلَهِي أَحْمَدُكَ وَأَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ عَلَىٰ حُسْنِ صَنِيعِكَ إِلَيَّ، وَسُبُوغِ نَعْمَائِكَ عَلَيَّ، وَجَزِيلِ عَطَائِكَ عِنْدِي وَعَلَىٰ مَا فَضَّلْتَنِي بِهِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ فَقَدِ ٱصْطَنَعْتَ عِنْدِي مَا يَعْجِزُ عَنْهُ شُكْرِي، وَلَوْلاَ إِحْسَانُكَ إِلَيَّ وَسُبُوغُ نَعْمَائِكَ عَلَيَّ مَا بَلَغْتُ إِحْرَازَ حَظِّي، وَلاَ إِصْلاَحَ نَفْسِي، وَلكِنَّكَ ٱبْتَدَأْتَنِي بِٱلإِحْسَانِ، وَرَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا الْكِفَايَةَ، وَصَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلاَءِ، وَمَنَعْتَ عِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَاءِ،
ـــــــــــ
الشرح: (إلَهِي أَحْمَدُكَ وَأَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ عَلَىٰ حُسْنِ صَنِيعِكَ إِلَيَّ) أي: صنعك الحسن بي من الخلق والرزق وما أشبه، والله سبحانه أهل للحمد إذ إنما يحمد الكامل المتفضل، وهو سبحانه كامل الذات والصفات متفضل على جميع المخلوقات (وَسُبُوغِ) أي: سعة (نَعْمَائِكَ عَلَيَّ) فإن نعمه تعالى على الإنسان واسعة سابغة (وَجَزِيلِ) أي: عظيم (عَطَائِكَ عِنْدِي) أحمدك يا رب (وَعَلَىٰ مَا فَضَّلْتَنِي بِهِ) الضمير عائد إلى [ما] (مِنْ رَحْمَتِكَ) بيان [ما] أي: على رحمتك التي فضلتني بها على غيري (وَأَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ) أي: أوسعت عليّ (فَقَدِ ٱصْطَنَعْتَ عِنْدِي) أي: أعطيت وحسنت (مَا يَعْجِزُ عَنْهُ شُكْرِي) فلا أقدر على شكر نعمائك (وَلَوْلاَ إِحْسَانُكَ إِلَيَّ وَسُبُوغُ نَعْمَائِكَ) أي: سعة نعمتك (عَلَيَّ مَا بَلَغْتُ إِحْرَازَ حَظِّي) بأن أنال هذه النعمة التي أنا الآن فيها (وَلاَ) قدرت على (إِصْلاَحَ نَفْسِي) فإنه لا شيء بيد الإنسان إطلاقاً وإنما الكل نعمة من الله تعالى (وَلكِنَّكَ) يا رب (ٱبْتَدَأْتَنِي بِٱلإِحْسَانِ) بأن أحسنت إلي أولاً (وَرَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي) أي: حوائجي (كُلِّهَا) بقدر (الْكِفَايَةَ، وَصَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلاَءِ) أي: البلاء الموجب لجهد الإنسان وتعبه (وَمَنَعْتَ عِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَاءِ) القضاء والقدر الذي يحذر ويخشى منه.
ـــــــــــ
إِلَهِي فَكَمْ مِنْ بَلاَءٍ جَاهِدٍ قَدْ صَرَفْتَ عَنِّي، وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ سَابِغَةٍ أَقْرَرْتَ بِهَا عَيْنِي، وَكَمْ مِنْ صَنِيعَةٍ كَرِيمَةٍ لَكَ عِنْدِي، أَنْتَ ٱلَّذِي أَجَبْتَ عِنْدَ ٱلإِضْطِرَارِ دَعْوَتِي، وَأَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثَارِ زَلَّتِي، وَأَخَذْتَ لِي مِنَ ٱلأَعْدَاءِ بِظُلاَمَتِي، إِلَهِي مَا وَجَدْتُكَ بَخِيلاً حِينَ سَأَلْتُكَ، وَلاَ مُنْقَبِضاً حِينَ أَرَدْتُكَ بَلْ وَجَدْتُكَ لِدُعَائِي سَامِعاً، وَلِمَطَالِبِي مُعْطِياً، وَوَجَدْتُ نُعْمَاكَ عَلَيَّ سَابِغَةً فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِي وَكُلِّ زَمَانٍ مِنْ زَمَانِي فَأَنْتَ عِنْدِي مَحْمُودٌ، وَصَنِيعُكَ لَدَيَّ مَبْرُورٌ،
ـــــــــــ
(إِلَهِي فَكَمْ مِنْ بَلاَءٍ جَاهِدٍ) أي: موجب للمشقة (قَدْ صَرَفْتَ عَنِّي) مع إني كنت في معرض ذلك البلاء (وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ سَابِغَةٍ) واسعة (أَقْرَرْتَ بِهَا عَيْنِي) فإن الإنسان إذا اطمأن استقرت عينه بخلاف الخائف والراغب الذي ينظر هنا وهناك ليجد ملجأ أو مطلباً فإن عينه في اضطراب (وَكَمْ مِنْ صَنِيعَةٍ كَرِيمَةٍ) أي: صنع موجب لكرامتي (لَكَ) يا رب (عِنْدِي) [كم] في هذه الجمل للتكثير (أَنْتَ ٱلَّذِي أَجَبْتَ عِنْدَ ٱلإِضْطِرَارِ) أي: وقت اضطراري (دَعْوَتِي) التي دعوتك بها لكشف ضري (وَأَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثَارِ) أي: السقوط (زَلَّتِي) بأن حفظتني فلم أهلك عندما وقعت في الإثم (وَأَخَذْتَ لِي مِنَ ٱلأَعْدَاءِ بِظُلاَمَتِي) أي: الشيء الذي ظلموني فيه، بأن رددت علي حقي (إِلَهِي مَا وَجَدْتُكَ بَخِيلاً حِينَ سَأَلْتُكَ) حاجتي (وَلاَ مُنْقَبِضاً) أي: مقطب الوجه، كما يقطب الشخص وجهه عند طلب الحاجة منه (حِينَ أَرَدْتُكَ) لإعطاء سؤلي (بَلْ وَجَدْتُكَ لِدُعَائِي سَامِعاً) فلا تصم عن سماع دعائي (وَلِمَطَالِبِي) أي: حوائجي (مُعْطِياً) حيث سألتك (وَوَجَدْتُ نُعْمَاكَ) بمعنى النعمة (عَلَيَّ سَابِغَةً) واسعة (فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِي) من جهة جسمي وروحي ودنياي وآخرتي ونفسي وأهلي وغير ذلك (وَكُلِّ زَمَانٍ مِنْ زَمَانِي فَأَنْتَ) يا رب (عِنْدِي مَحْمُودٌ) تستحق الحمد على حسنك بي (وَصَنِيعُكَ لَدَيَّ مَبْرُورٌ) أي: متسع أو محسن إليه بشكري له.
ـــــــــــ
تَحْمَدُكَ نَفْسِي وَلِسَانِي وَعَقْلِي، حَمْداً يَبْلُغُ الْوَفَاءَ وَحَقِيقَةَ الْشُّكْرِ، حَمْداً يَكُونُ مَبْلَغَ رِضَاكَ عَنِّي، فَنَجِّنِي مِنْ سَخَطِكَ، يَا كَهْفِي حِيْنَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ، وَيَا مُقِيلِي عَثْرَتِي، فَلَوْلاَ سَتْرُكَ عَوْرَتِي لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ وَيَا مُؤَيِّدِي بِٱلنَّصْرِ، فَلَوْلاَ نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ، وَيَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلَىٰ أَعْنَاقِهَا، فَهُمْ مِنْ سَطَوَاتِهِ خَائِفُونَ، وَيَا أَهْلَ ٱلتَّقْوَىٰ،
ـــــــــــ
(تَحْمَدُكَ) يا رب (نَفْسِي وَلِسَانِي وَعَقْلِي) النفس بمعنى القلب والعقل بمقتضى الأدلة الدالة عليه تعالى، في قبال ما لو حمدت النفس ولم يحمد العقل (حَمْداً يَبْلُغُ الْوَفَاءَ) بنعمتك (وَ) يبلغ (حَقِيقَةَ الْشُّكْرِ) الواجب على الإنسان (حَمْداً يَكُونُ مَبْلَغَ رِضَاكَ) أي: يصل إلى أن ترضى (عَنِّي) لكونه حمداً يليق بك (فَنَجِّنِي مِنْ سَخَطِكَ) وغضبك يا رب (يَا كَهْفِي) أي: ملجئي (حِيْنَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ) جمع مذهب بمعنى الطرق، أي: أعجز عن الوصول إلى حاجتي بواسطة سائر الطرق، والأصل فيه أن الإنسان يلتجئ إلى الكهف الذي هو فسحة في الجبل، إذا لم يتمكن من السير، ليبقى هناك مخفياً عن المؤذيات (وَيَا مُقِيلِي عَثْرَتِي) أقال عثرته أي: غفر خطأه (فَلَوْلاَ سَتْرُكَ عَوْرَتِي) أي: المستور من أعمالي السيئة (لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ) المفضوح هو الذي كشفت قبائحه للناس (وَيَا مُؤَيِّدِي بِٱلنَّصْرِ) بأن نصرتني على الأعداء والمشاكل (فَلَوْلاَ نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ) أي: الذين غلبهم العدو أو غلبتهم مشاكل الحياة فانهاروا أمامها (وَيَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ) النير: الخشبة التي توضع على عنق الثور وقت الحرث، فإن الملوك أذلاء لقدره تعالى رضوا أم أبوا، (عَلَىٰ أَعْنَاقِهَا) تأنيث الضمير باعتبار الجماعة (فَهُمْ مِنْ سَطَوَاتِهِ) أي: الدفعات من أخذه وعقابه (خَائِفُونَ) وجلون (وَيَا أَهْلَ ٱلتَّقْوَىٰ) أي: الذي هو أهل لأن يتقى منه ويخشى من عقابه.
ـــــــــــ
وَيَا مَنْ لَهُ ٱلأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُو عَنِّي وَتَغْفِرَ لِي، فَلَسْتُ بَرِيئاً فَأَعْتَذِرُ، وَلاَ بِذِي قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ، وَلاَ مَفَرَّ لِي فَأَفِرُّ، وَأَسْتَقِيلُكَ عَثَرَاتِي، وَأَتَنَصَّلُ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي ٱلَّتِي قَدْ أَوْبَقَتْنِي وَأَحَاطَتْ بِي فَأَهْلَكَتْنِي، مِنْهَا فَرَرْتُ إِلَيْكَ رَبِّ تَائِباً فَتُبْ عَلَيَّ، مُتَعَوِّذاً فَأَعِذْنِي، مُسْتَجِيراً فَلاَ تَخْذُلْنِي، سَائِلاً فَلاَ تَحْرِمْنِي،
ـــــــــــ
(وَيَا مَنْ لَهُ ٱلأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) فلا اسم سيئ له، كالبخيل والجبان ونحوه: (أَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُو عَنِّي) ذنبي (وَتَغْفِرَ لِي) خطيئتي (فَلَسْتُ بَرِيئاً فَأَعْتَذِرُ) بأني بريء (وَلاَ بِذِي قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ) بقوتي عليك عندما تريد أن تؤاخذني بذنوبي (وَلاَ مَفَرَّ لِي) أي: محل للفرار (فَأَفِرُّ) من عقابك (وَأَسْتَقِيلُكَ عَثَرَاتِي) أي: أطلب منك أن تقيل ذنوبي، بالعفو عنها (وَأَتَنَصَّلُ) أي: أتبرأ (إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي) ومعنى التبري من الذنوب الاعتراف بقبحها والاستغفار منها (ٱلَّتِي قَدْ أَوْبَقَتْنِي) أي: أهلكتني (وَأَحَاطَتْ بِي فَأَهْلَكَتْنِي) إحاطة الذنوب بالإنسان كناية عن كثرتها كما قال تعالى: ﴿بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته﴾ [1] (مِنْهَا) أي: من تلك الذنوب (فَرَرْتُ إِلَيْكَ) يا (رَبِّ تَائِباً فَتُبْ عَلَيَّ) أي: أرجع إلي بقبول توبتي وغفراني وفي حال كوني (مُتَعَوِّذاً) تعوذ: بمعنى التجأ (فَأَعِذْنِي) أي: أجرني، و (مُسْتَجِيراً) أي: طالباً إجارتك وحفظك (فَلاَ تَخْذُلْنِي) بأن تتركني وذنوبي حتى يصل إلي عقابك، و (سَائِلاً) رحمتك (فَلاَ تَحْرِمْنِي) فضلك.
ـــــــــــ
مُعْتَصِماً فَلاَ تُسْلِمْنِي، دَاعِياً فَلاَ تَرُدَّنِي خَائِباً، دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ مِسْكِيناً مُسْتَكِيناً، مُشْفِقاً، خَائِفاً وَجَلاً، فَقِيراً مُضْطَرّاً إِلَيْكَ، أَشْكُو إِلَيْكَ يَا إِلَهِي ضَعْفَ نَفْسِي عَنِ الْمُسَارَعَةِ فِي مَا وَعَدْتَهُ أَوْلِيَاءَكَ، وَالْمُجَانَبَةِ عَمَّا حَذَّرْتَهُ أَعْدَاءَكَ، وَكَثْرَةَ هُمُومِي وَوَسْوَسَةَ نَفْسِي، إِلَهِي لَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي، وَلَمْ تُهْلِكْنِي بِجَرِيرَتِي،
ـــــــــــ
و (مُعْتَصِماً) أي: طالباً العصمة والحفظ منك (فَلاَ تُسْلِمْنِي) إلى عدوي الذي هو الشيطان والنفس الأمارة، و (دَاعِياً) لك (فَلاَ تَرُدَّنِي خَائِباً) خاسراً بدون قضاء حاجتي (دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ) في حال كوني (مِسْكِيناً) فقيراً شديد الفقر (مُسْتَكِيناً) متضرعاً (مُشْفِقاً) خائفاً أشد الخوف (خَائِفاً وَجَلاً) لعل الوجل أخف من الخائف الذي هو أخف من المشفق أو بالعكس (فَقِيراً مُضْطَرّاً إِلَيْكَ) في جميع أموري (أَشْكُو إِلَيْكَ يَا إِلَهِي ضَعْفَ نَفْسِي عَنِ الْمُسَارَعَةِ فِي) الثواب من (مَا وَعَدْتَهُ أَوْلِيَاءَكَ) فإن نفسي بطيئة لا تسارع إلى الطاعة التي هي سبب الثواب والرضوان (وَالْمُجَانَبَةِ عَمَّا حَذَّرْتَهُ أَعْدَاءَكَ) فإنها لا تسارع في الاجتناب عن العقاب الذي خوفت به أعداءك (وَ) أشكو إليك يا رب (كَثْرَةَ هُمُومِي) وأحزاني (وَوَسْوَسَةَ نَفْسِي) في الأمور فلا اطمئنان لها (إِلَهِي لَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي) أي: بما علمته من قبح باطني (وَلَمْ تُهْلِكْنِي بِجَرِيرَتِي) أي: بجرمي.
ـــــــــــ
أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي وَإِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ تَدْعُونِي، وَأَسْأَلُكَ كُلَّمَا شِئْتُ مِنْ حَوَائِجِي، وَحَيْثُ مَا كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرِّي، فَلاَ أَدْعُو سِوَاكَ، وَلاَ أَرْجُو غَيْرَكَ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، تَسْمَعُ مَنْ شَكَا إِلَيْكَ، وَتَلْقَىٰ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ، وَتُخَلِّصُ مَنِ ٱعْتَصَمَ بِكَ، وَتُفَرِّجُ عَمَّنْ لاَذَ بِكَ، إِلَهِي فَلاَ تَحْرِمْنِي خَيْرَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُولَىٰ لِقِلَّةِ شُكْرِي، وَٱغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ مِنْ ذُنُوبِي، إِنْ تُعَذِّبْ فَأَنَا ٱلظَّالِمُ الْمُفَرِّطُ الْمُضَيِّعُ ٱلآثِمُ الْمُقَصِّرُ الْمُضْجِعُ، الْمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسِي، وَإِنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ.
ـــــــــــ
(أَدْعُوكَ) يا إلهي (فَتُجِيبُنِي وَإِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ تَدْعُونِي) إلى طاعتك وعبادتك (وَأَسْأَلُكَ كُلَّمَا شِئْتُ مِنْ حَوَائِجِي) أي: من أجل حاجاتي (وَحَيْثُ مَا كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرِّي) فإن الإنسان يبوح بسره لديه سبحانه (فَلاَ أَدْعُو سِوَاكَ) في حوائجي (وَلاَ أَرْجُو غَيْرَكَ) لإعطاء سؤلي (لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ) حيث إنه سبحانه طلب من الناس أن يدعوه، يجيب الدعاء قائلاً لبيك، أي: إجابة بعد إجابة، وقد تقدم معناه في بعض الأدعية السابقة (تَسْمَعُ) يا رب (مَنْ شَكَا إِلَيْكَ) بأن قدم إليه شكايته وظلامته (وَتَلْقَىٰ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ) تلاقيه بالإجابة وقضاء حوائجه (وَتُخَلِّصُ) من المكاره (مَنِ ٱعْتَصَمَ بِكَ) أي: لاذ والتجأ (وَتُفَرِّجُ) الكربة (عَمَّنْ لاَذَ بِكَ) اللوذ الالتجاء (إِلَهِي فَلاَ تَحْرِمْنِي خَيْرَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُولَىٰ) أي: الدنيا (لِقِلَّةِ شُكْرِي) لك (وَٱغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ مِنْ ذُنُوبِي) أي: كل ذنوبي، لأنه تعالى يعلم كل الذنوب (إِنْ تُعَذِّبْ فَـ) عذابك عدل لأني (أَنَا ٱلظَّالِمُ الْمُفَرِّطُ) أي: المقصر في أمرك (الْمُضَيِّعُ) لحقك (ٱلآثِمُ) أي العاصي (الْمُقَصِّرُ الْمُضْجِعُ) يقال: ضجع إذا قصر وتهاون في الأمر (الْمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسِي) فأني قد تركت غفلة ما فيه حظ نفسي من ثوابك المترتب على طاعتي لك (وَإِنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ) ويكون الغفران بفضلك ورحمتك.
ـــــــــــ
[1] ـ سورة البقرة، آية:
اللهم صل على محمد وال محمد
وكان من دعائه (عليه السلام) في التضرع والاستكانة:
إلَهِي أَحْمَدُكَ وَأَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ عَلَىٰ حُسْنِ صَنِيعِكَ إِلَيَّ، وَسُبُوغِ نَعْمَائِكَ عَلَيَّ، وَجَزِيلِ عَطَائِكَ عِنْدِي وَعَلَىٰ مَا فَضَّلْتَنِي بِهِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ فَقَدِ ٱصْطَنَعْتَ عِنْدِي مَا يَعْجِزُ عَنْهُ شُكْرِي، وَلَوْلاَ إِحْسَانُكَ إِلَيَّ وَسُبُوغُ نَعْمَائِكَ عَلَيَّ مَا بَلَغْتُ إِحْرَازَ حَظِّي، وَلاَ إِصْلاَحَ نَفْسِي، وَلكِنَّكَ ٱبْتَدَأْتَنِي بِٱلإِحْسَانِ، وَرَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا الْكِفَايَةَ، وَصَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلاَءِ، وَمَنَعْتَ عِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَاءِ،
ـــــــــــ
الشرح: (إلَهِي أَحْمَدُكَ وَأَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ عَلَىٰ حُسْنِ صَنِيعِكَ إِلَيَّ) أي: صنعك الحسن بي من الخلق والرزق وما أشبه، والله سبحانه أهل للحمد إذ إنما يحمد الكامل المتفضل، وهو سبحانه كامل الذات والصفات متفضل على جميع المخلوقات (وَسُبُوغِ) أي: سعة (نَعْمَائِكَ عَلَيَّ) فإن نعمه تعالى على الإنسان واسعة سابغة (وَجَزِيلِ) أي: عظيم (عَطَائِكَ عِنْدِي) أحمدك يا رب (وَعَلَىٰ مَا فَضَّلْتَنِي بِهِ) الضمير عائد إلى [ما] (مِنْ رَحْمَتِكَ) بيان [ما] أي: على رحمتك التي فضلتني بها على غيري (وَأَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ) أي: أوسعت عليّ (فَقَدِ ٱصْطَنَعْتَ عِنْدِي) أي: أعطيت وحسنت (مَا يَعْجِزُ عَنْهُ شُكْرِي) فلا أقدر على شكر نعمائك (وَلَوْلاَ إِحْسَانُكَ إِلَيَّ وَسُبُوغُ نَعْمَائِكَ) أي: سعة نعمتك (عَلَيَّ مَا بَلَغْتُ إِحْرَازَ حَظِّي) بأن أنال هذه النعمة التي أنا الآن فيها (وَلاَ) قدرت على (إِصْلاَحَ نَفْسِي) فإنه لا شيء بيد الإنسان إطلاقاً وإنما الكل نعمة من الله تعالى (وَلكِنَّكَ) يا رب (ٱبْتَدَأْتَنِي بِٱلإِحْسَانِ) بأن أحسنت إلي أولاً (وَرَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي) أي: حوائجي (كُلِّهَا) بقدر (الْكِفَايَةَ، وَصَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلاَءِ) أي: البلاء الموجب لجهد الإنسان وتعبه (وَمَنَعْتَ عِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَاءِ) القضاء والقدر الذي يحذر ويخشى منه.
ـــــــــــ
إِلَهِي فَكَمْ مِنْ بَلاَءٍ جَاهِدٍ قَدْ صَرَفْتَ عَنِّي، وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ سَابِغَةٍ أَقْرَرْتَ بِهَا عَيْنِي، وَكَمْ مِنْ صَنِيعَةٍ كَرِيمَةٍ لَكَ عِنْدِي، أَنْتَ ٱلَّذِي أَجَبْتَ عِنْدَ ٱلإِضْطِرَارِ دَعْوَتِي، وَأَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثَارِ زَلَّتِي، وَأَخَذْتَ لِي مِنَ ٱلأَعْدَاءِ بِظُلاَمَتِي، إِلَهِي مَا وَجَدْتُكَ بَخِيلاً حِينَ سَأَلْتُكَ، وَلاَ مُنْقَبِضاً حِينَ أَرَدْتُكَ بَلْ وَجَدْتُكَ لِدُعَائِي سَامِعاً، وَلِمَطَالِبِي مُعْطِياً، وَوَجَدْتُ نُعْمَاكَ عَلَيَّ سَابِغَةً فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِي وَكُلِّ زَمَانٍ مِنْ زَمَانِي فَأَنْتَ عِنْدِي مَحْمُودٌ، وَصَنِيعُكَ لَدَيَّ مَبْرُورٌ،
ـــــــــــ
(إِلَهِي فَكَمْ مِنْ بَلاَءٍ جَاهِدٍ) أي: موجب للمشقة (قَدْ صَرَفْتَ عَنِّي) مع إني كنت في معرض ذلك البلاء (وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ سَابِغَةٍ) واسعة (أَقْرَرْتَ بِهَا عَيْنِي) فإن الإنسان إذا اطمأن استقرت عينه بخلاف الخائف والراغب الذي ينظر هنا وهناك ليجد ملجأ أو مطلباً فإن عينه في اضطراب (وَكَمْ مِنْ صَنِيعَةٍ كَرِيمَةٍ) أي: صنع موجب لكرامتي (لَكَ) يا رب (عِنْدِي) [كم] في هذه الجمل للتكثير (أَنْتَ ٱلَّذِي أَجَبْتَ عِنْدَ ٱلإِضْطِرَارِ) أي: وقت اضطراري (دَعْوَتِي) التي دعوتك بها لكشف ضري (وَأَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثَارِ) أي: السقوط (زَلَّتِي) بأن حفظتني فلم أهلك عندما وقعت في الإثم (وَأَخَذْتَ لِي مِنَ ٱلأَعْدَاءِ بِظُلاَمَتِي) أي: الشيء الذي ظلموني فيه، بأن رددت علي حقي (إِلَهِي مَا وَجَدْتُكَ بَخِيلاً حِينَ سَأَلْتُكَ) حاجتي (وَلاَ مُنْقَبِضاً) أي: مقطب الوجه، كما يقطب الشخص وجهه عند طلب الحاجة منه (حِينَ أَرَدْتُكَ) لإعطاء سؤلي (بَلْ وَجَدْتُكَ لِدُعَائِي سَامِعاً) فلا تصم عن سماع دعائي (وَلِمَطَالِبِي) أي: حوائجي (مُعْطِياً) حيث سألتك (وَوَجَدْتُ نُعْمَاكَ) بمعنى النعمة (عَلَيَّ سَابِغَةً) واسعة (فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِي) من جهة جسمي وروحي ودنياي وآخرتي ونفسي وأهلي وغير ذلك (وَكُلِّ زَمَانٍ مِنْ زَمَانِي فَأَنْتَ) يا رب (عِنْدِي مَحْمُودٌ) تستحق الحمد على حسنك بي (وَصَنِيعُكَ لَدَيَّ مَبْرُورٌ) أي: متسع أو محسن إليه بشكري له.
ـــــــــــ
تَحْمَدُكَ نَفْسِي وَلِسَانِي وَعَقْلِي، حَمْداً يَبْلُغُ الْوَفَاءَ وَحَقِيقَةَ الْشُّكْرِ، حَمْداً يَكُونُ مَبْلَغَ رِضَاكَ عَنِّي، فَنَجِّنِي مِنْ سَخَطِكَ، يَا كَهْفِي حِيْنَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ، وَيَا مُقِيلِي عَثْرَتِي، فَلَوْلاَ سَتْرُكَ عَوْرَتِي لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ وَيَا مُؤَيِّدِي بِٱلنَّصْرِ، فَلَوْلاَ نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ، وَيَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلَىٰ أَعْنَاقِهَا، فَهُمْ مِنْ سَطَوَاتِهِ خَائِفُونَ، وَيَا أَهْلَ ٱلتَّقْوَىٰ،
ـــــــــــ
(تَحْمَدُكَ) يا رب (نَفْسِي وَلِسَانِي وَعَقْلِي) النفس بمعنى القلب والعقل بمقتضى الأدلة الدالة عليه تعالى، في قبال ما لو حمدت النفس ولم يحمد العقل (حَمْداً يَبْلُغُ الْوَفَاءَ) بنعمتك (وَ) يبلغ (حَقِيقَةَ الْشُّكْرِ) الواجب على الإنسان (حَمْداً يَكُونُ مَبْلَغَ رِضَاكَ) أي: يصل إلى أن ترضى (عَنِّي) لكونه حمداً يليق بك (فَنَجِّنِي مِنْ سَخَطِكَ) وغضبك يا رب (يَا كَهْفِي) أي: ملجئي (حِيْنَ تُعْيِينِي الْمَذَاهِبُ) جمع مذهب بمعنى الطرق، أي: أعجز عن الوصول إلى حاجتي بواسطة سائر الطرق، والأصل فيه أن الإنسان يلتجئ إلى الكهف الذي هو فسحة في الجبل، إذا لم يتمكن من السير، ليبقى هناك مخفياً عن المؤذيات (وَيَا مُقِيلِي عَثْرَتِي) أقال عثرته أي: غفر خطأه (فَلَوْلاَ سَتْرُكَ عَوْرَتِي) أي: المستور من أعمالي السيئة (لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ) المفضوح هو الذي كشفت قبائحه للناس (وَيَا مُؤَيِّدِي بِٱلنَّصْرِ) بأن نصرتني على الأعداء والمشاكل (فَلَوْلاَ نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ) أي: الذين غلبهم العدو أو غلبتهم مشاكل الحياة فانهاروا أمامها (وَيَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ) النير: الخشبة التي توضع على عنق الثور وقت الحرث، فإن الملوك أذلاء لقدره تعالى رضوا أم أبوا، (عَلَىٰ أَعْنَاقِهَا) تأنيث الضمير باعتبار الجماعة (فَهُمْ مِنْ سَطَوَاتِهِ) أي: الدفعات من أخذه وعقابه (خَائِفُونَ) وجلون (وَيَا أَهْلَ ٱلتَّقْوَىٰ) أي: الذي هو أهل لأن يتقى منه ويخشى من عقابه.
ـــــــــــ
وَيَا مَنْ لَهُ ٱلأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُو عَنِّي وَتَغْفِرَ لِي، فَلَسْتُ بَرِيئاً فَأَعْتَذِرُ، وَلاَ بِذِي قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ، وَلاَ مَفَرَّ لِي فَأَفِرُّ، وَأَسْتَقِيلُكَ عَثَرَاتِي، وَأَتَنَصَّلُ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي ٱلَّتِي قَدْ أَوْبَقَتْنِي وَأَحَاطَتْ بِي فَأَهْلَكَتْنِي، مِنْهَا فَرَرْتُ إِلَيْكَ رَبِّ تَائِباً فَتُبْ عَلَيَّ، مُتَعَوِّذاً فَأَعِذْنِي، مُسْتَجِيراً فَلاَ تَخْذُلْنِي، سَائِلاً فَلاَ تَحْرِمْنِي،
ـــــــــــ
(وَيَا مَنْ لَهُ ٱلأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) فلا اسم سيئ له، كالبخيل والجبان ونحوه: (أَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُو عَنِّي) ذنبي (وَتَغْفِرَ لِي) خطيئتي (فَلَسْتُ بَرِيئاً فَأَعْتَذِرُ) بأني بريء (وَلاَ بِذِي قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ) بقوتي عليك عندما تريد أن تؤاخذني بذنوبي (وَلاَ مَفَرَّ لِي) أي: محل للفرار (فَأَفِرُّ) من عقابك (وَأَسْتَقِيلُكَ عَثَرَاتِي) أي: أطلب منك أن تقيل ذنوبي، بالعفو عنها (وَأَتَنَصَّلُ) أي: أتبرأ (إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي) ومعنى التبري من الذنوب الاعتراف بقبحها والاستغفار منها (ٱلَّتِي قَدْ أَوْبَقَتْنِي) أي: أهلكتني (وَأَحَاطَتْ بِي فَأَهْلَكَتْنِي) إحاطة الذنوب بالإنسان كناية عن كثرتها كما قال تعالى: ﴿بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته﴾ [1] (مِنْهَا) أي: من تلك الذنوب (فَرَرْتُ إِلَيْكَ) يا (رَبِّ تَائِباً فَتُبْ عَلَيَّ) أي: أرجع إلي بقبول توبتي وغفراني وفي حال كوني (مُتَعَوِّذاً) تعوذ: بمعنى التجأ (فَأَعِذْنِي) أي: أجرني، و (مُسْتَجِيراً) أي: طالباً إجارتك وحفظك (فَلاَ تَخْذُلْنِي) بأن تتركني وذنوبي حتى يصل إلي عقابك، و (سَائِلاً) رحمتك (فَلاَ تَحْرِمْنِي) فضلك.
ـــــــــــ
مُعْتَصِماً فَلاَ تُسْلِمْنِي، دَاعِياً فَلاَ تَرُدَّنِي خَائِباً، دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ مِسْكِيناً مُسْتَكِيناً، مُشْفِقاً، خَائِفاً وَجَلاً، فَقِيراً مُضْطَرّاً إِلَيْكَ، أَشْكُو إِلَيْكَ يَا إِلَهِي ضَعْفَ نَفْسِي عَنِ الْمُسَارَعَةِ فِي مَا وَعَدْتَهُ أَوْلِيَاءَكَ، وَالْمُجَانَبَةِ عَمَّا حَذَّرْتَهُ أَعْدَاءَكَ، وَكَثْرَةَ هُمُومِي وَوَسْوَسَةَ نَفْسِي، إِلَهِي لَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي، وَلَمْ تُهْلِكْنِي بِجَرِيرَتِي،
ـــــــــــ
و (مُعْتَصِماً) أي: طالباً العصمة والحفظ منك (فَلاَ تُسْلِمْنِي) إلى عدوي الذي هو الشيطان والنفس الأمارة، و (دَاعِياً) لك (فَلاَ تَرُدَّنِي خَائِباً) خاسراً بدون قضاء حاجتي (دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ) في حال كوني (مِسْكِيناً) فقيراً شديد الفقر (مُسْتَكِيناً) متضرعاً (مُشْفِقاً) خائفاً أشد الخوف (خَائِفاً وَجَلاً) لعل الوجل أخف من الخائف الذي هو أخف من المشفق أو بالعكس (فَقِيراً مُضْطَرّاً إِلَيْكَ) في جميع أموري (أَشْكُو إِلَيْكَ يَا إِلَهِي ضَعْفَ نَفْسِي عَنِ الْمُسَارَعَةِ فِي) الثواب من (مَا وَعَدْتَهُ أَوْلِيَاءَكَ) فإن نفسي بطيئة لا تسارع إلى الطاعة التي هي سبب الثواب والرضوان (وَالْمُجَانَبَةِ عَمَّا حَذَّرْتَهُ أَعْدَاءَكَ) فإنها لا تسارع في الاجتناب عن العقاب الذي خوفت به أعداءك (وَ) أشكو إليك يا رب (كَثْرَةَ هُمُومِي) وأحزاني (وَوَسْوَسَةَ نَفْسِي) في الأمور فلا اطمئنان لها (إِلَهِي لَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي) أي: بما علمته من قبح باطني (وَلَمْ تُهْلِكْنِي بِجَرِيرَتِي) أي: بجرمي.
ـــــــــــ
أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي وَإِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ تَدْعُونِي، وَأَسْأَلُكَ كُلَّمَا شِئْتُ مِنْ حَوَائِجِي، وَحَيْثُ مَا كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرِّي، فَلاَ أَدْعُو سِوَاكَ، وَلاَ أَرْجُو غَيْرَكَ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، تَسْمَعُ مَنْ شَكَا إِلَيْكَ، وَتَلْقَىٰ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ، وَتُخَلِّصُ مَنِ ٱعْتَصَمَ بِكَ، وَتُفَرِّجُ عَمَّنْ لاَذَ بِكَ، إِلَهِي فَلاَ تَحْرِمْنِي خَيْرَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُولَىٰ لِقِلَّةِ شُكْرِي، وَٱغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ مِنْ ذُنُوبِي، إِنْ تُعَذِّبْ فَأَنَا ٱلظَّالِمُ الْمُفَرِّطُ الْمُضَيِّعُ ٱلآثِمُ الْمُقَصِّرُ الْمُضْجِعُ، الْمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسِي، وَإِنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ.
ـــــــــــ
(أَدْعُوكَ) يا إلهي (فَتُجِيبُنِي وَإِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ تَدْعُونِي) إلى طاعتك وعبادتك (وَأَسْأَلُكَ كُلَّمَا شِئْتُ مِنْ حَوَائِجِي) أي: من أجل حاجاتي (وَحَيْثُ مَا كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرِّي) فإن الإنسان يبوح بسره لديه سبحانه (فَلاَ أَدْعُو سِوَاكَ) في حوائجي (وَلاَ أَرْجُو غَيْرَكَ) لإعطاء سؤلي (لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ) حيث إنه سبحانه طلب من الناس أن يدعوه، يجيب الدعاء قائلاً لبيك، أي: إجابة بعد إجابة، وقد تقدم معناه في بعض الأدعية السابقة (تَسْمَعُ) يا رب (مَنْ شَكَا إِلَيْكَ) بأن قدم إليه شكايته وظلامته (وَتَلْقَىٰ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ) تلاقيه بالإجابة وقضاء حوائجه (وَتُخَلِّصُ) من المكاره (مَنِ ٱعْتَصَمَ بِكَ) أي: لاذ والتجأ (وَتُفَرِّجُ) الكربة (عَمَّنْ لاَذَ بِكَ) اللوذ الالتجاء (إِلَهِي فَلاَ تَحْرِمْنِي خَيْرَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُولَىٰ) أي: الدنيا (لِقِلَّةِ شُكْرِي) لك (وَٱغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ مِنْ ذُنُوبِي) أي: كل ذنوبي، لأنه تعالى يعلم كل الذنوب (إِنْ تُعَذِّبْ فَـ) عذابك عدل لأني (أَنَا ٱلظَّالِمُ الْمُفَرِّطُ) أي: المقصر في أمرك (الْمُضَيِّعُ) لحقك (ٱلآثِمُ) أي العاصي (الْمُقَصِّرُ الْمُضْجِعُ) يقال: ضجع إذا قصر وتهاون في الأمر (الْمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسِي) فأني قد تركت غفلة ما فيه حظ نفسي من ثوابك المترتب على طاعتي لك (وَإِنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ) ويكون الغفران بفضلك ورحمتك.
ـــــــــــ
[1] ـ سورة البقرة، آية: