اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
مثلث النجاة
الشيخ مرتضى علي الباشا
لكي يصل الإنسان إلى كماله وسعادته, ويحقق الخلافة الإلهية في الأرض, يجب أن يهتم بتقوية العلاقة بين ثلاثة أمور مترابطة كزوايا المثلث (المعرفة- المحبة- الطاعة) .
القوة في أي زاوية من هذه الزوايا يورث قوة في الزاويتين الأخريين, وكذلك الضعف في أي زاوية يورث ضعفاً في الزاويتين الأخريين.
فمن ازداد معرفة بالله, ازداد حباً له وازداد له طاعة, ومن ضعفت معرفته لله؛ ضعف حبه وطاعته.
من ازداد طاعة لله تعالى, ازداد حباً له ومعرفة, ومن ضعفت طاعته؛ ضعف حبه ومعرفته, وهكذا.
والمقصود من الطاعة هنا هو معناها الواسع العام, بحيث لا يخرج الإنسان عن أوامر الله تعالى ونواهيه ويراقب نفسه ويطلب رضاه – سبحانه- في كل صغيرة وكبيرة.
كل زاوية من هذه الزوايا لها انعكاسات وملازمات أيضاً:
قال الله عزّ وجلّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ) .
لا تنفك طاعة الله عن طاعة رسول الله وأولي الأمر. بل طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر هي مظاهر ومصاديق وتطبيقات لطاعة الله عزّ وجلّ.
وكذلك في الحب: فحب الله تعالى وحب الرسول مقترنان, وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام وقال : (من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة), و(حسين مني, وأنا من حسين, أحبّ الله من أحبّ حسيناً).
محبة الحسين عليه السلام ليست في عرض محبة الله تعالى, بل هي محبة الحسين، وهي شعاع ومظهر ومصداق لمحبة الله سبحانه.
ولتوضيح الفكرة نذكر هذا المثال:
انظر لمن يحب إنساناً ويتعلق به, ألا يحب أيضاً اسم ذلك الإنسان, ويحب ذكره, ورسائله, والحيّ الذي يسكن فيه, وكل ما يتعلق بذلك المحبوب ؟!
محبة كل هذا الأمور إنما هي مظاهر لحبّ ذلك الإنسان. ولله المثل الأعلى, فمحبة الله تعالى تنعكس وتظهر في محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ومحبة ولي الله عليه السلام, ومحبة كتاب الله, وعبادة الله .... إلخ.
وأما المعرفة فلها اتجاهان :
امّا الأول فهو: أن يأتي الرسول إلى أمته, فيدعوهم إلى الله الواحد الأحد. هنا نجد أن الرسول هو الذي يعرّفنا بالله تعالى. ومن أراد أن يصل إلى الله تعالى دون الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ضلّ الطريق, لا يمكن لنا أن نتعرف على الله بدون أن نتعرف على رسوله, كما لا يمكن أن نتعرف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلومه إلا من خلال الباب الذي أمرنا بالدخول منه, وهم أهل البيت عليهم السلام. وأهل البيت أدرى بالذي فيه, (من أراد الله بدأ بكم, ومن وحدّه قبل عنكم).
والاتجاه الثاني: من خلال معرفتنا بعظمة وأهمية ومكانة المرسِل _وهو الله تعالى_ ندرك عظمة وأهمية ومكانة المرسَل والممثل والسفير الذي اختاره الله تعالى ليكون حجة له على الناس وواسطة بين الأرض والسماء. عندئذ لن نسميه باسمه (محمد) هكذا, ولن نتقدم عليه, ولن نرفع صوتنا فوق صوته, إلى غير ذلك.
وكذلك من خلال معرفتنا بعظمة وأهمية ومكانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ندرك عظمة وأهمية ومكانة الخليفة الذي يقوم بأدوار ووظائف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد رحلته ما عدا تلقي الوحي من السماء. عندئذ سنعرف أن كل كلمة يقولها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام فهي حجة, وكل سكوت لهما هو حجة, وكل فعل لهما فهو حجة, ونهتدي بكل صغيرة وكبيرة منه، فهي تنير لنا الطريق إلى الله تعالى.
إذا لم ندرك كل ذلك, وينعكس على حياتنا في جميع أبعادها, عندئذ سنقع في الضلال عن الدين الحق.
(اللهم عرّفني نفسك فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك, اللهم عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك, اللّهمّ عرّفني حجتك فإنّك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني).
صدى المهدي -42