اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التوسم بأفعال الحيوان
والتوسم بالأفعال يتعدى التوسم بأفعال الإنسان إلى التوسم بأفعال الحيوان وما يقوم به من حركة أو يصدر عنه من صوت له توسم خاص وارتباطه بشيء آخر في عالم الملكوت وهناك أمثلة على ذلك .
المثال الأول :
هو وقوف ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عند الحديبة(- مقتل المقرّم ص197 ، منتخب الطريحي ص308) .
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) قاصداً المسير إلى مكة المكرمة ، ووقفت ناقته في الحديبية وفي ذلك دلالة على إنه لا يستمر في رحلته إلى مكة وسوف يتوقف وتنتهي هذه الرحلة في الحديبية .
المثال الثاني :
التوسم بتوقف جواد الإمام الحسين (عليه السلام) عن المسير عند وصوله إلى كربلاء : ( بينما هم يسيرون إذ وقف جواد الحسين ولم يتحرك .... فعندها سأل الحسين عن الأرض قال له زهير : سر راشداً ولا تسأل عن شيء حتى يأذن الله بالفرج إن هذه الأرض تسمى الطف .
فقال (عليه السلام) : فهل لها اسم غيره ؟ قال : تعرف كربلاء فدمعت عيناه وقال أعوذ بالله من الكرب والبلاء ههنا محط ركابنا وسفك دمائنا ومحل قبورنا بهذا حدثني رسول الله ) مقتل المقرّم ص197-198.
إن الإمام الحسين (عليه السلام) كان قاصداً المسير إلى الكوفة ولكن عندما توقف حصانه في كربلاء كان دلالة على إن الإمام الحسين (عليه السلام) لا يكمل رحلته إلى نهايتها وسوف يتوقف ويستقر في هذا المكان .
ولذلك سأل عن اسم هذا المكان فعندما سمع الاسم عرف إنه سيكون محط رحالهم وسفك دمائهم الطاهرة ومحل قبورهم المقدسة في هذا المكان .
المثال الثالث :
هو قصة استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وتوسمه بما جرى من أحداث . فإنه (سلام الله عليه) لما همّ بالخروج من داره يريد المسجد عند وقت السحر في اليوم الذي ضرب فيه استقبلته الإوزات التي كانت عندهم في الدار بالصياح فلما رأى ذلك قال : ( صوائح تتبعها نوائح ) الكافي ج1 ص29 ، بحار الأنوار ج42 ص246 ، المناقب ج3 ص310 .
فقد توسم أمير المؤمنين (عليه السلام) بصياح الأوز هو نوح النساء وصياحهن عند المصيبة ، لأن الأوز تشير في الملكوت إلى النساء ونوحهن وبكائهن على الإمام (عليه السلام) ، فعلم إنه قد دنى أجله .
وكذلك عندما علق مسمار باب الدار بردائه فإنفلت حزامه ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
أشدد حيازيمك للموت فإن المـوت لاقـيكا
ومن المعروف بأن الميت يُحل حزامه ويجرد من ملابسه وبعد أن يكفن يُشد بحزام الكفن ، وتعلق مسمار الدار فيه دلالة على تعلق أهل الدار بصاحب الدار.
المثال الرابع :
وما قيل في التوسم بأفعال الحيوان إن العرب كانت قديماً إذا رأت الكلب ينام ويخفي نفسه تحت الموقد فإنها تتوسم إن السماء ستمطر .
وهذه أدلة كافية على برهنة وجود توسم بواسطة أفعال المخلوقات وما تشير إليه في عالم الملكوت .
3- التوسم بخفايا النفس البشرية
وهنالك نوع آخر من التوسم وهو التوسم بما في داخل الإنسان وما يضمره في نفسه من أمر خير أو شرّ إلى غير ذلك .
وهذا النوع من التوسم يتميز به أهل البيت (عليهم السلام) على الخصوص وذلك بما منّ الله عليهم وأفاض من علمه وبما لديهم من نور إلهي يطلع على خفايا الأنفس وما تخفي الصدور.
وقد أكد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا المعنى .
فقد ورد عن الحسن بن الجهم إنه كان حاضر ذات يوم في مجلس المأمون العباسي (لعنه الله) وفيه جمع من الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأل بعضهم الإمام الرضا (عليه السلام) :
( .... قال فما وجه أخباركم بما في قلوب الناس قال (عليه السلام) أما بلغك قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ؟ قال : بلى .
قال : فما من مؤمن إلا وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع الله للأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين ....) بحار الأنوار ج25 ص134 ، عيون أخبار الرضا ج2 ص200 . وهناك عدة امثلة على ذلك :
المثال الأول :
هو توسم أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بعبد الرحمن بن ملجم عليه لعائن الله ومعرفة ما كان يضمره لأمير المؤمنين (عليه السلام) .
فقد ورد عن أمير المؤمنين أنه جمع الناس للبيعة فجاء ابن ملجم لعنه الله فرده أمير المؤمنين (عليه السلام) مرتين أو ثلاثاً ثم بايعه وقال سلام الله عليه عند بيعته :
( ما يحبس أشقاها فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا ووضع يده على لحيته ... أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث ولا يفعل فقال ابن ملجم والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري .
فقال (عليه السلام) :
أريد حياته ويـريد قتلي عذيرك من خليلك من مرادي
امضِ يابن ملجم فوالله ما أرى أن تفي بما قلت ) روضة الواعظين ج1 ص132 .
المثال الثاني :
قد ورد عن محمد بن حرب الهلال أمير المدينة إنه قال : ( سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) فقلت له : يابن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها ، فقال : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني وإن شئت فاسأل .
قال : قلت له يابن رسول الله وبأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي فقال بالتوسم والتفرس أما سمعت قول الله عز وجل {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) - بحار الأنوار ج38 ص79 ، علل الشرائع ج1 ص173 ، تأويل الآيات ص280.
المثال الثالث :
روي ان شخصاً من أصفهان اسمه عبد الرحمن سمع بأن أمراً خرج بإحضار الإمام الهادي (عليه السلام) : ( فقلت لبعض من حضر من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره فقيل هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته ثم قيل إن المتوكل يحضره للقتل .
فقلت : لا أبرح من ها هنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو فأقبل راكباً على فرس وقد قام الناس صفين يمنة الطريق ويسرتها ينظرون إليه فلما رأيته وقفت فأبصرته فوقع حبه في قلبي فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل . فاقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته لا يلفت وانا دائم الدعاء له فلما صار إلي أقبل علي بوجهه وقال استجاب الله دعاءك وطول عمرك وكثر مالك وولدك .
قال : فإرتعدت ووقعت بين أصحابي فسألوني ما شأنك فقلت خير ولم اخبرهم فإنصرفنا بعد ذلك إلى اصفهان ففتح الله علي وجوها من المال حتى اني اغلق بأبي على قيمة ألف ألف درهم سوى مالي خارج داري ورزقت عشرة من الأولاد وبلغ عمري نيفاً وسبعين ) كشف الغمة ج2 ص389-290 .
يتبع....