اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موجز في تفسير سورة الليل
*السورة الثانية والتسعون في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «الأعلى».
* سُمّيت بـ«الليل» لابتدائها بعد البسملة بقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾.
* آياتها إحدى وعشرون، وهي مكيّة، وفي الحديث النبويّ الشريف أنّ «مَنْ قرأَها أعطاه اللهُ حتّى يَرضى، وعافاه من العُسر، ويسّر له اليُسر».
* ما يلي موجز في التعريف بهذه السورة المباركة اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين)، و(الميزان)، و(الأمثل).
أقسم القرآن الكريم بأمور كثيرة، ولكن قسمه لا يتعدّى المرّة الواحدة لكلّ ما أقسم به، ما عدا الليل؛ فقد جاء القسمُ به سبع مرات، منها قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾ المدثر:33، وقوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ التكوير:17، وقوله: ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ الانشقاق:17، وقوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ الفجر:4 ، ولمّا كان القسَم بشيء دليلاً على أهمّيته، فهذا يعني أنّ للّيل أهمّية بالغة.
محتوى السورة
(تفسير الميزان): غرَض السورة الإنذار، وتسلك إليه بالإشارة إلى اختلاف مساعي الناس، وأنّ منهم من أنفق واتّقى وصدّق بالحسنى فسيُمكّنه الله من حياة خالدة سعيدة، ومنهم من بخل واستغنى وكذّب بالحُسنى فسيسلك اللهُ به إلى شقاء العاقبة، وفي السورة اهتمام وعناية خاصّة بأمر الإنفاق المالي.
(تفسير الأمثل): هذه السورة مكّية، تحمل كلّ خصائص السور المكّية؛ من قِصَر في الآيات، وحرارة في طرح المحتوى، وتركّز أساساً على القيامة وعلى ما في ذلك اليوم من جزاء وعقاب.
وبعد القسم بثلاث ظواهر في بداية السورة يأتي تقسيم الناس إلى مُنفقين متّقين، وبخلاء منكرين، وتذكر عاقبة كلّ مجموعة: اليُسر والسعادة والهناء للمجموعة الأولى، والعُسر والضّنْك والشقاء للمجموعة الثانية. وفي مقطع آخر من السورة إشارة إلى أنّ الهداية من الله سبحانه لعباده هي تحذيرهم من النار يوم القيامة. ثمّ تذكر السورة في نهايتها مَن يدخل هذه النار ومَن ينجو منها، مع ذكر أوصاف الفريقين...
والإنفاق في سبيل الله تعالى ومساعدة المحرومين عن إخلاص نيّة وبدون منّة ممّا أكّده القرآن الكريم في مواضع عديدة واعتبره من علامات الإيمان. والروايات تؤكّد هذا المفهوم، وتعدّ الإنفاق المنطلق من دافع رضا الله سبحانه والبعيد عن كلّ رياء وأذى من أفضل الأعمال، وفيما يلي بعض هذه الروايات:
* عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من الإيمان حُسن الخُلق، وإطعامُ الطعام..».
* وعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن عالَ أهل بيتٍ من المسلمين؛ يومَهم وليلتَهم غفرَ اللهُ ذنوبَه».
* وعن الإمام محمّد الباقر عليه السلام: «إنّ أحبّ الأعمال إلى اللهِ إدخالُ السّرورِ على المؤمن، شُبْعَةُ مسلمٍ أو قضاءُ دَينِه».
فضيلة قراءة السورة
* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن قرأها أعطاه اللهُ حتّى يرضى، وعافاهُ من العُسر، ويَسّر له اليُسر».
* وعن الإمام الصادق عليه السلام: «مَن أكثرَ قراءة (والشّمس)، [و] (واللّيلِ إذا يَغشى)، [و] (والضُّحى)، و(ألم نَشْرَح) في يومٍ أو ليلة، لم يبقَ شيءٌ بحضرتِه إلّا شَهِدَ له يومَ القيامة...».
تفسير آياتٍ من سورة الليل
قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ الآية:1.
سُئل الإمام الباقر عليه السلام عن الآية ومثيلاتها فقال: «إنّ للهِ عزّ وجلّ أن يُقسِمَ من خلقِه بما شاء، وليس لخلقِه أن يُقسموا إلّا به».
قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ الآيات:5-7.
* الإمام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآيات: «إنّ الله تعالى يُعطي بالواحدة عشرةً إلى مائة ألفٍ فما زاد... [و] لا يريدُ [المعطي المتّقي] شيئاً من الخير، إلّا يسّره اللهُ له».
* الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية السادسة، أنه التصديق: «بالولاية».
قوله تعالى: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ الآية:11.
الإمام الباقر عليه السلام: «أما واللهِ ما هو تردّى في بئرٍ، ولا من جبلٍ، ولا من حايط، ولكن تردّى في نار جهنّم».
قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ الآية:12.
قال الإمام الرضا عليه السلام: «اللهُ يهدي من يشاء، ويُضلّ من يشاء». فقيل له: «إنّ قوماً يزعمون أن المعرفة مكتسبة، وإنّهم إنْ ينظروا من وجه النظر أدركوا»، فأنكر عليه السلام ذلك،وقال: «ما لهؤلاءِ القومِ لا يكتسبونَ الخيرَ لأنفسِهم، ليس أحدٌ من الناس إلا ويحبّ أن يكون خيراً ممّن هو خيرٌ منه، هؤلاء بنو هاشم موضعُهم موضعُهم، وقرابتُهم قرابتُهم، وهم أحقُّ بهذا الأمر منكم. أفترى أنّهم لا ينظرونَ لأنفسهم وقد عرفتم ولم يعرفوا؟! قال أبو جعفر عليه السلام: لو استطاعَ الناسُ لأحبّونا» .
سبب نزول سورة (الليل) المباركة
«رُوي عن ابن عباس أنّ رجلاً كانت له نخلة؛ فرعُها في دار رجلٍ فقيرٍ ذي عيال، وكان الرجلُ إذا جاء فدخل الدارَ وصعد النخلة ليأخذ منها التمر، فربّما سقطت التمرة فيأخذها صبيانُ الفقير، فينزل الرجل من النخلة حتّى يأخذَ التمر من أيديهم، فإنْ وجدها في (فم) أحدهم أدخل إصبعه حتّى يأخذ التمرة من فيه. فشكا ذلك الرجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأخبره بما يلقى من صاحب النخلة، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إذهب).
ولقيَ رسولُ الله صاحبَ النخلة فقال: (تُعطيني نخلتَك المائلة التي فرعُها في دار فلان، ولك بها نخلةٌ في الجنّة؟).
فقال له الرجل: إنّ لي نخلاً كثيراً، وما فيه نخلةٌ أعجب إليّ تمرةً منها!
ثمّ ذهب الرجل (صاحب النّخلة)، فقال رجلٌ كان يسمع الكلامَ من رسول الله: يا رسولَ الله: أتُعطيني ما أعطيتَ الرجلَ، نخلةً في الجنّة إنْ أنا أخذتُها؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: (نعم).
فذهب الرجل ولقيَ صاحبَ النخلة فساومها منه فقال له: أتريد بيعها؟ فقال: لا، إلّا أن أُعطى ما لا أظنّه أُعطي.
قال: فما مُناك؟ قال: أربعون نخلة. فقال الرجل: جئتَ بعظيم، تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة؟! ثمّ سكت عنه، فقال له: أنا أُعطيك أربعين نخلة.
فقال له صاحب النخلة: أشهِدْ لي إن كنتَ صادقاً، فمرّ إلى أناسٍ فدعاهم، فأشهدَ له بأربعين نخلة، ثمّ ذهب إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسولَ الله، إنّ النخلة صارت في مِلكي، فهي لك.
فذهب رسول الله إلى صاحب الدار، فقال له: (النخلةُ لكَ ولعيالك). فأنزل الله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى..﴾».
إعداد: سليمان بيضون