اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
21- ليال قدر أخرى!..
إن شهر رمضان؛ هو شهر الدعاء، وشهر الإنابة إلى الله عز وجل.. وشهر محرم أيضا: شهر الدعاء، وشهر البكاء، وشهر العمل، وشهر الانقطاع إلى الله عز وجل.. في شهر رمضان نتوجه إلى الله في ليالي القدر، وهذه العشرة أيضا هي ليال قدر.. حيث بإمكان الإنسان في مثل هذه الأيام أن يتطهر من ذنوبه، يقول الإمام الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام)!..
22- اقتران العاطفة بالعقل!..
إن العاطفة لها موقع ممتاز ومتميز، ولكن العاطفة تعطي ثمارها إذا اقترنت بالجانب العقلي والمعرفي.. فالمعرفة الكاملة أو الوافية، والعاطفة الجياشة، عندما يختلطان؛ فالنتيجة هي الحركة الخارجية والفعل.. أي أن الجوارح تابعة للحركات العاطفية المدروسة، والارتباط الفكري والعقلي بهم صلوات الله -تعالى- عليهم.
23- إعلان موقف!..
إن البكاء على الحسين (ع) هو عبارة عن إعلان موقف.. فالدول عندما تريد أن تحتج على عمل ما، فإنها ترفع مذكرة للجهات المعنية، أو ترفع لافتة، أو تقوم بمظاهرة.. فأخذ الموقف مسألة مهمة، والدول تجتمع في نقطة معينة لتدين إجماعا دولة من لدول.. فنحن بالبكاء على الإمام الحسين (ع) نسجل موقفا: وهو مظلومية الإمام (ع).. وكلما اشتد البكاء، كلما كان تسجيل الموقف أقوى!..
24- العاقبة للحركة الحسينية!..
إن الدرس الأساسي من يوم عاشوراء، هو التطبيق العملي لهذه المقولة: (أن للحق دولة، وللباطل جولة)، فإذا رأينا انتصار الباطل وعتوه وتجبره، لا يأخذنا اليأس، ولنعلم بأن العاقبة للحركة الحسينية، حيث انتصار الدم على السيف.. وهذا هو ما جرى بعد عاشوراء على الظالمين، من انتقام على يد الثورات التي أبادتهم عن بَكرة أبيهم.. إن رب العالمين أراد أن يعلم الأمة، بأنه لا يمكن أن يُمى الذكر الإلهي، وهو النور الذي لا يمكن أن يطفأ.
25- الحسين (ع) منعطف تاريخي!..
ينبغي أن لا ننظر إلى قضية الحسين (ع) على أنها مأساة إنسانية، وعبارة عن مقتل صحابي يقاتل غيره من الصحابة.. فالإمام الحسين (ع) يشكل منعطفا تاريخيا، حيث أنه عاش في مواجهة رجل فاسق كيزيد، كان دون مستوى الإنسانية بمراحل، أراد أن يمسخ الإسلام ويقلبه إلى الجاهلية الأولى.. إن ما بأيدينا اليوم من الإسلام على اختلاف الجهات، هو من بركات دماء سيد الشهداء (ع)، وهو جد الإمام الصادق (ع) الذي يفتخر به بعض أئمة المذاهب عندما قال: (لولا السنتان لهلك النعمان).. الحسين (ع) على رأس سلسلة في التأريخ، شأنه شأن إبراهيم الخليل (ع)، الذي اكتسب الخلود على مر العصور، الكثيرون حطموا الأصنام، لماذا الله -تعالى- يخلد حركة إبراهيم (ع) دون يحيى (ع) الذي قتل تلك القتلة الفجيعة؟!.. لماذا رب العالمين يخلد هرولة هاجر ورميها للجمرات؟!.. ثم أن النبي (ص) هو أول الباكين على الحسين (ع).. فإذن، نحن نبكي الحسين (ع)؛ لأنه منعطف تاريخي في حياة الأمة، وكذلك تأسياً بالنبي (ص).. وخير شاهد على ذلك، البركات التاريخية لإقامة عزاء الحسين (ع).
26- استنزال النصر!..
إننا نستطيع أن نتصدى للعدوان البغيض على الأمة، الذي يستهدف نهب ثرواتها وسحق شعوبها؛ مستلهمين ذلك من ثورة الحسين(ع).. في أن ننظر إلى عناصر القوة والانتصار في ثورة الحسين (ع)، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}.. أي علينا أن نعمل بما يوجب استنزال النصر الإلهي، الذي هو حليف كل من يسير على درب الشهادة والانتصار في دين الله عز وجل، {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.. وهنا دعوة لكل فرد منّا أن يعمل بتكليفه، سواءً مع أسرته أو مجتمعه، وأن ينظر إلى رضا الله -عز وجل- في كل صغيرة وكبيرة.. ولهذا نلاحظ بأن المدد الإلهي -ملائكة النصر- أنزلها الله -تعالى- في معركة بدر، بينما في أحد هنالك انتكاسة؛ بسبب إقبال الناس على الدنيا.. فإذن، يجب علينا أن نعمل بتكليفنا أولاً، ونستلهم النصر من الله، ونمشي على درب الحسين (ع)، حيث أنه كان مستعداً لبذل كل شيء في سبيل نصرة هذا الدين، وشعاره كما نعلم: (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي؛ فيا سيوف خذيني).
27- المدرسة العاشورائية!..
إن مجالس أبي عبد الله الحسين (ع) لا تقتصر على مسألة الدمعة، فهنالك عنصر الاستفادة العلمية، والتأثر الفكري بما يقوله الخطيب، واستيعاب الدروس من هذه الثورة المباركة.. وبالنسبة لحالة الرقة القلبية، ينبغي التفريق بين مسألة الرقة، ومسألة الدمعة.. فالإنسان من الممكن أن يرق قلبه، وينكسر فؤاده.. ولكن لعوامل صحية، يعيش حالة من حالات الجفاف الدمعي.. وعليه، فإنه يكفي في هذه الحالة الرقة الباطنية والتباكي.. أما إذا كان السبب هي الذنوب والمعاصي، فعليه أن يعاهد رب العالمين، بأن يكون من خريجي المدرسة العاشورائية، بالإقلاع عن كل ذلك.. ولنعلم أن من علامات قبول العزاء، هو الخروج بهذه الثمرة.
28- المجالس أرضية خصبة للثقافة الدينية!..
إن المجالس الحسينية هي مجالس مفتوحة لكل المسلمين، وهي أرضية ثرية خصبة للثقافة الدينية في مختلف حقولها: تفسيراً، وسيرة، وفقهاً، وعرفاناً، وغير ذلك من حقول المعرفة.. إن الإمام الحسين (ع) هو حفيد النبي (ص)، ومصادر المسلمين ثرية بما ورد في فضل البكاء عليه (ع).. فلماذا نجد هذا التأثر من غير المسلم الذي لا يعتقد بالدين، في حين أنهم أولى بذلك؟!.. لنحاول إيصال هذا الفكر للطرف المقابل، بأسلوب هادئ موضوعي، بعيداً عن الجدال العقيم.. وعلى كلٍّ فإن هذه الوسائل التثقيفية الهائلة اليوم، أكملت الحجة على جميع المتصدين لعالم التثقف والفهم في هذا المجال.
29- حملة لواء التوحيد!..
إن أئمتنا (ع) هم حملة لواء التوحيد: الحسين (ع) كان يعيش في يوم عاشوراء أجواء الشهادة، ومن يعيش هذه الأجواء، لابد وأن يكون في حالة مناجاة مع رب العالمين.. ولكن صلة الحسين (ع) بالدعاء هي صلة قديمة.. لذا نلاحظ في يوم عرفة والناس بإحرامهم على صعيد عرفة، لا يمكنهم التخلي عن معلمين مهمين هما: دعاء عرفة للإمام الحسين (ع)، وزيارة الحسين (ع) في يوم عرفة.. وهذا حقيقة من موجبات خلود ذكر الحسين (ع).
30- شعور المعزي!..
على الرغم من أن مجالس الحسين (ع)، هي مجالس نحيب وبكاء، ولا يخلو الأمر من تأذٍّ باطني.. إلا أننا نلاحظ هذا الشعور الذي ينتاب المعزي بعد المجلس، وهو نفسه الذي يجده الصائم ساعة إفطاره، وفي عيد الفطر، وبعد انتهاء الحج.. إن هذه الحالة من السرور، والارتياح الباطني، والأنس الشديد؛ سببها نظرة رب العالمين، والتفاته إلى عباده.. ومع ذلك لا ينبغي المبالغة في هذا الأمر، بل إن عليه السيطرة على هذه المشاعر؛ كيلا يتحول الأمر إلى هرج ومرج، فنغفل بأننا قبل قليل كنا من المعزين، وأن هذا الشهر هو شهر أحزان أهل البيت (ع).
31- الذكر بين الغافلين!..
إن الذاكر لله -سبحانه وتعالى- بين الغافلين، هو كالمقاتل بين الفارين.. وعليه، فإن إقامة عزاء أهل البيت (ع) في بلاد الغرب تلك البلاد النائية، لها وزنها عند الله تعالى.. وهي من الصدقات الجارية البليغة، في دفع البلاء عن الإنسان.
32- إضفاء البعد التوحيدي!..
إن على المؤمن قصد القربة الواضحة المركزة، عند حضور مجالس الحسين (ع).. وصلاة ركعتين تحية المسجد، إذا كان المجلس مقاما في مسجد.. ثم السجود لله شكراً، بعد الانتهاء من المجلس.. واستغلال ساعة الإقبال بعد انتهاء المجلس -حيث الدموع الجارية - بالمناجاة مع رب الأرباب؛ فهذه فرصة ذهبية، وليس من المعلوم أن تتكرر مرة أخرى.
33- الإشعاع النوري!..
إن البعض من خطباء المنبر الحسيني، هم من النخبة الاجتماعية.. وهؤلاء تصدوا لهذا المقام العظيم، الممتد في شرق الأرض وغربها، والتي تضم في قاعاتها المتعددة -من أكواخ البوادي، إلى أفخم الأبنية- مختلف الطبقات الاجتماعية.. وهذا من أسباب التفوق العلمي في الموالين نسبة إلى غيرهم، وذلك لتعرضهم لهذا الإشعاع النوري منذ نعومة أظفارهم.. وهنا دعوة للخطباء، بتلوين العطاء الذي سخره الله -تعالى- لهم، بأن يمزجوا القرآن الكريم بالحديث بالتاريخ بالسيرة بالبكاء والإبكاء؛ ليخرج الجمهور وقد تكامل في كل أبعاده.
34- البكاء والإبكاء!..
إن الإبكاء على الحسين (ع) لا يحتاج إلى صعود المنابر أو الجمهور العريض.. فبإمكان الإنسان المؤمن أن يجمع العائلة والأطفال الصغار، وينقل لهم جزيئات المقتل ولو بشكل سرد عادي.. قال الإمام الصادق (ع): (من أنشد في الحسين فأبكى عشرة، فله الجنة.. ثم جعل ينتقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحدا، فله الجنة!.. ثم قال: من ذكره فبكى، فله الجنة).. أي أن هنالك ما يقتضي دخوله الجنة.. ولو أن الإنسان جاء يوم القيامة، وقد تساوت حسناته وسيئاته، ولم يبقَ في دفتر أعماله إلا هذا البكاء على سيد الشهداء (ع) قطعاً وبلا ريب أن له الجنة.
35- الموازنة بين العاطفة والعقل!..
إن من الضروري الموازنة بين العقلانية والعاطفة، فالذي يتكلم عن ثائرية الحسين (ع)، عليه أن يكون في مقام العمل رسالياً ينتهج منهج الحسين (ع).. ولابد له من طراوة عاطفية؛ لينقل الفكرة إلى مستوى الجوارح.. فهذا غاندي وهو غير مسلم يقول بأنه تعلم من الحسين (ع)، كيف يكون مظلوماً فينتصر!..
36- تجليات الرحمة!..
إن الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء كما يفهم من سيرته، كان له بكاءان: بكاء على أهل بيته، وما سيصيبهم بعده.. وبكاء على هذه الأمة، أنها ستدخل النار بسببه.. هذه هي الرحمة، والرحمة إذا وجدت لها تجليات، فهي ليست حالة مستبطنة في الباطن، إنما تتجلى في الخارج، وأهل البيت في قمة هذه الحالة.
37- الضريبة!..
إن هذه الولاية لها ضريبتها، التجار في بلاد الغرب يشتكون من الضرائب!.. كلما زاد المحل التجاري سعة؛ كلما تنوعت بضاعته.. وكلما زادت تجارته، جاءت الضرائب الفادحة بعد ذلك!.. (إن أشد الناس حسرة يوم القيامة، عبد وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره)، فالإنسان عندما يُري الآخرين بأنه حُسيني في زيه، وفي شكله، فإن هذه الحركة لها ضريبة!.. والضريبة هي أن نكون على خط الحسين –عليه السلام– في كل شيء!..
38- الكاميرا!..
إن الشياطين أيام شهر رمضان تتلوى يميناً وشمالاً، لأن الناس صيام ومعزون ومصلون، وليس هنالك شيعي موال ينظر إلى نساء الغير.. روي (أن رجلا كان ينظر في الطواف إلى حُرَم المسلمين، فلطمه عليّ، فاستعدى عليه عمر، فقال: ضربك بحق، أصابته عين من عيون الله)!.. وفي هذا العصر إمامنا صاحب الأمر –عليه السلام– ينظر إلينا، فعلينا أن لا نجرح فؤاده بما لا يليق بنا.. إن العسكري الذي يرتكب المخالفة في زيه، يعاقب أشد العقوبة!.. وأنتم اليوم بهذا الزي زي رثاء الحسين –عليه السلام– تمشون في الشوارع، والناس تنظر إليكم على أنكم أنتم حملة راية الحسين.. وهذه الأيام الكاميرات تلاحق كل شيء، وإذا صدر منك ما لا يليق بك، فإنها تصطاد المناظر الملفتة دعاية لها.. فكيف بكاميرا السماء؟!.. وكيف بالله –عز وجل– وهو البصير الخبير!.. لذا على الإنسان أن لا ينظر إلى معصيته، بل ينظر إلى من عصى!..
39- التأثر الشعوري!..
إن التأثر الشعوري بمصائب أهل البيت -صلوات الله وسلامه عليهم- نقطة مهمة أيضاً.. لأن الإنسان كلما زاد بلوغاً ذكرياً وعاطفياً، كلما زاد تفاعله بمصائب أهل البيت عليهم السلام.. لأنَّ الأئمة -عليهم السلام- وعلى رأسهم النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- يمثلون أعزَّ الخلقِ على الله عزَّ وجلَّ.. وما وقع عليهم من كوارث: كاستشهاد مولانا أمير المؤمنين، وقتل الحسين -صلوات الله وسلامه عليه- وسجن مولانا موسى بن جعفر، وتخفي موالينا الإمام الهادي والعسكري -صلوات الله وسلامه عليهما- هذه المصائب وقعت على أعزِّ خلق الله عزّ وجلّ.. وبالطبع من محبة الله، أن يتألم الإنسان لما يقع على مَن أحبه الله عزَّ وجلّ.. فكما نعلم: أحباؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدو عدوك.. وكذلك أعداؤك: عدوك، وصديق عدوك، وعدو صديقك.
40- التعويض!..
لو أن إنسانا بعث أحداً لقضاء حاجته، وهذا الإنسان ذهب مستصحباً أهله وعياله، وفي الطريق،-ومن أجل خدمته، ومن أجل قضاء حاجته لا لشيء آخر؛ أصابهم ما أصابهم.. فهو كإنسان له مشاعر إنسانية وله وفاء، ماذا سيعمل في مقام التعويض؟.. فلو كان ملكاً أو أميراً، وبيده المقدرات، فإنه يمنحه كل ما يمكن، حتى لو زاد الإنسان وفاءً، من الممكن أن يتنازل عن ملكه مثلاً.. ورب العالمين أمر حبيبه الحسين بما أمره.. وشاء أن يراه قتيلاً، فاستجاب.. وشاء أن يرى أسرته سبايا، فاستجاب.. ولكن ما جرى على سيد الشهداء كما نقرأ في زيارة يوم عاشوراء: (وجلت وعظمت مصيبتك في السماوات، وعلى جميع أهل السماوات).. لأنه ما أبقى لنفسه شيئاً من الطفل الرضيع، إلى علي الأكبر.. ومن أخيه، لأصحابه.. فقد قدم عائلته وأسرته، وعرضهم للسبي، لمصلحة عليا.