من أبرز مظاهر التخلّف المسلكي الإيماني الشائع في هذه الأيام هو عدم الاهتمام للقيام لأداء صلاة الصبح، وخطورة هذا الأمر أنه آخذ بالانتشار دون مؤاخذة أو توقف أو مراجعة، حتى بات الأمر عادياً عند كثير من المسلمين، فتسمع كلَّ يوم مَن يقول انَّه لم يُصلِّ صلاة الصبح في وقتها منذ أسابيع، وكأنَّه خبرٌ عادي، وهذا يدل على تردي على صعيد الالتزام والتدين إضافة إلى إهمال ركنٍ من أركان الإسلام التي شاءها الله لعباده.
هذه الظاهرة يجب أن تعالج بسرعة دون إهمال أو تسويف لأنّ مضاعفاتها خطيرة جداً، ولا يجوز التغاضي عنها أو إهمالها أو التقليل من شأنها أو استسخافها... فحقّ الله لا يُتهاون فيه في أي حالٍ من الأحوال.
ومن أبرز ميزات المجتمع الإسلامي قيام أفراده لأداء هذه الفريضة الإلهية مع ما يحمل ذلك من معانٍ وفوائد للدنيا والآخرة.
قال الله جلّ جلاله:
﴿...إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾(النّـِسـَـاء: 103).
وقال عزّ من قائل:
﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودً﴾(الإسـرَاء: 78).
لقد تخلَّف كثير من المسلمين اليوم عن صلاة الفجر لذا يقومون بأدائها في غير وقتها، أي بعد شروق الشمس، وذلك بسبب الاستغراق في النوم الناتج في الغالب عن السهر الطويل أو العكوف على أجهزة اللهو أو التعب أو أسباب أخرى.... مادية أو معنوية.
وكان آباؤنا وأجدادنا إلى زمن قريب يحرصون أشد الحرص على النوم مبكّرين، فيغلقون أبواب بيوتهم ويخفّفون من الطعام، فيقوم الواحد منهم لصلاة الفجر بكلّ نشاط وهمّة، وهو طيِّب النفس، مُتمتِّعاً بنسيم السَّحَر وآذان الفجر، فلم يُحرموا من تلك البركات لذا عاشوا عيشة هنيئة مليئة بالعافية النفسية والصحية.
ولما غزتنا المدنيَّة الحديثة، وغيَّرت علينا الكثير من شؤون ديننا ودنيانا، كان من نتيجة ذلك أن دبَّ الكسل والخمول في النفوس وترهّلَت الأجسام وتراكمت الشحوم عليها، وقلَّت الحركة وكَثُر النوم، بل والعجز عن القيام ببعض الأعمال البسيطة، ومنها الاستيقاظ لصلاة الفجر.
كلُّ ذلك يجري، وهوى النفس يتمادى في غيّه ليقلّد أهل النفاق نعوذ بالله تعالى، الذين قال فيهم:
﴿...وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾(التّوبـَـة: 54).
كيف نقوم لنصلّي صلاة الصبح؟
هناك عدّة خطوات يمكن للمسلم إذا اتّبعها أن يعتاد أو يزداد اعتياداً ومواظبة على القيام لصلاة الفجر... نذكرها بعد الاستعانة بالله تبارك وتعالى، ومنها:
1- أن يعمل الإنسان على النوم مبكّراً، والمجاهدة في الحرص على ذلك، وترك السهر إلى ساعاتٍ متأخرة... لأنّ ذلك ينافي الفطرة السويّة. رُوي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يكره الحديث بعد صلاة العشاء.
ولعلَّ سبب كراهة الحديث بعدها، خوفه من أن يؤدي ذلك إلى السهر، والذي يُخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو عن صلاة الصبح في وقتها المفروض أو في وقتها الجائز أو الأفضل....مما يُؤدِّي إلى قساوة القلب بعد البُعد عن العبادات الحبيبة.
والقلب القاسي لا تؤثر فيه المواعظ، لذا كان على المسلم أن يتجنّب السهر بلا نفع أو بلا سبب وجيه أو للَّهو، وما يكون سبباً في قسوة قلبه كفضول الطعام والشراب وكثرة الكلام والنظر والسماع إلى ما لا ضرورة له، أو إلى شؤون الدنيا الصارفة عن أمر الآخرة، فإنَّ التماديَ في ذلك، حتّى ولو كان محلّلاً، له آثاره على كلِّ حال...فضلاً عن الشائع اليوم في مجتمعاتنا من انتشار الطرب والغناء، والتي قد أصبحت متوفّرة في كلّ شارع ومقهى وتلفاز، وهذا من ابتلاءات آخر الزمان.... فعلى المؤمن الغيور، أن يحرص على تحصين قلبه من المؤثِّرات الخارجية.
والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها، أما ما فيه مصلحة وخير، فهو مستـثنى ولا كراهة فيه، كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للأنس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة والإصلاح بين الناس والشفاعة فيما بينهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى مصلحة المسلمين ونحو ذلك... فكل هذا لا كراهة فيه.
والناس يتفاوتون في الحاجة إلى النوم، وفي المقدار الذي يكفيهم منه، فلا يمكن تحديد ساعات معينة يُفرض على الناس أن يناموا فيها، وهذا يختلف بحسب المرض والتعب والعمر والهمِّ والأشغال والخصوصية.... لكن على كل واحد أن يلتزم بالوقت الكافي لنومٍ، يستيقظ بعده لصلاة الفجر نشيطاً، والمُشاهَد أن غالب الذين ينامون متأخرين يمضون نهارهم أو ليلهم في خمول وكَدَر وحال تـشبه المرضى.
2- عدم الإكثار من الأكل قبل النوم، فإن الأكل الكثير من أسباب النوم الثقيل، ومَن أكل كثيراً، تعب كثيراً، ونام كثيراً، وخسر كثيراً، فليحرص الإنسان على التخفيف من طعام العشاء، وهذا هو المروي.
3- العزم عزما أكيداً على تأدية صلاة الفجر، أي عقد النيّة على ذلك، لأن النائم كالميّت لا يدري هل يستيقظ أم تُقبض روحه وهو نائم، ومن لم ينوِ أداء صلاة الفجر ثم أدركه الموت..... مات على سوء!!
ويتأَتَّى ذلك، من الإخلاص لله تعالى فهو خير دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة وهو "أمير الأسباب" المعينة للقيام، فإذا وُجد الإخلاص الذي يُحيي القلب من بعد سُباته، فهو كفيل بإذن الله تعالى بإيقاظ صاحبه لصلاة الفجر، وأن يدعو ربه أن يوفّقه للاستيقاظ لأداء هذه الصلاة المباركة... أما الذي ينام وهو يتمنى ألا تدق الساعة المنبّهة، ويرجو ألاَّ يأتي أحد لإيقاظه، فإنه لن يستطيع على الغالب، بهذه النيّة الفاسدة أن يقوم لتأدية صلاة الفجر، ولن يفلح في الاستيقاظ للصلاة وهو على هذه الحال من فساد القلب وسوء الطويّة.
وأمّا عمارة القلب بالإيمان، فإنها تدفع صاحبه إلى العمل الصالح بلا كلل ولا ملل، فشجرة الإيمان في القلب تثمر إذا سُقِيَتْ بروافد العمل الصالح فتُؤتى أُكُلَها سلوكاً وتعاملاً حسناً مع أفراد المجتمع.
4- الحرص على الطهارة (الوضوء) قبل النوم والقيام بآداب النوم، من استقبال القبلة وذكر الله تعالى والاستغفار والمحاسبة...
5- قراءة الأذكار التي تقال قبل النوم ومنها ذكر الله تعالى وقراءة آية الكرسي وقراءة آخر 4 آيات من سورة الكهف من الآية 107 الى الآية 110
6- في فصل الشتاء يُنصح بلبس الثياب المناسبة، التي تشعره بالدفء، وعدم التخفّف منها...حتى لا يُثبِّطه البرد عن القيام كُلَّما رفع الغطاء أو تقلب في فراشه...وهذا أمر مجرّب ونافع.
7- الاستعانة على القيام للصلاة، بالأهل والصالحين من المعارف، وتواصي الإخوان، وتعاون الجيران...
قال الله تعالى:
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَ﴾(طـه: 132).
وقال الله سبحانه:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.. وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى﴾(المَائدة: 2). ﴿...وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾(العَصر: 3).
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّ﴾(مَريـَـم: 65).
خاصة في هذه الأيام التي توفّرت فيها وسائل التواصل، فينبغي الاستفادة منها لإقامة أمر الله تبارك وتعالى.
8- ومن الوسائل المساعِدة "ساعة التـنبيه"، والأفضل أن توضع في مكان بعيد من الغرفة، لأنَّ وضعها قريبة من النائم تجعل شيطانه يُسوِّل له أن يطفئها متذمراً منها أو راغباً في إتمام نومه، وأمّا عندما تكون بعيدة فهو مُلزم للقيام لأداء واجبه.
9- البُعد عن المعاصي وحفظ اللسان والسمع وسائر الجوارح وإشغالها بما يخصها من عبودية، والتفكّر فيما في هذا الكون من مخلوقات ومطالعة كتب العلم، وهكذا سُئل أحد السلف عن السبب في عجزهم عن القيام لصلاة الليل فقال: "قيدتكم ذنوبكم".
وهذا المضمون مرويٌّ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فلا شك أن الذنوب تكون سبباً في حرمان العبد الطاعة والتلذّذ بها.
10- أن يدرك ما ورد في فضل القيام لصلاة الليل وصلاة الفجر من الأجر العظيم والثواب الجزيل.
وفي ذلك خيرات وبركات وكرامات لا يدركها إلاَّ من تذوقها.
قال الله ربي جلَّ جلاله:
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً *إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيل﴾(المـُـزّمل: 6-7).
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(المـُـزّمل: 20).
يا أيها المسلمون! لا تهملوا هذه الفريضة العظيمة لأنَّ التهاون بها له وبال على سعادتنا في الدنيا والآخرة، وكلُّ مَن تغافل عن هذا الأمر لا سمح الله سوف يلقى ما لا يتمنى.
* سماحة السيد سامي خضرة.