أرادت زينب وأرادوا .. فرزقها الله من حيث لا تحتسب(4)
يذكر المحدث القمي في كتابه ( نفس المهموم ) ص 399 ما نصه :
" فلما استشهد الحسين عليه السلام حمل علي بن الحسين عليه السلام مع الحرم وأدخل على اللعين يزيد , وكان لابنه أبي جعفر عليه السلام سنتان وشهور , فأدخل معه , فلما رآه يزيد قال له : كيف رأيت ياعلي ؟ قال : رأيتُ ما قضاه الله عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض . فشاور يزيد جلساءه في أمره فأشاروا بقتله ... فابتدر أبو جعفر عليه السلام الكلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ليزيد : لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه حيث شاورهم في موسى وهارون , فإنهم قالوا له : أرجه وأخاه , وقد أشار عليك هؤلاء بقتلنا , ولهذا سبب . فقال يزيد : وما السبب . فقال : إن هؤلاء كانوا لرشدة وهؤلاء لغير رشدة , ولا يقتل الأنبياء و أولادهم إلا أولاد الأدعياء . فأمسك يزيد مطرقا "
في مثل هذا المجلس تدخل ابنة أمير المؤمنين عليهما السلام وتصدع بمنطق علوي يجريه الله على لسانها قائلة : (أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة ؟! ... أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! ) إن مقالة ابنة علي تطابق قول أبيها علي عليه السلام وهي تنقل منطقه وحجته وهو الذي لايزيده اجتماع الناس حوله عزة ولا تفرقهم عنه وحشة .. إن مقولة زينب تلك مقوله تشبه رسالة الأمير لمعاوية ردا على رسالة له يقول فيها (و زعمت أنّ أفضل النّاس في الإسلام فلان و فلان فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه ، و إن نقص لم يلحقك ثلمه ، و ما أنت و الفاضل و المفضول ، و السّائس و المسوس ، و ما للطّلقاء و أبناء الطّلقاء ، و التّمييز بين المهاجرين الأوّلين ، و ترتيب درجاتهم ، و تعريف طبقاتهم ) فالأمير يذكـّر معاوية بأصله فما هو إلا طليق وابن طليق , وليس له أن يتحدث عن المهاجرين والأنصار وما هو إلا أسير لعلي عليه السلام منـّة إطلاقه .
وهاهي من نطقت بلسان علي ووقفت بشجاعة علي تقول ليزيد غير آبهة بجبروته كاشفة له أصله وتاريخه ( أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك ...) وكأنها تقول له أنا وأهل بيتي من أطلقك أنت وأباءك !!
ويقول علي في موضع آخر من كتابه لمعاوية (قلت إنّى كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع ، و لعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، و أن تفضح فافتضحت و ما على المسلم من غضاضة فى أن يكون مظلوما ، ما لم يكن شاكّا فى دينه ، و لا مرتابا بيقينه )
فهو يقول له أنا لا يمكن أن أعترف بالسقيفة وأذهب لتلك البيعة بقدمي ، فمثلي لا يذهب لمثل هذه البيعة مختارا ويعطي شرعية للباطل , ولم يلزمني بها إلا وقوعي بين خيارين : إما أن أقاتل و أدافع عن حقي ثم يضيع دمي وينتهي الدين ولا يعود الإسلام إلا ألعوبة بأيدي العرب, أو أن أقيد وأؤسر وأبايع مجبورا في سبيل حفظ الدين . وابتلاء علي ذاك هو عين ابتلاء زينب وكلمة علي تلك هي نفس كلمة زينب حين قالت ليزيد (ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك و أستعظم توبيخك ، ألا فالعجب العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء) فلو لم أؤسر لما رأيتني في مجلسك فأنا لا أعترف بك ولا أقيم لك وزنا , ولكني خيرت بين أن أؤسر و يبقى الدين والشريعة, وبين أن لا أؤسر ويمحى الدين والشريعة .
زينب خيرت بين أمرين لا ثالث لهما كالحسين عليه السلام حين خير بين السلة والذلة .. , خيرت بين أن تساق أسيرة و يفتح الله لها سبل من حيث لا تحتسب بحسب مقتضى قانون تقوى الله . والخيار الآخر أن يبقى الحسين وترا ويفصل عن الأمة ويقضى على كربلاء .
ولا تختار زينب إلا أن تعتز بالله وتعتصم به , وتختار الأسر لكي تفضح يزيد وتسقط الدولة التي أقيمت على بغض آل محمد صلوات الله عليهم وتخلق أمة جديدة . فيا عجبا لأسيرة أسرت كل الأسباب وفتحت أسبابا لرضا الله وأشرعت للامه طرق جديدة للعفو والمغفرة.
الاستاذة العالمة الفاضلة أم عباس
يذكر المحدث القمي في كتابه ( نفس المهموم ) ص 399 ما نصه :
" فلما استشهد الحسين عليه السلام حمل علي بن الحسين عليه السلام مع الحرم وأدخل على اللعين يزيد , وكان لابنه أبي جعفر عليه السلام سنتان وشهور , فأدخل معه , فلما رآه يزيد قال له : كيف رأيت ياعلي ؟ قال : رأيتُ ما قضاه الله عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض . فشاور يزيد جلساءه في أمره فأشاروا بقتله ... فابتدر أبو جعفر عليه السلام الكلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ليزيد : لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه حيث شاورهم في موسى وهارون , فإنهم قالوا له : أرجه وأخاه , وقد أشار عليك هؤلاء بقتلنا , ولهذا سبب . فقال يزيد : وما السبب . فقال : إن هؤلاء كانوا لرشدة وهؤلاء لغير رشدة , ولا يقتل الأنبياء و أولادهم إلا أولاد الأدعياء . فأمسك يزيد مطرقا "
في مثل هذا المجلس تدخل ابنة أمير المؤمنين عليهما السلام وتصدع بمنطق علوي يجريه الله على لسانها قائلة : (أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة ؟! ... أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! ) إن مقالة ابنة علي تطابق قول أبيها علي عليه السلام وهي تنقل منطقه وحجته وهو الذي لايزيده اجتماع الناس حوله عزة ولا تفرقهم عنه وحشة .. إن مقولة زينب تلك مقوله تشبه رسالة الأمير لمعاوية ردا على رسالة له يقول فيها (و زعمت أنّ أفضل النّاس في الإسلام فلان و فلان فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه ، و إن نقص لم يلحقك ثلمه ، و ما أنت و الفاضل و المفضول ، و السّائس و المسوس ، و ما للطّلقاء و أبناء الطّلقاء ، و التّمييز بين المهاجرين الأوّلين ، و ترتيب درجاتهم ، و تعريف طبقاتهم ) فالأمير يذكـّر معاوية بأصله فما هو إلا طليق وابن طليق , وليس له أن يتحدث عن المهاجرين والأنصار وما هو إلا أسير لعلي عليه السلام منـّة إطلاقه .
وهاهي من نطقت بلسان علي ووقفت بشجاعة علي تقول ليزيد غير آبهة بجبروته كاشفة له أصله وتاريخه ( أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك ...) وكأنها تقول له أنا وأهل بيتي من أطلقك أنت وأباءك !!
ويقول علي في موضع آخر من كتابه لمعاوية (قلت إنّى كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع ، و لعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، و أن تفضح فافتضحت و ما على المسلم من غضاضة فى أن يكون مظلوما ، ما لم يكن شاكّا فى دينه ، و لا مرتابا بيقينه )
فهو يقول له أنا لا يمكن أن أعترف بالسقيفة وأذهب لتلك البيعة بقدمي ، فمثلي لا يذهب لمثل هذه البيعة مختارا ويعطي شرعية للباطل , ولم يلزمني بها إلا وقوعي بين خيارين : إما أن أقاتل و أدافع عن حقي ثم يضيع دمي وينتهي الدين ولا يعود الإسلام إلا ألعوبة بأيدي العرب, أو أن أقيد وأؤسر وأبايع مجبورا في سبيل حفظ الدين . وابتلاء علي ذاك هو عين ابتلاء زينب وكلمة علي تلك هي نفس كلمة زينب حين قالت ليزيد (ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك و أستعظم توبيخك ، ألا فالعجب العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء) فلو لم أؤسر لما رأيتني في مجلسك فأنا لا أعترف بك ولا أقيم لك وزنا , ولكني خيرت بين أن أؤسر و يبقى الدين والشريعة, وبين أن لا أؤسر ويمحى الدين والشريعة .
زينب خيرت بين أمرين لا ثالث لهما كالحسين عليه السلام حين خير بين السلة والذلة .. , خيرت بين أن تساق أسيرة و يفتح الله لها سبل من حيث لا تحتسب بحسب مقتضى قانون تقوى الله . والخيار الآخر أن يبقى الحسين وترا ويفصل عن الأمة ويقضى على كربلاء .
ولا تختار زينب إلا أن تعتز بالله وتعتصم به , وتختار الأسر لكي تفضح يزيد وتسقط الدولة التي أقيمت على بغض آل محمد صلوات الله عليهم وتخلق أمة جديدة . فيا عجبا لأسيرة أسرت كل الأسباب وفتحت أسبابا لرضا الله وأشرعت للامه طرق جديدة للعفو والمغفرة.
الاستاذة العالمة الفاضلة أم عباس
