اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابا صالح التماس دعا
وَأَعِنّا عَلى تَأدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَالاجْتِهادِ فِي طاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَعْصِيَتِهِ، وَامنُنْ عَلَيْنا بِرِضاهُ وَهَبْ لَنا رَأفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدَعائَهُ وَخَيْرَهُ مانَنالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَفَوْزاً عِنْدَكَ
يا لثارات الحسين
ابا صالح التماس دعا
إن لزيارة العظماء والقدّيسين، أصحاب الرسالات آثاراً إيجابيةً تعود تارة إلى الزائر وأخرى إلى المزور.
أما الأُولى: فلأنّ الزيارة صلة بين الكامل ومن يروم الكمال، فالدوام على مواصلته محاولة للتخلق بأخلاقه، واتباع منهجه وتجديد العهد معه، ولذلك لا تجد إنساناً وقف أمام قبر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وزاره إلا ويتأثر بشخصه وشخصيته، وإن كان التأثر قليلاً مؤقتاً، فزيارتهم تقترن غالباً بذرف الدموع، والعطف والحنان على المزور، وهي لا تنفك عن تحوّل نفسي وأخلاقي وحب وودّ لهم، وبالتالي شعوره بقربه منهم ومشاطرته لأهدافهم،
أما الثانية: أن زيارة العظماء هي تخليد لذكراهم، وتجسيد لرسالاتهم في الأذهان، وبالتالي تكون سبباً لقائهم أحياءً في كل عصر، وقرن، لا يتسرّب إلى وجودهم ورسالاتهم وبطولاتهم أدنى ريب وشك، فبذلك يتجلّى المزور في كل زمان حياً في القلوب وفي المجتمع، كما لو كان موجوداً بشخصه في زمن الزائر، فكأن الزيارة استمرار لبقائهم في القلوب تجلي الصدأ عنها، وتتجلّى صحة وجودهم للخلف كما تجلّت للسلف وتكون بمنزلة الدليل على وجودهم ورسالاتهم وبطولاتهم.
فلو حذفنا الزيارة من قاموس حياتنا وتركنا مزارهم وأقفلنا أبواب بيوتهم ولم نهتمّ بآثارهم طوال قرون، فقد جعلنا آثارهم في مهبّ الفناء والتدمير، وبالنتيجة التشكيك في أصل وجودهم وبعثهم، وبالتالي تصبح تلك الشخصيات بعد قرون أساطير تاريخية للخلق، فيتلقّون النبي والإمام بل الأنبياء كلهم قصصاً تاريخية نسجتها يد الخيال، كما هو الحال في كثير من القصص التاريخية التي أصبحت تُروى على ألسن الأطفال وفي المنتديات.
إن الإنسان الغربي يتمتع في حياته بكل ما هو غربي إلا الدين والمذهب، فإنّ مذهبه شرقي، لأن المسيح وليد الشرق ومبعوثه سبحانه إلى أرض فلسطين وغيرها وبما أن الغربي لا يجد أثراً ملموساً للمسيح في حياته فمثلاً ليس له قبر حتى يُزار ولا لأُمه قبر حتى يُنسب إليها، ولا لكتابه صورة صحيحة يؤمن به، ولا لتلاميذه وحوارييه آثار ملموسة، فلذلك صارت الديانة المسيحية أسطورة تاريخية في نظر الغرب وشبابه ومما أثّر في ذلك هو فقدان كل أثر ملموس عن سيدنا المسيح في حياتنا البشرية، ولو أن القرآن الكريم جاء بذكره ورسالته ومواقفه لكان الشك متسرّباً إلى أذهاننا وأفكارنا.
وهذا بخلاف ما لو كان له أثر ملموس يُزار بين آونة وأخرى، وتشدّ الرحال إليه عندئذ لكانت الديانة المسيحية حيّة نابضة بلا شك وريب.
ومن الأسباب والوسائل التي أضفت على الإسلام حيوية وعلى نبيّه بقاءً في القلوب وعلى مواقفه وبطولاته خلوداً في الأذهان والضمائر، هو وفود المسلمين في كل شهر وسنة إلى موطنه (مكة) ومهجره (المدينة) وزيارة قبره وآثاره وقبور أولاده وأصحابه ومشاهدة مولده ومبعثه وما يمتّ إليه بصلة طوال حياته، حيث أضفت هذه الوفادة المستمرة على وجوده ورسالته نوراً وضياءً، وواقعية تُذهب كلّ ريب وشك وتقرّ في النفوس عظمته وبطولاته.
وإذا كانت الذكرى ناقوساً في وادي النسيان يذكّرك الحبيبَ ويرنّ في أسماعك جماله وكماله، فزيارته والمثول أمام آثاره وعظمته تُؤثر في خلوده وبقائه في النفوس وتزيل غبار النسيان عنه.
لذا نرى أن الفقهاء أفتوا بأنه يجب على الحاكم الإسلامي تجهيز المسلمين من بيت المال وإرسالهم إلى الحج إذا خلت الكعبة عن الزوار لئلا تنسى وحتى تبقى خالدة في قلوب المسلمين ومهوى أفئدتهم، فكذلك قبور الأنبياء والمرسلين وفي مقدمتهم سيدنا سيد الرسول نبينا الأكرم عليه صلوات الله وعلى آله ومن تبعه بإحسان، وذلك لأن هجرة قبورهم وعدم الاهتمام بها تمهيد لنسيانهم ورسالاتهم وبالتالي القضاء على الإسلام.
وفقنا الله واياكم لخدمة ونصرة بقية الله الاعظم الامام الهمام المنتظر المهدي الحجة بن الحسن (ع) (عج)
نسألكم براءة الذمة والدعاء
في هذه الايام الفضيلة
العلامة الشيخ جعفر السبحاني