﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا..﴾
يستضيء المؤمنُ بنورِ إمام زمانه
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا..﴾ الزمر:69،
وفي نصّ الزيارة الجامعة المرويّة عن الإمام عليّ الهادي عليه السلام: «وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنورِكُمْ»، فهل من تعارضٍ بينهما؟
يجيب على هذا السؤال الشيخ جواد بن عبّاس الكربلائي في الجزء الخامس من (الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة)، في سياق شرحه لفقرة: « وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنورِكُمْ، وَفازَ الفائِزونَ بِوِلايَتِكُمْ..».
ما ورد في (الزيارة الجامعة) من قول الإمام الهادي عليه السّلام:
«وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنورِكُمْ»:
أي أشرقت بنور وجودكم، فقد دلّت أحاديث قدسيّة وغيرها على أنّه لولاهم صلوات الله عليهم لما خُلقت الأرض، ولا غيرها من الموجودات.
وقد يكون المعنى: أشرقت قلوب أهل الأرض بنور هدايتكم. وإفرادُ النور لأنّهم عليهم السّلام نورٌ واحد، وهذه العبارة إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا..﴾ الزمر:69، فإنّهم نور الله.
ثمّ إنّ الربّ إذا أُطلق معرَّفاً وغير مضاف، فلا يراد منه إلّا الله تعالى، كما صرّح به كثيرٌ من أهل العلم
وأمّا الربّ بمعناه اللّغوي والمضاف إلى شيء:
* فقد يُطلق بمعنى المالك، يقال: ربّ الدار، أي مالكها.
* وقد يُطلق بمعنى السيّد، قال تعالى: ﴿..فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا..﴾ يوسف:41. ﴿..ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ..﴾ يوسف:50.
* وقد يُطلق بمعنى المُدبّر، فيقال: ربّ البيت، أي مُدبّر أمرها.
* وقد يطلق بمعنى المربّي، أي القائم بالإصلاح للأحوال والأشياء؛ مشتقّاً من التربية.
وأمّا إذا أُطلق غير مضاف، ففي المحكيّ عن (النهاية):
«لا يُطلق الربّ غير مضاف على غير الله تعالى، وإذا أُطلق على غيره أُضيف،فيقال: ربّ كذا»،
ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِرَبِّهَا..﴾،
فأُضيف الربّ إلى الأرض، فحينئذٍ يمكن أن يراد منه غير الله، كما وردت أحاديث على أنّ المراد منه هو الإمام المعصوم عليه السّلام.
ما المراد بـ«ربِّ الأرض»؟
* في تفسير (نور الثقلين)، عن (تفسير عليّ بن إبراهيم) بالإسناد المذكور فيه.. إلى أن قال:
«حدّثنا المفضّل بن عمر أنّه سمع أبا عبد الله، عليه السّلام، يقول في قوله عزّ وجلّ:
﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا..﴾،
قال: رَبُّ الأَرْضِ يَعْني إِمامَ الأَرْضِ.
قلت: فإذا خرج يكون ماذا؟
قال: إِذاً، يَسْتَغْني النّاسُ عَنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَنورِ القَمَرِ وَيَجْتَزِئونَ بِنورِ الإِمامِ».
* وفيه، وفي (إرشاد) المفيد رحمه الله، وروى المفضل بن عمر قال:
«سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول: إِذا قامَ قائِمُنا أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَاسْتَغْنى العِبادُ عَنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَذَهَبَتِ الظُّلْمَةُ».
وقد يقال: إنّ إشراقَ الأرضِ بنور ربّها يكون في زمان ظهور الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ورجعة الأئمّة عليهم السّلام.
ثمّ، إنّ إطلاق الربّ المضاف على الإمام لا إشكال ولا ضَير فيه، كما علمتَ من استعمال الكلمة في العرف مضافاً إلى غيره تعالى، فإنّ الربّ بمعنى التربية يُطلق على المعصوم عليه السّلام، لأنّه مُرَبٍّ لها ولأهلها بالعلم والهداية الإلهيّة وإصلاح أهلها، وسوقهم إلى الكمال كما لا يخفى.
روى الطبرسي في (الاحتجاج) عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، أنّه قال في حديثٍ له طويل: إنّ قوله تعالى:﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ..﴾ الزخرف:84،
وقوله: ﴿..وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ..﴾ الحديد:4،
وقوله: ﴿..مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ..﴾ المجادلة:7،
«فإنّما أرادَ بذلكَ استيلاءَ أُمنائه بالقدرة التي ركَّبها فيهم على جميع خلقِه، وأنّ فِعْلَهم فِعْلُه».
وروى العياشي في (تفسيره) عن أبي بصير، قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول:
﴿..لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ..﴾ النحل:51،
يَعْنِي بِذَلِكَ، وَلا تَتَّخِذوا إِمامَيْنَ، إِنَّما هُوَ إِمامٌ واحِدٌ».
أقول: ذكره في تفسير (نور الثقلين)، عنه أيضاً.
وفي (تفسير البرهان) للبحراني، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قوله تعالى:
﴿..أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾النمل:61،
قال: أَيْ إِمامُ هُدًى مَعَ إِمامِ ضَلالٍ في قَرْنٍ واحِدٍ».
أقول: أي في زمنٍ واحد.
وجوه الاستغناء بالإمام عن مصادر النور
ثمّ إنّ قوله عليه السّلام في حديث مفضّل الأول:
«يَسْتَغْني النّاسُ عَنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَنورِ القَمَرِ»،
وقوله في حديثه الآخر:
«وَاسْتَغْنى العِبادُ عَنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَذَهَبَتِ الظُّلْمَةُ»،
يحتمل وجوهاً، نذكر منها وجهين اثنين:
الأوّل:
أنّه عند قيام القائم عجّل الله تعالى فرجه الشريف، تنكشف للمؤمن العلوم والأسرار. ففي (النجم الثاقب) للمحدّث الطبرسي، أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام أنّه عند قيام القائم عليه السلام:
«يَقْذِفُ [الله تعالى] فِي قُلُوبِ المؤمنين العلمَ فلا يحتاجُ مؤمنٌ إلى ما عندَ أخيه من العلم. فيومئذٍ تأويلُ هذه الآية: ﴿..يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ..﴾النساء:130».
توضيحه: في (الكافي الشريف) للشيخ الكليني، عن الإمام الباقر عليه السلام،قال:
«إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ يَدَه عَلَى رُؤُوسِ الْعِبَادِ؛ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وكَمُلَتْ بِه أَحْلَامُهُمْ»،
فحينئذٍ بمقابلة قلب المؤمن مع توجّه الإمام عليه السّلام إليه بنور ولايته يُشرق قلبه، فيشرف على حقائق الأشياء، فيكمل بذلك إيمانه ويقينه، فهو على نورٍ من ربِّه، فيتكلّم بما هو مطابق للواقع، وما هو مرادٌ لإمامه من غير احتياجٍ إلى تعليم، وإضاءة نور علمٍ آخر، فيكون حينئذٍ في جميع شؤونه، وجميع الأمور من الدين والمعارف على بصيرة كاملة، فيستغني بهذا النور، وهو نور إمامه، عن ضوء الشمس ونور القمر، لأنّه بنوره يشاهد حقائق الأمور، فلا يحتاج إلى نورهما، فهو بحيث يشاهد الأشياء في الظُّلمة الظاهرية لقوّة إبصاره، لا أنّه لا ظلمة في الوجود، كما لا يخفى.
الثاني:
إنّ إشراق الأرض بنور الإمام يراد منه ظهور العدل الإلهي، فإنّ الظُّلْمَ، أي التعدّي ظُلمَة، مثلما روي أنّ الظُّلْم ظُلُمَاتٌ يومَ القيامة، وحيث إنّ ظُلْمَةَ الظُّلْمِ قد عمّت قبل قيامه عليه السّلام، فبقيامه ينتشر العدل والقسط فيذهب ظُلمة الظلم، وهذا أحد معاني قولهم عليهم السّلام:
«فَيَمْلَأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
الشيخ جواد بن عبّاس الكربلائي