بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
والمتراضين على عدوهم ومنكري فضائلهم من الاولين والاخرين
السلام على شيعة علي ع ورحمة الله وبركاته
ياغياث المستغيثين اغثني بفاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ادركني
كل عام وانتم بالف خير
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
، عن سعد الخفاف ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : يا سعد تعلموا القرآن فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليه الخلق ، والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف ، ثمانون ألف صف امة محمد صلى الله عليه وآله وأربعون ألف صف من سائر الامم ، فيأتي على صف المسلمين في صورة رجل فيسلم فينظرون إليه ، ثم يقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم إن هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته وصفته غير أنه كان أشد اجتهادا منا في القرآن فمن هناك اعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي على صف الشهداء فينظر إليه الشهداء ، ثم يقولون : لا إله الا الله الرب الرحيم إن هذا الرجل من الشهداء ، نعرفه بسمته وصفته غير أنه من شهداء البحر ، فمن هناك اعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه ، قال :
فيجاوز حتى يأتي على صف شهداء البحر في صورة شهيد فينظر إليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم ويقولون : إن هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته غير أن الجزيرة التي اصيب فيها كانت أعظم هولا من الجزيرة التي أصبنا فيها ، فمن هناك اعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي صف النبيين والمرسلين في صورة نبي مرسل ، فينظر النبيون والمرسلون إليه فيشتد لذلك تعجبهم ويقولون :
لا إله إلا الله الحليم الكريم إن هذا النبي مرسل نعرفه بصفته وسمته غير أنه اعطي فضلا كثيرا ، قال : فيجتمعون فيأتون رسول الله صلى الله عليه وآله فيسألونه ويقولون : يا محمد من هذا ؟ فيقول : أو ما تعرفونه ؟ فيقولون : ما نعرفه ، هذا ممن لم يغضب الله عليه ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا حجة الله على خلقه ، فيسلم ثم يجاوز حتى يأتي صف الملائكة في صورة ملك مقرب فينظر إليه الملائكة فيشتد تعجبهم ويكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله ويقولون : تعالى ربنا وتقدس إن هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته وصفته غير أنه كان أقرب الملائكة من الله عزوجل مقاما ، من هناك البس من النور والجمال
ما لم نلبس ، ثم يجاوز حتى ينتهي إلى رب العزة تبارك وتعالى فيخر تحت العرش ، فيناديه تبارك وتعالى : يا حجتي في الارض وكلامي الصادق الناطق ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع ، فيرفع رأسه فيقول الله تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي فيقول : يا رب منهم من صانني وحافظ علي ولم يضيع شيئا ، ومنهم من ضيعني و استخف بحقي وكذب وأنا حجتك على جميع خلقك ، فيقول الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لاثيبن عليك اليوم أحسن الثواب ، ولاعاقبن عليك اليوم أليم العقاب ، قال : فيرفع القرآن رأسه في صورة اخرى ،
قال : فقلت له يا أبا جعفر في أي صورة يرجع ؟
قال : في صورة رجل شاحب متغير ينكره أهل الجمع ، فيأتي الرجل من شيعتنا الذي كان يعرفه ويجادل به أهل الخلاف فيقوم بين يديه فيقول :
ما تعرفني ؟ فينظر إليه الرجل فيقول : ما أعرفك يا عبدالله ، قال : فيرجع في صورته التي كانت في الخلق الاول فيقول : ما تعرفني ؟ فيقول : نعم ، فيقول القرآن : أنا الذي أسهرت ليلك ، وأنصب عيشك ، وسمعت الاذى ، ورجمت بالقول في ، ألا وإن كل تاجر قد استوفى تجارته وأنا وراءك اليوم ، قال : فينطلق به إلى رب العزة تبارك و تعالى فيقول : يا رب عبدك وأنت أعلم به قد كان نصبا بي ، مواظبا علي ، يعادى بسببي ، ويحب في ويبغض في ، فيقول الله عزوجل : أدخلوا عبدي جنتي ، واكسوه حلة من حلل الجنة ، وتوجوه بتاج ، فإذا فعل به ذلك عرض على القرآن فيقال له : هل رضيت بما صنع بوليك ؟ فيقول : يا رب إني أستقل هذا له فزده مزيد الخير كله ، فيقول : وعزتي وجلالي وعلوي وارتفاع مكاني لانحلن له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له ولمن كان بمنزلته : ألا إنهم شباب لا يهرمون ، وأصحاء لا يسقمون ، وأغنياء لا يفتقرون ، وفرحون لا يحزنون ، وأحياء لا يموتون ، ثم تلا هذه الآية : " لا يذوقون فيها الموت إلا الموته الاولى قلت : جعلت فداك يا أبا جعفر وهل يتكلم القرآن ؟ فتبسم ثم قال : رحم الله الضعفاء من شيعتنا إنهم أهل تسليم ، ثم قال : نعم يا سعد والصلاة تتكلم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى ، قال سعد : فتغير لذلك لوني وقلت : هذا شئ لا أستطيع أتكلم به في الناس ! فقال أبوجعفر عليه السلام : وهل الناس إلا شيعتنا ؟ فمن لم يعرف بالصلاة فقد أنكر حقنا ، ثم قال : يا سعد اسمعك كلام القرآن ؟ قال سعد : فقلت : بلى صلى الله عليك ، فقال : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر " فالنهي كلام ، والفحشاء والمنكر رجال ، ونحن ذكر الله ونحن أكبر . "
بيان : قوله عليه السلام : إن هذا الرجل من المسلين لما توجه إلى صفهم ظنوا أنه منهم ، وأما قولهم : نعرفه بنعته وصفته فيحتمل وجوها : الاول أن يكون يأتيهم بصورة من يعرفونه من حملة القرآن ، الثاني أن يكون المراد أنا إنما نعرف أنه من المسلمين لكون نعته وصفته شبيهة بهم ، ولعل زيادة نوره لقراءته القرآن أكثر من سائر المسلمين ،لثالث أنهم لما كانوا يتلون القرآن ويأنسون به وقد تصور بصورة لها مناسبة واقعية للقران فهم لانسهم بما يناسبه واقعا يعرفونه ويأنسون به ، ولعدم علمهم بأن هذه صورة القرآن ظنوا أنه رجل وذهب عن بالهم اسمه ، وقيل : لما كان المؤمن في نيته أن يعبد الله حق عبادته ويتلو كتابه حق تلاوته إلا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد و بالجملة لا يوافق عمله ما في نيته كما ورد في الحديث : نية المؤمن خير من عمله فالقرآن يتجلى لكل طائفة بصورة من جنسهم إلا أنه أحسن في الجمال والبهاء ، وهي الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل بالقرآن لكان لهم تلك الصورة ، وإنما لا يعرفونه كما ينبغي لانهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي ، وإنما يعرفونه بنعته ووصفه لانهم كانوا يتلونه ، وإنما وصفوا الله بالحلم والكرم والرحمة حين رؤيتهم لما رأوا في أنفسهم في جنبه من النقص و القصور الناشئين من تقصيرهم ، يرجون من الله العفو والكرام والرحمة .
قوله عليه السلام : في صورة رجل شاحب يقال : شحب جسمه أي تغير ، ولعل ذلك للغضب على المخالفين ، أو للاهتمام بشفاعة المؤمنين ، كما ورد أن السقط يقوم محبنطئا على باب الجنة ، وقيل : لسماعه الوعيد الشديد ، وهو وإن كان لمستحقيه إلا أنه لا يخلو من تأثير لمن يطلع عليه قوله عليه السلام : إنهم أهل تسليم أي يقبلون كل مايسمعون من المعصومين عليهم السلام ، ولا يرتابون ولا يتبعون الشبه ووساوس الشيطان قوله عليه السلام : يا سعد اسمعك كلام القرآن ؟ هذا يحتمل وجوها :
الاول أن يقال : تكلم القرآن عبارة عن إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى وهذا هو معنى حقيقة الكلام لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحمي ، وكذا تكلم الصلاة فإن من أتى بالصلاة بحقها وحقيقتها نهته الصلاة عن متابعة أعداء الدين وغاصبي حقوق الائمة الراشدين ، الذين من عرفهم عرف الله ومن ذكرهم ذكر الله .
الثاني أن لكل عبادة صورة ومثالا تترتب عليها آثار تلك العبادة ، وهذه الصورة تظهر للناس في القيامة ، فالمراد بقولهم عليهم السلام في موضع آخر : الصلاة رجل أنها في القيامة يتشكل بإزائها رجل يشفع لمن رعاها حق رعايتها ، وفي الدنيا أيضا لا يبعد أن يخلق الله بإزائها ملكا أو خلقا آخر من الروحانيين يسدد من أتى
بالصلاة حق إتيانها ويهديه إلى مراشده ، وكذا في القرآن وسائر العبادات .
الثالث ما افيض علي ببركات الائمة الطاهرين وبه ينحل كثير من غوامض أخبار الائمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وهو أنه كما أن الجسد الانساني له حياة ظاهرية من جهة الروح الحيوانية المنبعثة عن القلب الظاهري وبها يسمع و يبصر ويمشي وينطق ويحس فكذا له حياة معنوية من جهة العلم والايمان والطاعات فالايمان ينبعث من القلب المعنوي ويسري في سائر الاعضاء فينور العين بنور آخر كما قال النبي صلى الله عليه وآله : المؤمن ينظر بنور الله ويسمع بسمع آخر ، وبالجملة يتصرف الايمان في بدنه وعقله ونفسه ويملكه بأسره فلا يرى إلا الحق ، ولا يسمع إلا ما ينفعه ولا يسمع شيئا من الحق إلا فهمه وصدقه ، ولا ينطق إلا بالحق ، ولا يمشي إلا للحق فالايمان روح لذلك الجسد ، ولذا قال تعالى في وصف الكفار : " أموات غير أحياء " وقال : " صم بكم عمى فهم لا يبصرون " وما ذلك إلا لذهاب نور الايمان من قلوبهم و جوارحهم ، وكذا الصلاة إذا كملت في شخص وأتى بها ما هو حقها تصرف في بدنه ونورت قلبه وبصره وسمعه ولسانه ومنعته عن اتباع الشهوات ، وحثته على الطاعات ، وكذا سائر العبادات .
ثم إن القرآن ليس تلك النقوش بل هو ما يدل عليه تلك النقوش ، وإنما صار الخط وما ينقش عليه محترما لدلالته على ذلك الكلام ، والكلام إنما صار مكرما لدلالته على المعاني التي أرادها الله الملك العلام ، فمن انتقش في قواه ألفاظ القرآن وفي عقله معانيه واتصف بصفاته الحسنة على ما هي فيه واحترز عما نهى الله عنه فيه و اتعظ بمواعظه وصير القرآن خلقه وداوى به أدواءه فهو أولى بالتعظيم والاكرام ولذا ورد أن المؤمن أعظم حرمة من الكعبة والقرآن ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه كما يطلق على الجسد لتعلق الروح والنفس به أنه إنسان فكذا يجوز أن يطلق على
البدن الذي كمل فيه الايمان وتصريف فيه وصار روحه أنه إيمان ، وكذا الصلاة و الزكاة وسائر الطاعات ، وهذا في القرآن أظهر لانه قد انتقش بلفظه ومعناه واتصف بصفاته ومؤداه واحتوى عليه وتصرف في بدنه وقواه ، فبالحري أن يطلق عليه القرآن فإذا عرفت ذلك ظهر لك سر الاخبار الواردة في أن أمير المؤمنين عليه السلام هو كلام الله و هو الايمان والاسلام والصلاة والزكاة ، وقس على ذلك حال أعدائه وما ورد أنهم الكفر والفسوق والعصيان وشرب الخمر والزنا وسائر المحارم ، لاستقرار تلك الصفات فيهم بحيث صارت أرواحهم الخبيثة ، فلا يبعد أن يكون المراد بالصورة التي يأتي في القيامة هو أمير المؤمنين عليه السلام فيشفع لمن قرأ القرآن لانه روحه ، ولا يعمل بالقرآن إلا من يتولاه ، وينادي القرآن بلعن من عاداه . ثم ذكر عليه السلام لرفع الاستبعاد أن الصلاة رجل وهو أمير المؤمنين فهو ينهى الناس عن متابعة من كمل فيه الفحشاء والمنكر - يعني أبابكر وعمر - على هذا لا يبعد أن يكون قوله عليه السلام : اسمعك كلام القرآن ؟ أشار به إلى أنه عليه السلام أيضا القرآن وكلامه كلام القرآن ، وسيأتي مزيد توضيح لهذا التحقيق في كتاب الامامة ، وأنت إذا أحطت بذلك وفهمته انكشف لك كثير من الاسرار المطوية في أخبار الائمة الاطهار عليهم السلام فخذ ما آتيتك وكن من الشا كرين
بحار الانوار الجزء7
دمتم برعاية بقية الله
نسالكم الدعاااء
الامـــــــــر لـلــــعـــــــــبـــــاس
اِلـهي اِنْ لَمْ تَبْتَدِئنِي الرَّحْمَةُ مِنْكَ بِحُسْنِ التَّوْفيقِ فَمَنِ السّالِكُ بي اِلَيْكَ في واضِحِ الطَّريقِ
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
والمتراضين على عدوهم ومنكري فضائلهم من الاولين والاخرين
السلام على شيعة علي ع ورحمة الله وبركاته
ياغياث المستغيثين اغثني بفاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ادركني
كل عام وانتم بالف خير
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
، عن سعد الخفاف ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : يا سعد تعلموا القرآن فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليه الخلق ، والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف ، ثمانون ألف صف امة محمد صلى الله عليه وآله وأربعون ألف صف من سائر الامم ، فيأتي على صف المسلمين في صورة رجل فيسلم فينظرون إليه ، ثم يقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم إن هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته وصفته غير أنه كان أشد اجتهادا منا في القرآن فمن هناك اعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي على صف الشهداء فينظر إليه الشهداء ، ثم يقولون : لا إله الا الله الرب الرحيم إن هذا الرجل من الشهداء ، نعرفه بسمته وصفته غير أنه من شهداء البحر ، فمن هناك اعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه ، قال :
فيجاوز حتى يأتي على صف شهداء البحر في صورة شهيد فينظر إليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم ويقولون : إن هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته غير أن الجزيرة التي اصيب فيها كانت أعظم هولا من الجزيرة التي أصبنا فيها ، فمن هناك اعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي صف النبيين والمرسلين في صورة نبي مرسل ، فينظر النبيون والمرسلون إليه فيشتد لذلك تعجبهم ويقولون :
لا إله إلا الله الحليم الكريم إن هذا النبي مرسل نعرفه بصفته وسمته غير أنه اعطي فضلا كثيرا ، قال : فيجتمعون فيأتون رسول الله صلى الله عليه وآله فيسألونه ويقولون : يا محمد من هذا ؟ فيقول : أو ما تعرفونه ؟ فيقولون : ما نعرفه ، هذا ممن لم يغضب الله عليه ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا حجة الله على خلقه ، فيسلم ثم يجاوز حتى يأتي صف الملائكة في صورة ملك مقرب فينظر إليه الملائكة فيشتد تعجبهم ويكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله ويقولون : تعالى ربنا وتقدس إن هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته وصفته غير أنه كان أقرب الملائكة من الله عزوجل مقاما ، من هناك البس من النور والجمال
ما لم نلبس ، ثم يجاوز حتى ينتهي إلى رب العزة تبارك وتعالى فيخر تحت العرش ، فيناديه تبارك وتعالى : يا حجتي في الارض وكلامي الصادق الناطق ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع ، فيرفع رأسه فيقول الله تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي فيقول : يا رب منهم من صانني وحافظ علي ولم يضيع شيئا ، ومنهم من ضيعني و استخف بحقي وكذب وأنا حجتك على جميع خلقك ، فيقول الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لاثيبن عليك اليوم أحسن الثواب ، ولاعاقبن عليك اليوم أليم العقاب ، قال : فيرفع القرآن رأسه في صورة اخرى ،
قال : فقلت له يا أبا جعفر في أي صورة يرجع ؟
قال : في صورة رجل شاحب متغير ينكره أهل الجمع ، فيأتي الرجل من شيعتنا الذي كان يعرفه ويجادل به أهل الخلاف فيقوم بين يديه فيقول :
ما تعرفني ؟ فينظر إليه الرجل فيقول : ما أعرفك يا عبدالله ، قال : فيرجع في صورته التي كانت في الخلق الاول فيقول : ما تعرفني ؟ فيقول : نعم ، فيقول القرآن : أنا الذي أسهرت ليلك ، وأنصب عيشك ، وسمعت الاذى ، ورجمت بالقول في ، ألا وإن كل تاجر قد استوفى تجارته وأنا وراءك اليوم ، قال : فينطلق به إلى رب العزة تبارك و تعالى فيقول : يا رب عبدك وأنت أعلم به قد كان نصبا بي ، مواظبا علي ، يعادى بسببي ، ويحب في ويبغض في ، فيقول الله عزوجل : أدخلوا عبدي جنتي ، واكسوه حلة من حلل الجنة ، وتوجوه بتاج ، فإذا فعل به ذلك عرض على القرآن فيقال له : هل رضيت بما صنع بوليك ؟ فيقول : يا رب إني أستقل هذا له فزده مزيد الخير كله ، فيقول : وعزتي وجلالي وعلوي وارتفاع مكاني لانحلن له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له ولمن كان بمنزلته : ألا إنهم شباب لا يهرمون ، وأصحاء لا يسقمون ، وأغنياء لا يفتقرون ، وفرحون لا يحزنون ، وأحياء لا يموتون ، ثم تلا هذه الآية : " لا يذوقون فيها الموت إلا الموته الاولى قلت : جعلت فداك يا أبا جعفر وهل يتكلم القرآن ؟ فتبسم ثم قال : رحم الله الضعفاء من شيعتنا إنهم أهل تسليم ، ثم قال : نعم يا سعد والصلاة تتكلم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى ، قال سعد : فتغير لذلك لوني وقلت : هذا شئ لا أستطيع أتكلم به في الناس ! فقال أبوجعفر عليه السلام : وهل الناس إلا شيعتنا ؟ فمن لم يعرف بالصلاة فقد أنكر حقنا ، ثم قال : يا سعد اسمعك كلام القرآن ؟ قال سعد : فقلت : بلى صلى الله عليك ، فقال : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر " فالنهي كلام ، والفحشاء والمنكر رجال ، ونحن ذكر الله ونحن أكبر . "
بيان : قوله عليه السلام : إن هذا الرجل من المسلين لما توجه إلى صفهم ظنوا أنه منهم ، وأما قولهم : نعرفه بنعته وصفته فيحتمل وجوها : الاول أن يكون يأتيهم بصورة من يعرفونه من حملة القرآن ، الثاني أن يكون المراد أنا إنما نعرف أنه من المسلمين لكون نعته وصفته شبيهة بهم ، ولعل زيادة نوره لقراءته القرآن أكثر من سائر المسلمين ،لثالث أنهم لما كانوا يتلون القرآن ويأنسون به وقد تصور بصورة لها مناسبة واقعية للقران فهم لانسهم بما يناسبه واقعا يعرفونه ويأنسون به ، ولعدم علمهم بأن هذه صورة القرآن ظنوا أنه رجل وذهب عن بالهم اسمه ، وقيل : لما كان المؤمن في نيته أن يعبد الله حق عبادته ويتلو كتابه حق تلاوته إلا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد و بالجملة لا يوافق عمله ما في نيته كما ورد في الحديث : نية المؤمن خير من عمله فالقرآن يتجلى لكل طائفة بصورة من جنسهم إلا أنه أحسن في الجمال والبهاء ، وهي الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل بالقرآن لكان لهم تلك الصورة ، وإنما لا يعرفونه كما ينبغي لانهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي ، وإنما يعرفونه بنعته ووصفه لانهم كانوا يتلونه ، وإنما وصفوا الله بالحلم والكرم والرحمة حين رؤيتهم لما رأوا في أنفسهم في جنبه من النقص و القصور الناشئين من تقصيرهم ، يرجون من الله العفو والكرام والرحمة .
قوله عليه السلام : في صورة رجل شاحب يقال : شحب جسمه أي تغير ، ولعل ذلك للغضب على المخالفين ، أو للاهتمام بشفاعة المؤمنين ، كما ورد أن السقط يقوم محبنطئا على باب الجنة ، وقيل : لسماعه الوعيد الشديد ، وهو وإن كان لمستحقيه إلا أنه لا يخلو من تأثير لمن يطلع عليه قوله عليه السلام : إنهم أهل تسليم أي يقبلون كل مايسمعون من المعصومين عليهم السلام ، ولا يرتابون ولا يتبعون الشبه ووساوس الشيطان قوله عليه السلام : يا سعد اسمعك كلام القرآن ؟ هذا يحتمل وجوها :
الاول أن يقال : تكلم القرآن عبارة عن إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى وهذا هو معنى حقيقة الكلام لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحمي ، وكذا تكلم الصلاة فإن من أتى بالصلاة بحقها وحقيقتها نهته الصلاة عن متابعة أعداء الدين وغاصبي حقوق الائمة الراشدين ، الذين من عرفهم عرف الله ومن ذكرهم ذكر الله .
الثاني أن لكل عبادة صورة ومثالا تترتب عليها آثار تلك العبادة ، وهذه الصورة تظهر للناس في القيامة ، فالمراد بقولهم عليهم السلام في موضع آخر : الصلاة رجل أنها في القيامة يتشكل بإزائها رجل يشفع لمن رعاها حق رعايتها ، وفي الدنيا أيضا لا يبعد أن يخلق الله بإزائها ملكا أو خلقا آخر من الروحانيين يسدد من أتى
بالصلاة حق إتيانها ويهديه إلى مراشده ، وكذا في القرآن وسائر العبادات .
الثالث ما افيض علي ببركات الائمة الطاهرين وبه ينحل كثير من غوامض أخبار الائمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وهو أنه كما أن الجسد الانساني له حياة ظاهرية من جهة الروح الحيوانية المنبعثة عن القلب الظاهري وبها يسمع و يبصر ويمشي وينطق ويحس فكذا له حياة معنوية من جهة العلم والايمان والطاعات فالايمان ينبعث من القلب المعنوي ويسري في سائر الاعضاء فينور العين بنور آخر كما قال النبي صلى الله عليه وآله : المؤمن ينظر بنور الله ويسمع بسمع آخر ، وبالجملة يتصرف الايمان في بدنه وعقله ونفسه ويملكه بأسره فلا يرى إلا الحق ، ولا يسمع إلا ما ينفعه ولا يسمع شيئا من الحق إلا فهمه وصدقه ، ولا ينطق إلا بالحق ، ولا يمشي إلا للحق فالايمان روح لذلك الجسد ، ولذا قال تعالى في وصف الكفار : " أموات غير أحياء " وقال : " صم بكم عمى فهم لا يبصرون " وما ذلك إلا لذهاب نور الايمان من قلوبهم و جوارحهم ، وكذا الصلاة إذا كملت في شخص وأتى بها ما هو حقها تصرف في بدنه ونورت قلبه وبصره وسمعه ولسانه ومنعته عن اتباع الشهوات ، وحثته على الطاعات ، وكذا سائر العبادات .
ثم إن القرآن ليس تلك النقوش بل هو ما يدل عليه تلك النقوش ، وإنما صار الخط وما ينقش عليه محترما لدلالته على ذلك الكلام ، والكلام إنما صار مكرما لدلالته على المعاني التي أرادها الله الملك العلام ، فمن انتقش في قواه ألفاظ القرآن وفي عقله معانيه واتصف بصفاته الحسنة على ما هي فيه واحترز عما نهى الله عنه فيه و اتعظ بمواعظه وصير القرآن خلقه وداوى به أدواءه فهو أولى بالتعظيم والاكرام ولذا ورد أن المؤمن أعظم حرمة من الكعبة والقرآن ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه كما يطلق على الجسد لتعلق الروح والنفس به أنه إنسان فكذا يجوز أن يطلق على
البدن الذي كمل فيه الايمان وتصريف فيه وصار روحه أنه إيمان ، وكذا الصلاة و الزكاة وسائر الطاعات ، وهذا في القرآن أظهر لانه قد انتقش بلفظه ومعناه واتصف بصفاته ومؤداه واحتوى عليه وتصرف في بدنه وقواه ، فبالحري أن يطلق عليه القرآن فإذا عرفت ذلك ظهر لك سر الاخبار الواردة في أن أمير المؤمنين عليه السلام هو كلام الله و هو الايمان والاسلام والصلاة والزكاة ، وقس على ذلك حال أعدائه وما ورد أنهم الكفر والفسوق والعصيان وشرب الخمر والزنا وسائر المحارم ، لاستقرار تلك الصفات فيهم بحيث صارت أرواحهم الخبيثة ، فلا يبعد أن يكون المراد بالصورة التي يأتي في القيامة هو أمير المؤمنين عليه السلام فيشفع لمن قرأ القرآن لانه روحه ، ولا يعمل بالقرآن إلا من يتولاه ، وينادي القرآن بلعن من عاداه . ثم ذكر عليه السلام لرفع الاستبعاد أن الصلاة رجل وهو أمير المؤمنين فهو ينهى الناس عن متابعة من كمل فيه الفحشاء والمنكر - يعني أبابكر وعمر - على هذا لا يبعد أن يكون قوله عليه السلام : اسمعك كلام القرآن ؟ أشار به إلى أنه عليه السلام أيضا القرآن وكلامه كلام القرآن ، وسيأتي مزيد توضيح لهذا التحقيق في كتاب الامامة ، وأنت إذا أحطت بذلك وفهمته انكشف لك كثير من الاسرار المطوية في أخبار الائمة الاطهار عليهم السلام فخذ ما آتيتك وكن من الشا كرين
بحار الانوار الجزء7
دمتم برعاية بقية الله
نسالكم الدعاااء
الامـــــــــر لـلــــعـــــــــبـــــاس
اِلـهي اِنْ لَمْ تَبْتَدِئنِي الرَّحْمَةُ مِنْكَ بِحُسْنِ التَّوْفيقِ فَمَنِ السّالِكُ بي اِلَيْكَ في واضِحِ الطَّريقِ