بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العقل والوحي:
ثم لله على خلقه حجّتان بالغتنان: العقل والوحي، والوحي الحجة الظاهرية، كما أنّ العقل الحجة الباطنية، ثمّ كما يجب تعظيم وتقديس وإحترام الحجة الظاهرية من نبي أو وصي إمام ، كذلك يجب تقديس واحترام العقل، إلّا أنّ الإنسان الظلوم الجهول لا يحترم عقله، فيتبع شهواته وأهواءه، فيكون عقله مغلوباً لهواه، فيبقى في الإدبار ولم يقبل على ربّه، فإنّه سمع (أدبر فأدبر) ولم يسمع (اقْبل فأقبل) فبقى في جهله وظلمه لنفسه وخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، كعمر بن سعد فإنه شمله خطاب أدبر عن مُلك ريّ وأقبل على الحسين (ع)، إلّا أنه فعل عكس ذلك وبقي في الأدبار عن سيد الشهداء (ع)، أي الإدبار عن حبّ الله جلّ جلاله، واقبل على ملك ريّ إلّا أنه لم يفز بذلك، فقال عندئذٍ لنفسه: خسر الدنيا والآخرة.
فالإدبار الأول في خطاب العقل كان من الطاعة، إذ أنه بطاعة الله أدبر ليقبل على الدنيا، إلّا أنه رجع من إدباره ليقبل على ربّه بطاعته، فالإدبار والإقبال العقلي كلاهما من طاعة الله سبحانه، ولكن الإدبار الجهلي من المعصية، إذ لم يستتبعها الإقبال ويبقى في الجهل الذي خلق من الظلمات، وكان مصيره إلى النّار، كالكافر والمنافق والفاسق الذي لم يتّب من ذنوبه.
ملك سليمان وملك سيد الشهداء الإمام الحسين (ع):
ثم سليمان النبي، طلب من ربه أن يأتيه ملكاً لا ينبغي لأحد، لا من قبله ولا من بعده، فأعطاه الله ذلك، إلّا أنه كان يصنع بيده الزنبيل ومن ثمنه يتقّوى على طاعة الله، فكان مقصوده من الملك العدل في رعيّته، لا أن ينتفع من ملكه وسلطنته.
وكذلك سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) طلب مُلكاً في تحمّل البلايا والمصائب ما لم يكن لأحد، لا من قبله ولا من بعده، فتحمل كل البلايا وترك الخلق طرّاً في هوى ربّه، وأيتم العيال ليراه، أي قطع العلائق كلّها وأدبر عنها ليقبل على الله في أعلى مراتب الإقبال، حتى يُقتدى ويتأسى به في كل العوالم، ومن ثم بكّته السموات والأرضيين وما فيهما، وما يرى وما لا يُرى.
فأستشهد أبو عبد الله الحسين(ع) وأنه ليبكي عليه ويندبه من يقوم بثأره ليلاً ونهاراً، ويبكيه بدل الدّموع دماً، حتى تتذوق البشرية العقل والعدل الحسيني في يوم عاشوراء، فإنّ الكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السّماء، تؤتي أكلها كل حين، بإذن الله عز وجل، وما كان قتال المنافقين إياه، إلّا كما قالوا: (بغضاً لأبيك) وما أمير المؤمنين علي (ع) إلّا تجسيم العقل والعدل في الكائنات، وإنّه لم يلد الزمان مثله، فلماذا يبغضونه؟!
الإنسان والسعادة:
لا شكّ أن أفضل الخلق هو الإنسان وإنّ المقصود من خلقته إستخلاف ربه في أسماءه وصفاته ليسعد في دنياه وآخرته.
ثم المراد من السعادة أن يقبله الله سبحانه، ويقبله الأولياء والمقربون، ليكون معهم في جنات ونَهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
والبيت القصيد في هذه المعلومة والمنظومة العرفانية، أنه لابّد أولاً: من تعريف الإنسان، فمن وماهو الإنسان، هل كما يقول المناطقة: (حيوان ناطق) وحسب، أو أنّه كما يقول العرفاء: (حيّ متألّه) يتجلّى فيه ربّه بأسماءه الحسنى وصفاته المثلى والعُليا.
وثانياً: لابُد كذلك من تعريف الكون والعالم، فماهي الكائنات؟وما الغرض من خلقتها وصُنعها؟ وهنا تختلف الرؤية الكونية بين الإلهيين والماديين، كما هو مذكور بالتفصيل في محلّه.
وثالثاً: ما موضع الإنسان ومحلّه من هذا الكون الرّحب الوسيع الخارج عن فهم البشرية.
وعندئذٍ ستعرف معنى سعادة الإنسان، بأنّ الله سبحانه خلق الخلق من أجله، وسخر له ما في السموات والأرض، وجعل الميل والحبّ في فطرته وقلبه نحو علائقه ومتعلقاته وما يحويه وما يمتلكه، كل ذلك برحمة رحمانيته، ثم طلب منه أن يقبل عليه بالإدبار عن علائقه وميوله، وعن غرائزه الحيوانية، ليكون خليفته في خلقه وفي أرضه، وإنه لا ينال البّر والقرب من ربّه حتى ينفق ما يحبّ، أي يدبر عمّا يتعلق به.
قال سبحانه وتعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ (آل عمران: 92).
فيا أيها الإنسان إنك كادح لربك كدحاً فملاقيه، فأقبل عليه بالإدبار عن الدنيا والزّهد فيها، وإجعل النِّعم في خدمة المنعم، شكراً له، وأعبد ربك حبّاً وشوقاً بالإخلاص والمعرفة.
فالله سبحانه أعطى برحمانيته ما يُحبّه الإنسان من العلائق والمتاعات، ورأت الملائكة ذلك، وإنه ممّا يوجب سقوط الإنسان في الهاوية وفي الفساد والإفساد وسفك الدّماء، فرأت إدبار الإنسان عن ربّه بالإقبال حطامها أو زخارفها وزبرجها ومتاعها الغرور، إلّا أنّه لم تر إقباله على ربه وترك الدنيا وما فيها زهداً وورعاً وتقوى وحبّاً لله سبحانه، فرأت هبوطه في الرذائل، ولم ترَ صعوده في الفضائل، ولمثل هذا قال سبحانه ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 30)فيعلم بإقبال الإنسان إليه، ولم يكن كإبليس في الإدبار المطلق، ولا كالملائكة في الإقبال المطلق، وبهذا تشرف على الملائكة، وكانت الملائكة في خدمته، وصار مسجوداً لهم فتدبّر.
يتبع ...
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العقل والوحي:
ثم لله على خلقه حجّتان بالغتنان: العقل والوحي، والوحي الحجة الظاهرية، كما أنّ العقل الحجة الباطنية، ثمّ كما يجب تعظيم وتقديس وإحترام الحجة الظاهرية من نبي أو وصي إمام ، كذلك يجب تقديس واحترام العقل، إلّا أنّ الإنسان الظلوم الجهول لا يحترم عقله، فيتبع شهواته وأهواءه، فيكون عقله مغلوباً لهواه، فيبقى في الإدبار ولم يقبل على ربّه، فإنّه سمع (أدبر فأدبر) ولم يسمع (اقْبل فأقبل) فبقى في جهله وظلمه لنفسه وخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، كعمر بن سعد فإنه شمله خطاب أدبر عن مُلك ريّ وأقبل على الحسين (ع)، إلّا أنه فعل عكس ذلك وبقي في الأدبار عن سيد الشهداء (ع)، أي الإدبار عن حبّ الله جلّ جلاله، واقبل على ملك ريّ إلّا أنه لم يفز بذلك، فقال عندئذٍ لنفسه: خسر الدنيا والآخرة.
فالإدبار الأول في خطاب العقل كان من الطاعة، إذ أنه بطاعة الله أدبر ليقبل على الدنيا، إلّا أنه رجع من إدباره ليقبل على ربّه بطاعته، فالإدبار والإقبال العقلي كلاهما من طاعة الله سبحانه، ولكن الإدبار الجهلي من المعصية، إذ لم يستتبعها الإقبال ويبقى في الجهل الذي خلق من الظلمات، وكان مصيره إلى النّار، كالكافر والمنافق والفاسق الذي لم يتّب من ذنوبه.
ملك سليمان وملك سيد الشهداء الإمام الحسين (ع):
ثم سليمان النبي، طلب من ربه أن يأتيه ملكاً لا ينبغي لأحد، لا من قبله ولا من بعده، فأعطاه الله ذلك، إلّا أنه كان يصنع بيده الزنبيل ومن ثمنه يتقّوى على طاعة الله، فكان مقصوده من الملك العدل في رعيّته، لا أن ينتفع من ملكه وسلطنته.
وكذلك سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) طلب مُلكاً في تحمّل البلايا والمصائب ما لم يكن لأحد، لا من قبله ولا من بعده، فتحمل كل البلايا وترك الخلق طرّاً في هوى ربّه، وأيتم العيال ليراه، أي قطع العلائق كلّها وأدبر عنها ليقبل على الله في أعلى مراتب الإقبال، حتى يُقتدى ويتأسى به في كل العوالم، ومن ثم بكّته السموات والأرضيين وما فيهما، وما يرى وما لا يُرى.
فأستشهد أبو عبد الله الحسين(ع) وأنه ليبكي عليه ويندبه من يقوم بثأره ليلاً ونهاراً، ويبكيه بدل الدّموع دماً، حتى تتذوق البشرية العقل والعدل الحسيني في يوم عاشوراء، فإنّ الكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السّماء، تؤتي أكلها كل حين، بإذن الله عز وجل، وما كان قتال المنافقين إياه، إلّا كما قالوا: (بغضاً لأبيك) وما أمير المؤمنين علي (ع) إلّا تجسيم العقل والعدل في الكائنات، وإنّه لم يلد الزمان مثله، فلماذا يبغضونه؟!
الإنسان والسعادة:
لا شكّ أن أفضل الخلق هو الإنسان وإنّ المقصود من خلقته إستخلاف ربه في أسماءه وصفاته ليسعد في دنياه وآخرته.
ثم المراد من السعادة أن يقبله الله سبحانه، ويقبله الأولياء والمقربون، ليكون معهم في جنات ونَهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
والبيت القصيد في هذه المعلومة والمنظومة العرفانية، أنه لابّد أولاً: من تعريف الإنسان، فمن وماهو الإنسان، هل كما يقول المناطقة: (حيوان ناطق) وحسب، أو أنّه كما يقول العرفاء: (حيّ متألّه) يتجلّى فيه ربّه بأسماءه الحسنى وصفاته المثلى والعُليا.
وثانياً: لابُد كذلك من تعريف الكون والعالم، فماهي الكائنات؟وما الغرض من خلقتها وصُنعها؟ وهنا تختلف الرؤية الكونية بين الإلهيين والماديين، كما هو مذكور بالتفصيل في محلّه.
وثالثاً: ما موضع الإنسان ومحلّه من هذا الكون الرّحب الوسيع الخارج عن فهم البشرية.
وعندئذٍ ستعرف معنى سعادة الإنسان، بأنّ الله سبحانه خلق الخلق من أجله، وسخر له ما في السموات والأرض، وجعل الميل والحبّ في فطرته وقلبه نحو علائقه ومتعلقاته وما يحويه وما يمتلكه، كل ذلك برحمة رحمانيته، ثم طلب منه أن يقبل عليه بالإدبار عن علائقه وميوله، وعن غرائزه الحيوانية، ليكون خليفته في خلقه وفي أرضه، وإنه لا ينال البّر والقرب من ربّه حتى ينفق ما يحبّ، أي يدبر عمّا يتعلق به.
قال سبحانه وتعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ (آل عمران: 92).
فيا أيها الإنسان إنك كادح لربك كدحاً فملاقيه، فأقبل عليه بالإدبار عن الدنيا والزّهد فيها، وإجعل النِّعم في خدمة المنعم، شكراً له، وأعبد ربك حبّاً وشوقاً بالإخلاص والمعرفة.
فالله سبحانه أعطى برحمانيته ما يُحبّه الإنسان من العلائق والمتاعات، ورأت الملائكة ذلك، وإنه ممّا يوجب سقوط الإنسان في الهاوية وفي الفساد والإفساد وسفك الدّماء، فرأت إدبار الإنسان عن ربّه بالإقبال حطامها أو زخارفها وزبرجها ومتاعها الغرور، إلّا أنّه لم تر إقباله على ربه وترك الدنيا وما فيها زهداً وورعاً وتقوى وحبّاً لله سبحانه، فرأت هبوطه في الرذائل، ولم ترَ صعوده في الفضائل، ولمثل هذا قال سبحانه ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 30)فيعلم بإقبال الإنسان إليه، ولم يكن كإبليس في الإدبار المطلق، ولا كالملائكة في الإقبال المطلق، وبهذا تشرف على الملائكة، وكانت الملائكة في خدمته، وصار مسجوداً لهم فتدبّر.
يتبع ...