اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأسرار الباطنية للأذان والأقامة
الآذان والإقامة من المهيئات للدخول في بحر الصلاة، ولكن لمن يتأمل في المضامين.. يلاحظ أن هناك تشابها كبيراً، في الفقرات بين الأذان والإقامة: أوله التكبير، وآخره التهليل.. في البداية: الله أكبر وفي الأخير: لا إله إلا الله، فلفظ الجلالة على لسانك أولاً ولفظ الجلالة على لسانك آخراً، وهي لفظة مباركة. ..
يقال بأن لفظ الجلالة فيه امتياز، فكلما حذفت منه شيئاً بقي الآخر صاحب معنى: احذف الهمزة (الألف) في لفظ الجلالة يبقى (لله) لله ما في السماوات، احذف اللام الأخرى يبقى (له) أيضاً يعود إليه، احذف اللام الأخرى يبقى (هو) لا إله إلا هو، الهاء أيضاً ترمز وتدل عليه!..
الله أكبر: إن التكبيرعبارة عن مادة متكررة في الآذان في الإقامة، وافتتاح الصلاة وقبل وبعد كل ركعة وسجدة.. إن الذي يعيش ملكوت التكبير، ويعلم ما هو معنى التكبير، هذاالإنسان بمثابة من جعل أجهزة إنذار في صلاته، فعندما يسهو يقول: الله أكبر، فيعود إلى تكبيرته الأولى، ويصحو مما هو فيه؟.. إن التكبيرة في الصلوات اليومية، بمثابة جرس الإنذار، ليرجع المصلي في كل ساعة إلى نصابه.
أشهد أن لا إله إلا الله : عندما يتشهد المصلي،فإن هذه الشهادة مكلفة، هذه الشهادة ليست مزيّة وإنما مسئولية، فعندما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله؛ أي لا معبود إلا الله، فقد ألزم نفسه بطاعة الله -عز وجل-ورفض الآلهة جميعاً، ومن الآلهة الهوى، وقد ورد في القرآن الكريم {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}..فالهوى إلهُ يُعبد من دون الله -عز وجل- فالذي يشهد بالوحدانية، عليه أن يكون صادقاً في قوله.
أشهد أن محمداً رسول الله : إن رب العالمين، هو رب النبي، وهو باعث النبي، وهو خالق النبي.. ولكن جعل ذكر حبيبه المصطفى مع ذكره.. وهذا معنى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.. فعند الأذن، وعند التشهد وعند التسليم، يذكر الرسول (ص) بعد ذكر الله عز وجل .. وعندما يشد المرء الرحال إلى بيته الحرام، يزور المصطفى (ص).. إن رب العالمين إذا أراد أن يرفع ذكر عبدٍ، له طرقه، بما لا يخطر على بال أحد من مورثات المحبة، وخلود الذكر.. عن أبي عبد الله (ع) قال: (كان أمير المؤمنين (ع) يقول لأصحابه: من سجد بين الأذان والإقامة، وقال في سجوده: «ربي!.. سجدت لك خاشعاً خاضعاً ذليلاً» يقول الله تعالى: ملائكتي!.. وعزتي وجلالي، لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين، وهيبته في قلوب المنافقين).. إذ أن أشرف مكان في الرأس وهي الجبهة، يوضع على أرخص شيء في الوجود، ألا وهو التراب.
الأذان والإقامة فيها ثلاث جمل تبدأ بكلمة (حي): (حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل)!..ومعنى هذه الكلمة في اللغة العربية: عجِّل!.. وكل جملة مكررة مرتين، فيكون المجموع اثنا عشرة مرة، ورب العالمين ينادي عبده أقبل عليَّ بعجل!.. أنا أريدك أن تأتيني مستعجلاً!.. وعادةً هذه الحالة من الإلحاح والاستعجال تكون: إما لشدة الشوق، أو لشدة الحاجة.. وإذا كان الداعي المصر في دعوته هو أمير البلاد، فإذن ينتفي الأمر الثاني، ويبقى الشوق وقد يحب أن يعطيك شيئاً.. رب الأرباب في الأذان والإقامة كم مرة يقول عجِّل؟!.. اثنا عشرة مرة: ستة في الأذان، وستة في الإقامة..
- ان الإنسان الذي لا يوقر نداء الله -عزوجل- ولا يسارع إلى تلبية ندائه، فلا ينبغي له أن يتوقع الاستجابة السريعة من رب العالمين.. ومن الطريف أن الانسان لما يكون في غرفة الإنعاش، ويعيش بين الحياة والموت أيضاً يقول: حي على الشفاء!.. حي على الشفاء!.. ولكن رب العالمين يردها عليه، فيؤخر عليه الاستجابة، وقد لا يستجيب له معاملة له بالمثل!..
يقال: كان هنالك حمَّال في بلدة يقال لها تبريز، رأى طفلاً يسقط من السطح فمد يد اليه، فسقط هذا الطفل على الأرض سليماً.. فاجتمع الناس حوله متعجبين: أنت من؟.. أنت ولي!.. أنت كذا!.. فقال لهم: لماذا هذا التعجب؟!..أنا أطعت ربي عمراً فأطاعني!.. أي سألته أن ينقذ هذا الطفل فأجابني، وهذا ليس بأمر غريب..
قد قامت الصلاة.. أي أن الصلاة قامت، فادخل في خيمة الصلاة!.. إن إقامة الصلاة، معنى يغاير أداء الصلاة.. فالإقامة أن يصلي الإنسان الصلاة بشرائطها، كما أرادها الله عز وجل، أما نحن فإننا نقرأ الصلاة ولا نقيمها.. إن قراءة الصلاة عبارة عن التلفظ: بالتكبير، والقراءة، وذكر الركوع، والسجود، والتشهد، والتسليم.. إلا أن إقامة الصلاة معنى مغاير، بمثابة الخيمة التي تقيمها على عمود على وجه الأرض.. فإذن، إن للصلاة إقامة كما لو وضعت عموداً تحت ذلك.. وبالتالي، فإن في الأذان والإقامة تذكيرا بهذا المعنى.
على كلٍّ، إن تركيبة الأذان والإقامة، إذا قرأها الإنسان بتوجه ينتقل انتقالاً تدريجياً إلى بحر الصلاة.
قال الإمام علي (عليه السلام) : ومعنى " قد قامت الصّلاة " في الإقامة أي حان وقت الزيارة والمناجاة ، وقضاء الحوائج ، ودرك المنى ، والوصول إلى الله عزَّ وجلَّ ، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه
- إن التأمل في جمل الأذان والإقامة من موجبات الخشوع في الصلاة..ومن المعلوم أن هذه الجمل من الوحي، فرب العالمين هو الذي صاغها.. ولو تأمل الإنسان في ملكوت الأذان والإقامة، لكان من المستحيل أن لا يصلي في أول الوقت، فالخجل يمنعه من التأخير، والوجل يدفعه للتقديم..