اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- التوسم بالاسماء
إن من جملة موارد التوسم هو التوسم بالاسماء سواء أكانت أسماء أشخاص أو بلدان أو أشياء ، حيث يستطيع المتوسمون من خلالها معرفة الشيء المراد توسمه وما يجري عليه ويقع فيه من أحداث من خلال الربط بين اسم ذلك الشخص أو المكان الظاهري في عالم الملك بدلالاته الباطنية في عالم الملكوت .
من حيث إن الاسم مأخوذ من السمة أي العلامة فيكون دال على حامله ويتوسم به من خلاله .
وتوجد عدة امثلة تاريخية على هذا النوع من التوسم ، أولها توسم نبي الله زكريا (عليه السلام) أو تحسسه بمصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال اسمه .
حتى إنه كلما ذكر اسم الحسين ( عليه السلام) تخنقه العبرة وتدمع عيناه فإنباه الله عز وجل بذلك الأمر كونه علامة على استشعار زكريا (عليه السلام) بما يجري على سيد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته وانصاره من مصائب .
حيث جاء عن سعد بن عبد الله إنه سأل الإمام (عليه السلام) عن تأويل كهيعص فقال (عليه السلام) له : ( هذه الحروف من انباء الغيب اطلع عليها عبده ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ، وذلك إن زكريا (عليه السلام) سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط الله جبرائيل فعلمه اياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وعلي وفاطمة والحسن (عليهم السلام) إنكشف عنه همه وإنجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة يعني الزفير وتتابع النفس .
فقال (عليه السلام) ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم سليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي فإنبأه الله تعالى عن قصته ... فلما سمع زكريا (عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلاث أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه واقبل على البكاء والنحيب ...) بحار الانوار ج14 ص178 ، الاحتجاج ج2 ص464 ، إرشاد لقلوب ج2 ص421 .
وبذلك يكون زكريا (عليه السلام) توسم بإسم الإمام الحسين (عليه السلام) ما سيجري عليه وعلى عياله سلام الله عليهم أجمعين من قتل وسبي وتشريد ، وهنا تجدر الإشارة إلى إن البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) والحزن المعنوي والروحي وليس فقط الحزن المادي عليه (عليه السلام) يعد سمة من سمات المؤمنين .
وهنا يتجلى المعنى المراد بالتوسم والذي سبق أن أوضحناه وهو ربط العلامات الظاهرية للموجودات بتاثيراتها المكنونة الملكوتية والتي تنعكس كلها في نهاية المطاف في عالم الملك .
فقد جاء في تفسير قوله تعالى {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ} عن الاصبغ بن نباته عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : ( نحن الاعراف نعرف أنصارنا بأسمائهم ) تأويل الآيات ص182 ، بحار الانوار ج8 ص338 .
5- التوسم عن طريق الكلام والأصوات
يعد الكلام أحد الاشياء التي يتوسم من خلالها المتوسمون بالناس وليعرفوا الصالح منهم من الطالح ، وقد أثبت القرآن هذه الحقيقة وكما مر بنا في قوله تعالى {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } سورة محمد30 .
حيث تشير الآية إلى معرفة المنافقين من خلال التوسم بلحن قولهم .
وقد أكدت جملة من روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا النوع من التوسم المستند على معرفة لحن القول بالنسبة لأعدائهم أو الموالين لهم وتمييزهم بهذه السمة .
فقد ورد عن بكير بن أعين عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال : ( وخلق الله شيعتنا قبل أبدانهم بالفي عام وعرضهم عليه وعرفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وعرفهم علياً ونحن نعرفهم في لحن القول ) الكافي ج1 ص437.
وهذا دليل آخر على ما ذهبنا إليه آنفاً في ارتباط علم التوسم بكل من عالم الملكوت وعالم الاظلة والأرواح ثم بعالم الملك المجسد لما حصل في العالم السابق من أفعال وأقوال وحركات للموجودات ككل وليس الإنسان فحسب .
وقد أشارت روايات أخرى إلى معرفة أهل البيت (عليهم السلام) لاعدائهم هذه المرة بلحن القول .
وقد جاء في تفاسير وروايات أهل الشيعة والسنة إن لحن القول هنا هو بغض الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
فقد جاء عن عبد الله بن سلمان إنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً : (سألته عن الإمام فوض الله إليه كما فوض إلى سليمان بن داود .
فقال : نعم ... إن الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو إن الله يقول {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } ، وهم العلماء فليس يسمع شيئاً من الأمر ينطق به إلا عرفه ناج أو هالك...) بحار الانوار ج24 ص124-125، الكافي ج1 ص218.
ونختم حديثنا حول التوسم بالكلام والأصوات بقصتين تشير إلى ذلك عملياً ، الأولى عن الإمام علي (عليه السلام) إنه مر في دروب الكوفة هو وأحد أصحابه وإذا بصوت شخص يقرأ القرآن في أحد الدور .
فاعجبت قراءته صاحب الإمام الذي إستدل منها وبغير علم على ايمان ذلك الشخص ، وإذا بالإمام علي (عليه السلام) يفاجأه بالقول بعكس ذلك وبأن هذا الشخص سيكون من الد الخصام للمؤمنين .
وإذا بالليالي والايام تمر حتى خرج ذلك الشخص مقاتلاً الإمام علي (عليه السلام) بمعركة النهروان مع الخوارج ، فأراه الإمام (عليه السلام) لصاحبه الذي ظن إنه من المؤمنين وعرف هنا معنى قول الإمام له في الوقت السابق بأنه من ألد الخصام .
ومن الواضح هنا إن الإمام علي (عليه السلام) توسم بذلك الشخص وسوء عاقبته من خلال سماعه صوته وهو يقرأ القرآن لأنه لم يراه .
(ومن كل ما تقدم يتضح لنا إن لعلم التوسم عدة موارد منها ما يختص بالعالميات الظاهرية الموجودة في جسم الإنسان ، ومنها ما يتعلق ببعض الأفعال التي يقوم بها هو أو غيره من المخلوقات ، أو ما يتعلق بما في نفسه من نوايا ، ومنها ما يرتبط بالأسماء والأصوات والكلام وكلها تتيح للمتوسم التوسم بالأشياء المراد توسمها ومعرفتها)