مزار الإمام الرضا(ع) روضة من رياض الجنّة
الجنّة دار استراحة المؤمنين والمؤمنات بعد يوم القيامة ، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين وما لم يخطر على قلب بشر، لا يدخلها إلّا من كان سعيدآ :
(وَأمَّا الَّذِينَ سعدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا) .
فالسعيد في جنّات عرضها السماوات والأرض يدرک السعادة الأبدية ويحسّ بها.
والله سبحانه جعل في أرضه بلطفه وحكمته وكرمه بقاعآ فيها من الإحساس ما في الجنّة التي اُعدّت للمتّقين ، ولو فتح الله بصيرة الإنسان لرأى بوضوح أنّ هذه البقعة جنّة من جنّات الله سبحانه ، إلّا أنّ الذنوب والمعاصي هي التي تحجب المرء عن أن يدرک ذلک فيتسائل عنها.
ومن تلک البقاع التي في عالم المعنى هي جنّة من جنان الله سبحانه ، ما بين قبر النبي الأكرم محمّد(ص)ومنبره ،
فقد ورد في الحديث النبوي الشريف المتّفق عليه عند الفريقين :
ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة .
الكافي بسنده عن أبي عبد الله(ع) قال : قال رسول الله (ص):
ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنّة ، وقوائم منبري رتب في الجنّة ،
قال : قلت : هي روضة اليوم ؟
قال : نعم إنّه لو كشف الغطاء لرأيتم .
فمن كان من أهل كشف الغطاء ومن أهل الشهود والمعاينة ، فإنّه بلا شکّ يرى تلک الجنّة وما معناه ، وإنّه كيف يستريح فيها، ويتلذّذ بنعيمها العلمي والسبحاني ، وفيها ما تشتهي الأنفس ، ولم يخطر على قلب بشر ـوالحرّ تكفيه الإشارة ـ فإنّ الغاية من الجنّة هي أن تكون دار استراحة أبديّة روحيّة وجسديّة للمؤمنين والمؤمنات ، ودار جزاء للإيمان والأعمال الصالحة التي تختصّ بالمؤمنين والمؤمنات ، وإنّها طبقات ودرجات ومقامات ، فمن المؤمنين من يسكن الطبقة الاُولى ، ومنهم من يكون بجوار رسول الله(ص) وحوله ، على منابر من نور مبيضّة وجوههم .
فمن الجنّات الفردوس ودار السلام وجنّة المأوى وغيرها، وأعلاها جنّة الله، وهي جنّة الأسماء والصفات ، وإنّها مختصّة بأولياء الله، وإنّهم أصحاب النفوس المطمئنّة التي ترجع إلى ربّها راضيةً مرضيّة .
فمن يزور الكعبة المشرّفة وحرم النبيّ(ع) بين بيته ومنبره ، وحرم الأئمة المعصومين :، يشعر ويحسّ بالارتياح الروحي والقلبي ، وكأنّه في جنّة الله وروضته بين الحور والولدان المقرّبين ، يطوف عليه الملائكة بأباريق من ذهب وفضّة ، وكؤوس من لؤلؤ ومرجان ، فلا حزن ولا آلام حتّى ينسى نفسه ، وينسى هموم الدنيا ومصائبها ومتاعبها، وكأنّه يعيش في عالم آخر، مرتاح البال ومطمئنّ القلب ، ويدرک أوصاف الجنّة التي وردت في الآيات والروايات ، كلّ هذا ببركة النبيّ والعترة الطاهرة ، والزيارات المقبولة ، وحتّى من الزائرين من ينفتح بصره وسمعه ، فيسمع جواب سلامه على إمامه ، ويرى حقائق الأشياء كما هي ، والعاقل تكفيه الإشارة .
فمن تلک البقاع الجنانية الحرم الرضوي الشريف ، قد رفع الله شأنها وأكرم منزلتها وبارک حولها، وعمّرها بالعلم النافع والإيمان الصالح ، يشعّ منها الأنوار الإلهية إلى كلّ ربوع الأرض ، وهو مهبط نزول الملائكة بالرحمة والبركة .
بحار الأنوار، بسنده عن أبي الحسن الرضا(ع)أنّه قال :
إنّ بخراسان لبقعة يأتي عليها زمان تصير مختلف الملائكة ، فلا يزال فوج ينزل من السماء وفوج يصعد إلى أن ينفخ في الصور.
فقيل له : يا ابن رسول الله وأيّ بقعةٍ هذه ؟
قال : هي بأرض طوس وهي والله روضة من رياض الجنّة ، من زارني في تلک البقعة كان كمن زار رسول الله(ص)، وكتب الله تبارک وتعالى له بذلک ثواب ألف حجّة مبرورة وألف عمرة مقبولة ، وكنت أنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة .
مثل هذه الرواية الشريفة ممّـا يستدلّ بها على إمامة الإمام(ع)، فإنّها من الأخبار الغيبيّة ، فإنّه(ع) قبل شهادته ، أخبر بمحلّ دفنه وأنّه يكون مزارآ لعشّاق ولايته إلى يوم القيامة ، وأنّ الملائكة لا يزال فوج ينزل من السماء وفوج يصعد إلى أن يُنفخ في الصور، فما أعظم ذلک ، كيف لا تكون زيارته الكريمة تعادل زيارة رسول الله (ص)؟ وكيف لا يثاب الزائر بألف حجّة مبرورة وألف عمرة مقبولة ، وكيف لا ينال شفاعة الأئمة الأطهار : يوم القيامة ؟ وكيف لا تكون تلک البقاع المقدّسة بحكم الحرم الإلهي الشريف الذي من دخلَه كان آمنآ من الذنوب ومن فزع اليوم الأكبر؟
عن أبي هاشم الجعفري ، قال :سمعت أبا جعفر(ع)يقول :
إنّ بين جبلي طوس قبضة قبضت من الجنّة ، من دخلها كان آمنآ يوم القيامة من النار.
وكيف لا يرفع الله شأن تلک البقعة المطهّرة وذلک الحرم الشريف ؟
عن الإمام الصادق(ع):
أربع بقاع ضجّت إلى الله أيّام الطوفان : البيت المعمور فرفعه الله، والغري ـالنجف الأشرف ـ وكربلاء وطوس.
فقبوركم في القبور، إلّا أنّه ما أعظم شأنكم وأرفع مقامكم وأجلّ منزلتكم ، وإنّ حرمكم هي الروضة الشريفة والجنّة الفردوس ، لا يلقّاها إلّا ذو حظٍّ عظيم ، وأتى الله بقلبٍ سليم .
سماحة السيد عادل العلوي (حفظه الله)