الولاء لأهل البيت (ع)
فمن خصائص العلامة الأميني الحب والولاء الكامل لآل محمد (ع)، حبا مشهورا تتناقله الألسن، بحيث يمكن القول إن الغدير أثر من آثار ذلك الحب العارم، ومن هنا كانت له علاقة خاصة بسماع مصائب الإمام الحسين (ع) وأصحابه، وكان يبكي بصوت عال بكاء الثكلى المفجوعة، وكثيرا ما اتفق أن الخطباء والنائحين وسائر المستمعين عندما كانوا يرون العلامة الأميني وقد تغيرت حاله عند ذكر المصيبة، فإنهم كانوا يتأثرون بتأثره الشديد ويبكون لبكائه المحرق للقلوب.
وحقا كان المجلس الذي يحضره العلامة الأميني، ويجري فيه ذكر مصائب آل محمد (ع) وكأن واحدا من آل محمد (ع) موجود في ذلك المجلس، وكانت هذه الحالة تشتد وتبلغ أوجها عندما يذكر الخطيب وقارئ المصيبة اسم الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها، عندها كان يحمر وجهه ويبكي كما يبكي من اعتدى على ناموسه، وتشعر وكأن عيناه تقذفان اللهب مع الدموع الغزيرة المنهمرة منهما.
كان إذا زار أمير المؤمنين (ع) يحمر وجهه ويغمض عينيه ويلقي العنان لدموعه، وكانت زيارته تستغرق ساعة من الوقت فأكثر، وكان الناس يراقبونه ليتعلموا منه آداب الزيارة.
يقول نجله الدكتور محمد هادي الأميني:
"كان العلامة الأميني في غاية الأدب مع المعصومين (ع)، ولقد أخبرني بنفسه أنه لم يتفق أن دخلت الحرم – خلال فترة وجودي في النجف الأشرف – من جهة الرأس، بل كنت أدخل من جهة القدم وأخرج من نفس تلك الجهة".
ويقول ولده الشيخ رضا الأميني:
" كان من عادته أن يقصد الزيارة وحده، لا يرضى أن يتبعه أحد، ومعظم زياراته تكون ليلية، وعندما يدخل الحرم المطهر يتنكر للناس ولا يتحدث مع أي أحد مهما كان، وكان يحفظ الزيارة الجامعة الكبيرة عن ظهر قلب، وكان يقرأ زيارة " أمين الله " باستمرار، ويرتفع صوته بالبكاء والنحيب أثناء زيارته، وكذا الدعاء، لا سيما عند زيارته لمرقد الإمام سيد الشهداء الحسين بن علي (عليهما السلام)، وقبل الشروع وقصد الزيارة يغتسل بالأغسال المستحبة ويتطهر بالوضوء".
ويقول الحاج حسين الشاكري:
" كثيرا ما كان يقصد زيارة سيد شباب أهل الجنة السبط الشهيد الحسين سلام الله عليه في كربلاء راجلا، طلبا لمزيد الأجر، ومعه ثلة من صفوة المؤمنين من خلص أصدقائه، يقضي طريقه خلال ثلاثة أيام أو أكثر، وهي لا تزيد عن 78 كيلو مترا، لا يفتر فيه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعظ والإرشاد، وإلقاء مواعظ وتوجيهات دينية على أهل القرى والرساتيق التي يمر بها، حتى يصل كربلاء المشرفة،
وعندها لم يكن له هم سوى المثول بمشهد الإمام الشهيد، فيدخله ودموعه تنحدر على وجناته من لوعة المصاب. وكانت زياراته في حالات تخص به، لم يعهد مثلها من غيره، كما أن حاله في مجالس الأئمة المعصومين كانت خاصة به، لكثرة بكائه وجزعه".
وكان يختار الطريق غير المألوف والذي يمر وسط البساتين والقرى، فيمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتبليغ لعقائد ومعارف أهل البيت (ع) من دون أن يعرفه أحد.
ويقول الشيخ محمد الآخوندي:
"كان العلامة الأميني (ره) في أيام عاشوراء والفاطمية يتغير حاله فيبكي بصوت عال، قلما رأيت عالما يبكي بهذه الحالة، وكان كثير التعلق بحب أهل البيت (ع)، وكان يطلب العون من أرواحهم الطاهرة".
ويقول السيد محمد علي الشهرستاني:
"على الرغم من المخاطر المحيطة بالعلامة الأميني إلا أنه لا يترك زيارة العتبات المقدسة لا سيما حرم الإمام أمير المؤمنين (ع)، وكان يبكي بكاء شديدا عندما يقف أمام الضريح المطهر ويتذكر مظلوميته، وكان مولعا بالزيارات إلى جنب تأليفاته، وكان يستوحي من الإمام حل كل معضلة تلم به لاسيما في ما يخص تأليفاته، كالعلامة الحلي الكبير (رض) الذي كان يقصد الإمام من مقره في الحلة لحل مشاكله، وكان قد تعاهد مع أبرز تلاميذه السيد الجزائري في حياتهما بأن كل من يموت قبل صاحبه يأتي إلى الحي في المنام ومن عالم الآخرة يخبره ويطلعه. وقد توفي العلامة الحلي قبل صاحبه السيد الجزائري وجاءه في المنام وقال له: " لولا كتاب الألفين وزيارة الحسين (ع)... " إلى آخره، والقصة معروفة".
وضمن التأكيد على المضمون السابق يقول الدكتور محمد هادي الأميني:
"بعد مضي أربع سنوات من وفاة والدي العلامة الأميني النجفي، وفي سنة1394هـ رأيته في عالم الرؤيا إحدى ليالي الجمعة وقبل أذان الفجر فرحا ومسرورا، تقدمت نحوه، وبعد عرض السلام وتقبيل اليد قلت له: أبي، أي الأعمال استوجبت نجاتك وسعادتك؟
قال : ماذا تقول؟
قلت له ثانية :سيدي في هذا المكان الذي تقيم فيه الآن أي الأعمال تسبب في نجاتك : كتاب "الغدير" أو بقية التآليف أو تأسيس مكتبة أمير المؤمنين (ع) ؟
قال : لا أعرف ما تقول؟!
تكلم بشكل أجلى وأوضح،
قلت : أبي العزيز، لقد رحلت عنا وانتقلت إلى عالم آخر، ففي الموضع الذي أنت فيه أي الأعمال كان سببا في نجاتك من بين مئات الخدمات والأعمال العلمية والمذهبية والدينية الكبيرة؟
وبعد تأن وتأمل قال: فقط زيارة أبي عبد الله الحسين (ع)،
قلت له : أنت تعلم أن العلاقات السياسية بين إيران والعراق متوترة حاليا ولا يمكننا السفر إلى كربلاء،
فقال: شارك في المجالس التي تقام لأجل عزاء الإمام الحسين (ع) فإنهم يعطونك ثواب زيارة الإمام الحسين (ع)، ثم قال لي: يا ولدي العزيز لقد أوصيتك في السابق كثيرا وأوصيك الآن أيضا أن لا تترك زيارة عاشوراء لأي سبب وفي أي وقت، ولا تنساها، اقرأ زيارة عاشوراء بشكل دائم واعتبر ذلك وظيفة لك, فإن لهذه الزيارة فوائد وبركات وآثار كثيرة, وهي طريق نجاتك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
كان العلامة الأميني مع كثرة مشاغله وتآليفه واهتمامه بمكتبة أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف مواظبا على قراءة زيارة عاشوراء، ويوصي دوما بقراءتها".