قصّة رسل أنطاكية من سورة يس (أنطاكية) واحدة من أقدم مدن الشام التي بنيت ـ على قول البعض ـ بحدود ثلاثمائة سنة قبل الميلاد. وكانت تعدّ من أكبر ثلاث مدن رومية في ذلك الزمان من حيث الثروة والعلم والتجارة. تبعد (أنطاكية) مائة كيلومتر عن مدينة حلب، وستّين كيلومتراً عن الإسكندرية.
(أنطاكية) تعتبر بالنسبة إلى النصارى كالمدينة المنورة للمسلمين، المدينة الثانية في الأهمية بعد بيت المقدس، التي ابتدأ المسيح (عليه السلام) منها دعوته، ثمّ هاجر بعض من آمن بالمسيح (عليه السلام) ـ بولس وبرنابا ـ إلى أنطاكية ودعوا الناس هناك إلى المسيحية، وبذا إنتشرت المسيحية هناك، وبهذا اللحاظ أشار القرآن الكريم إلى هذه المدينة لأهميّتها.
«الطبرسي» ـ أعلى الله مقامه ـ في تفسير مجمع البيان يقول: قالوا بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى مدينة أنطاكية، فلمّا قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنيمات له وهو (حبيب) صاحب (يس) فسلّما عليه.
فقال الشيخ لهما: من أنتما؟
قالا: رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن.
فقال: أمعكما آية؟
قالا: نعم، نحن نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله.
فقال الشيخ: إنّ لي إبناً مريضاً صاحب فراش منذ سنين.
قالا: فانطلق بنا إلى منزلك نتطلّع حاله، فذهب بهما فمسحا إبنه فقام في الوقت بإذن الله صحيحاً، ففشا الخبر في المدينة وشفى الله على أيديهما كثيراً من المرضى.
وكان لهم ملك يعبد الأصنام فانتهى الخبر إليه، فدعاهما فقال لهما: من أنتما؟
قالا: رسولا عيسى، جئنا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر.
فقال الملك: ولنا إله سوى آلهتنا؟
قالا: نعم، من أوجدك وآلهتك.
قال: قُوما حتّى أنظر في أمركما، فأخذهما الناس في السوق وضربوهما.
وروي أنّ عيسى (عليه السلام) بعث هذين الرّسولين إلى أنطاكية فأتياها ولم يصلا إلى ملكها، وطالت مدّة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبّرا وذكرا الله فغضب الملك وأمر بحبسهما، وجلد كلّ واحد منهما مائة جلدة، فلمّا كذب الرسولان وضربا، بعث عيسى (شمعون الصفا) رأس الحواريين على أثرهما لينصرهما، فدخل شمعون البلدة متنكّراً فجعل يعاشر حاشية الملك حتّى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه ورضي عشرته وأنس به وأكرمه، ثمّ قال له ذات يوم: أيّها الملك بلغني أنّك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل سمعت قولهما. قال الملك حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإن رأى الملك دعاهما حتّى نتطلّع ما عندهما فدعاهما الملك.
فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا.
قالا: الله الذي خلق كلّ شيء لا شريك له.
قال: وما آيتكما.
قالا: ما تتمنّاه.
فأمر الملك أن يأتوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة. فما زالا يدعوان حتّى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاها في حدقتيه فصارتا مقلتين يُبصر بهما، فتعجب الملك.
فقال شمعون للملك: أرأيت لو سألت إلهك حتّى يصنع صنيعاً مثل هذا فيكون لك ولإلهك شرفاً؟
فقال الملك: ليس لي عنك سرّ، إنّ إلهنا الذي نعبده لا يضرّ ولا ينفع.
ثمّ قال الملك للرسولين: إن قدر إلهكما على إحياء ميّت آمنّا به وبكما.
قالا: إلهنا قادر على كلّ شيء.
فقال الملك: إنّ هاهنا ميّتاً مات منذ سبعة أيّام لم ندفنه حتّى يرجع أبوه ـ وكان غائباً ـ فجاءوا بالميّت وقد تغيّر وأروح، فجعلا يدعوان ربّهما علانيةً، وجعل شمعون يدعو ربّه سرّاً، فقام الميّت وقال لهم: إنّي قد متّ منذ سبعة أيّام، وأدخلت في سبعة أودية من النار وأنا اُحذّركم ممّا أنتم فيه، فآمنوا بالله فتعجّب الملك.
فلمّا علم شمعون أنّ قوله أثّر في الملك، دعاه إلى الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم وكفر آخرون.
ونقل «العياشي» في تفسيره مثل هذه الرواية عن الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام)مع بعض التفاوت.
ولكن بمطالعة الآيات السابقة، يبدو من المستبعد أنّ أهل تلك المدينة كانوا قد آمنوا، لأنّ القرآن الكريم يقول: (إن كانت إلاّ صيحة واحدة فإذا هم خامدون). ويمكن أن يكون هناك إشتباه في الرواية من جهة الراوي.
الامثل في تفسير كتاب الله المنزل ( الجزء الرابع عشر || تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرج نور الوجود
الغائب الموجود الإمام المقدس المهدي عليه السلام عج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(إلهي!.. رضا بقضائك، وتسليما لأمرك؛ لا معبود لي سواه)
أسأله تعالى أن يتقبل منكم هذا السير وأن يجعله عملاً صالحاً تقر به العيون
ودعوة مستجابة تسكن إليها القلوب
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
دمتم برعاية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام عج
خادمة العترة الطاهرة
تسبيحة الزهراء
(اللهم أفرغ علينا صبرًا و ثبت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين)