بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما معنى قول آدم (عليه السلام) : (ربَّنَا ظَلَمنا أنْفُسَنا)؟
إنّ الظلم ليس إلاّ بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، ومن أمثال العرب قولهم «من أشبه أباه فما ظلم» . قال الأصمعي: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وفي المثل «من استرعى الذئب فقد ظلم» ولأجل ذلك يُعد العدول عن الطريق ظلماً، يقال: «لزموا الطريق فلم يظلموه» أي لم يعدلوا عنه. (1)
فإذا كان معنى الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه وتجاوز الحد، لا يلزم أن يكون كل ظلم ذنباً بل يشمله وغيره، فمن لم يسمع قول الناصح المشفق وعمل بخلاف قوله فقد وضع عمله في غير موضعه، كما انّ من خالف النهي التنزيهي فقد عدل عن الطريق الصحيح.
وبالجملة: فكل مخالفة وانحراف عن طريق الصواب ظلم. سواء أكان الأمر المخالف مولوياً أم إرشادياً، إلزامياً أم غيره.
أضف إلى ذلك أنّه سبحانه يعد الظلم للنفس مقابلاً لعمل السوء، ويقول: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً)(2).
والآية تُعرب عن أنَّ الظلم للنفس ربّما يكون غير عمل السوء، وعند ذلك يتضح أنّ قول آدم: (رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنْفُسَنا) لا يستلزم الاعتراف بالذنب، لأنّ الظلم
للنفس غير عمل السوء، فالأوّل موجب لحط النفس عن مكانتها ولا يستلزم تجاوزاً عن حدود اللّه، بخلاف عمل السوء فإنّه تجاوز على حدوده، وبذلك يعلم أنّ المراد من قوله سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)(1) هو الظلم للنفس المستلزم لحط النفس عن مكانتها، في مقابل عمل السوء المستلزم للتجاوز على حدوده سبحانه.
1 . لسان العرب: مادة «ظلم».
2 . النساء: 110.
مفاهيم القرآن / ج 5
الشيخ جعفر السبحاني .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما معنى قول آدم (عليه السلام) : (ربَّنَا ظَلَمنا أنْفُسَنا)؟
إنّ الظلم ليس إلاّ بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، ومن أمثال العرب قولهم «من أشبه أباه فما ظلم» . قال الأصمعي: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وفي المثل «من استرعى الذئب فقد ظلم» ولأجل ذلك يُعد العدول عن الطريق ظلماً، يقال: «لزموا الطريق فلم يظلموه» أي لم يعدلوا عنه. (1)
فإذا كان معنى الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه وتجاوز الحد، لا يلزم أن يكون كل ظلم ذنباً بل يشمله وغيره، فمن لم يسمع قول الناصح المشفق وعمل بخلاف قوله فقد وضع عمله في غير موضعه، كما انّ من خالف النهي التنزيهي فقد عدل عن الطريق الصحيح.
وبالجملة: فكل مخالفة وانحراف عن طريق الصواب ظلم. سواء أكان الأمر المخالف مولوياً أم إرشادياً، إلزامياً أم غيره.
أضف إلى ذلك أنّه سبحانه يعد الظلم للنفس مقابلاً لعمل السوء، ويقول: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً)(2).
والآية تُعرب عن أنَّ الظلم للنفس ربّما يكون غير عمل السوء، وعند ذلك يتضح أنّ قول آدم: (رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنْفُسَنا) لا يستلزم الاعتراف بالذنب، لأنّ الظلم
للنفس غير عمل السوء، فالأوّل موجب لحط النفس عن مكانتها ولا يستلزم تجاوزاً عن حدود اللّه، بخلاف عمل السوء فإنّه تجاوز على حدوده، وبذلك يعلم أنّ المراد من قوله سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)(1) هو الظلم للنفس المستلزم لحط النفس عن مكانتها، في مقابل عمل السوء المستلزم للتجاوز على حدوده سبحانه.
1 . لسان العرب: مادة «ظلم».
2 . النساء: 110.
مفاهيم القرآن / ج 5
الشيخ جعفر السبحاني .