__________________
مالعيني قد غاب عنها كراها = وعراها من عبرة ما عواها
حاش لله لست أطمع نفسي = آخر العمر في اتباع هواها
بل بكائي لذكر من خصها الله = تعالی بلطفه واجتباها
ليت شعري لم خولفت سنن = القرآن فيها والله قد أبداها
بنت من؟ ام من حليلة من = ويل لمن سن ظلمها وأذاها
وكذا أخبر النبي بأن الله = يرضی سبحانه لرضاها
السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة والزهراء المرضية، السلام عليك يوم ولدت مباركة ويوم رحلت مظلومة، مضطهدة السلام عليك وعلی ابيك المصطفی وبعلك المرتضی وأولادك .
السلام عليکم أيها الأخوة والأخوات وعظم الله أجورنا وأجورکم بذکری رحيل مولاتنا الصديقة فاطمة الزکية (عليها السلام)
*******
افتقادي فاطماً بعد أحمد
____________
لم يتجاوز عمر وديعة المصطفی الثمانية عشر ربيعاً عندما ودعت امته راحلة الی الرفيق الاعلی مظلومة تحمل علی جسدها الطاهر آثار ما نزل بها من ظلم وبعضها كانت تخفيها حتی عن زوجها المرتضی رأفة بغيرته العلوية التي تحملت كل ما نزل من مصاب جلل حرصاً علی حفظ الاسلام والمسلمين من نار الفتنة. لم تبق الصديقة الشهيدة بعد ابيها سوی أربعين أو خمسة وسبعين أو تسعين يوماً علی اكثر الاقوال المعتبرة.
وقد جمع بينها بعض العلماء المحققين بقوله (رحمه الله):
إنها (سلام الله عليها) قد لازمت فراش المرض بعد اربعين يوماً بسبب آلام الظلم والاذی الذي لحق بها يوم هجوم الدار وما بعده كمنعها حتی من البكاء في المدينة وقطع الشجرة التي كانت تستظل بها وغير ذلك مما يطول الكلام عنه.
وبعد خمسة وسبعين يوماً بلغ بها الضعف مبلغه حتی اصبحت كالخيال من ضعف بدنها كما ورد في حديث سليلها الصادق سلام الله عليه.
وبعد تسعين يوماً كان التحاقها بالرفيق الاعلی حيث فارقت روحها الطاهر جسدها المطهر وذلك في الثالث من شهر جمادي الاخرة من السنة الحادية عشر للهجرة.
روي المؤرخون انه لما توفيت الصديقة الشهيدة (سلام الله عليها) قال امير المؤمنين (عليه السلام):
"اللهم اني راض عن ابنة نبيك، اللهم انها قد أوحشت فآنسها، اللهم انها قد هجرت فصلها، اللهم انها قد ظلمت فأحكم لها وانت خير الحاكمين ".
ولما جن الليل غسلها وجهزها، وعملاً بوصيتها لم يدع للصلاة عليها سوی ابي ذر وسلمان والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان وابن مسعود في رواية، ولما واراها واخفی قبرها
أنشأ يقول:
أری علل الدنيا علي ً كثيرة = وصاحبها حتی الممات عليل
لكل اجتماع من خليلين فرقة = وان بقائي عندكم لقليل
وان افتقادي فاطماً بعد احمدِ = دليل علی ان لا يدوم خليل
*******
وفاة ليس كمثلها وفاة
____________
اشتملت قصة وفاة مولاتنا الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) علی كثير من الدروس والعبر العقائدية والاخلاقية، كيف لا وهي التي جعل الله جل جلاله رضاه وغضبه في رضاها وغضبها وهذا يعني ان من رضت عنه مولاتنا فاطمة (عليها السلام) رضا الله ومن غضبت عليه غضب الله جل جلاله عليه وهذا من أوضح الادلة علی عصمتها المطلقة ليس في افعالها فقط بل وفي مشاعرها ايضاً والعصمة في المشاعر أصعب وأعظم درجة وأسمی مرتبة من العصمة في الافعال.
فالانسان يمكن أن يكون معصوماً في افعاله فتكون افعاله الهية لكنه يكبت مشاعراً مضادة لها ومجاهدتها ابتغاء مرضاة الله عزوجل:
أي ان مشاعره تبقی خاضعة بدرجة او اخری لرغبات نفسية وان لم يسمح لها بأن تؤثر علی سلوكياته وافعاله. اما ان تصبح مشاعره الهية بالكامل فهذه مرتبة سامية تعني ان النفس ذاتها قد اصبحت متبعة حتی في رغباتها لارادة الله جل جلاله ولكن هذه ايضاً دون مرتبة مولاتنا الصديقة الزهراء (سلام الله عليها).
ان مرتبة العصمة المطلقة في الافعال والمشاعر التي تجلت في مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي مرتبة الطهارة المطلقة من كل ما سوی الله عزوجل اي ان نفسها الزكية هي الهية بالكامل، تعبر عن رضا الله وغضبه.
اي انها عليها افضل الصلاة والسلام تغضب لما يغضب الله وترضی لما يرضي الله عزوجل، ولذلك فان الله عزوجل يغضب لغضبها ويرضی لرضاها.
وبعبارة اخری فان رضاها (عليها السلام) وغضبها لا يخضع حتی للانفعالات البشرية غير المذمومة، بل هو منزه بالكامل عن ذلك والا لما صح أن يقول الصادق الامين الذي لا ينطق عن الهوی النبي الاكرم (صلی الله عليه وآله) ان الله يغضب لغضبها ويرضی لرضاها ومضمون هذا الحديث الشريف مروي من طريق الفريقين وفي مصادرهم المعتبرة مثل صحيح البخاري - عند اهل السنة - وغيره كثير ولذلك فهو دليل من السنة النبوية المتفق عليها علی هذه المرتبة السامية من العصمة المطلقة التي تجلت في مولاتنا فاطمة الزكية.
ومن هذا الحديث الشريف ينطلق طالب الحق والحقيقة والساعي الی مرضاة الله عزوجل لدراسة قصة وفاة الصديقة الشهيدة فاطمة الزكية (سلام الله عليها) ليتعرف منها علی معالم الدين الحق واصحابه ومن ارضی الله ومن اغضبه
قال رسول الله (صلی الله عليه وآله) للصحابي الجليل سلمان المحمدي رضي الله عنه وفي الحديث الذي رواه الفقيه الشافعي الحافظ ابو عبد الله ابراهيم بم محمد بن ابي بكر الجويني في كتابه القيم فرائد السمطين قال:
"يا سلمان، من احب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ومن رضيت عنه (رضي الله عنه)، ومن غضبت عليه غضبت عليه ومن غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها".
والمعيار الذي يتضمنه مضمون هذا الحديث النبوي الشريف عام يشمل جميع العصور الاسلامية .
نفسي علی زفراتها محبوسة = ياليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وانما = أبكي مخافة أن تطول حياتي
كانت هذه الابيات المليئة باللوعة بعض ما أنشأ الوصي المرتضی عند وفاتها الصديقة الشهيدة الزهراء (عليها السلام) طبق مارواه الحاكم في مستدركه علی الصحيحين
وروي ايضاً، انه (عليه السلام) قال بعد وفاتها:
حبيب ليس يعدله حبيب = وما لسواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن عيني وجسمي = وعن قلبي وروحي لا يغيب
وقال (سلام الله عليه) مخاطباً، الصديقة الشهيدة (عليها السلام):
فراقك أعظم الاشياء عندي = وفقدك فاطم أدهی الثكول
سأبكي حسرة وأنوح شجواً = علی خلمضی أسنی سبيل
الا يا عين جودي = حزني دائم أبكي خليلي
*******
دروس في الساعات الأخيرة
______________
روي العلامة المجلسي في كتاب البحار أنه كان من وصية الصديقة الكبری لزوجها المرتضی - عليهما والهما افضل الصلاة والسلام - قبيل وفاتها أنه قالت له:
أوصيك يابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا لي صورته، فقال لها صفيه لي، فوصفته، فاتخذه لها فأول نعش حمل علی وجه الارض ذاك، وما رأی احد قبله ولا عمل أحد. وفي ذلك عبرة جليلة في عظمة العفة الفاطمية وتكريم الحجاب في الاسلام، فقد كان المألوف قبل وفاة حبيبة المصطفی (صلی الله عليه وآله) أن يحمل المتوفی علی سرير لاغطاء له ويوضع علی جسده قماش يغطيه لكن تبقی معالم بدنه واضحة للرائي، وهذا ما انكرته سيدة العفاف والطهر وسنت سنة النعش الكريمة في الاسلام،
قال الامام الصادق (عليه السلام): أول من جعل له النعش فاطمة بنت محمد (صلی الله عليه وآله)
وبملاحظة الرواية الاولی ونزول الملائكة علی الصديقة الكبری بصورة النعش يتضح أن الامر يرتبط بتكريم خاص من الله جل جلاله لصفيته وام أصفيائه الزهراء المرضية (سلام الله عليها)
ومن الدروس المؤثرة التي اشتملت عليها قصة وفاة الصديقة الشهيدة حبيبة الله ورسوله وأوليائه فاطمة المظلومة (سلام الله عليها) دعاؤها للمذنبين من أمة محمد (صلی الله عليه وآله) وهي في الساعات الأخيرة من حياتها الشريفة.
فقد روي المؤرخون عن أسماء أو سلمی بنت عميس أن الزهراء طلبت قبيل وفاتها أن تأتيها ببقية حنوط أبيها المصطفی وتضعه تحت رأسها وتخرج عنها لأنها تريد أن تناجي ربها.
قالت أسماء:
فخرجتُ عنها فسمعتها تناجي ربها فدخلت عليها وهي لا تشعر بي، فرأيتها رافعة يديها الی السماء وهي تقول:
اللهم إني أسألك بمحمدٍ المصطفی وشوقه إليّ وببعلي علي المرتضی وحزنه عليّ، وبالحسن المجتبی وبكائه عليّ، وبالحسين الشهيد وكآبته عليّ، وببناتي الفاطميات وتحسرهن علي أن ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد (صلی الله عليه وآله) وتدخلهم الجنة إنك أكرم المسؤولين وأرحم الراحمين.
ولم يؤثر عن غير الصديقة الزهراء (سلام الله عليها) مثل هذا الدعاء وفي ساعات الإحتضار الصعبة، فما الذي يعبر عنه هذا الموقف؟وما الذي يكشف عنه من أبعاد رأفة أم الأئمة وأم أبيها (سلام الله عليها) بالأمة المحمدية؟
قال القاضي ابوبكر بن قريعة من قصيدة له في مأساة الزهراء (عليها السلام).
ولأي حالٍ لُحدِّت = بالليل فاطمة الشريفة
آهٍ لبنت محمدٍ = ماتت بغصتها آسيفة
أما مسك ختام هذا اللقاء الخاص بذكری وفاة بضعة المختار وأم الأئمة الأطهار وعبرة الكرار سيدة النساء الزهراء (عليها السلام) فهو أن نتقرب الی الله تبارك وتعالی بزيارة أمته الطاهرة من بعيد بهذه الفقرات من زيارتها المروية عن أئمة العترة والتي رواها السيد ابن طاووس (رحمه الله) في كتاب الإقبال
فنقول:
السلام عليك يا أم المؤمنين، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة السلام عليك أيتها الصادقة الرشيدة، السلام عليك يا والدة الحجج علی الناس أجمعين.
السلام عليك أيتها المظلومة الممنوعة حقها، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة حقها، السلام عليك أيتها الغراء الزهراء السلام عليك يا فاطمة بنت محمد رسول الله ورحمة الله وبركاته.
اللهم صلّ عليها صلاة تُزيد في محلها عندك وشرفها لديك ومنزلتها من رضاك، وبلغها منا تحية وسلاماً وآتنا في لدنك في حبها فضلاً وإحساناً ومغفرةً وغفرانا إنك ذو العفو الكريم يا أرحم الراحمين.
__________
برامج الاذاعة/أيام خالدة