من أجمل عطايا الله للانسان ان يكون وجوده مفيدا في الأرض، وسببا لاتصال الناس بربهم، ولا يهم ان تكون رجلا أو امرأة ولكن من المهم أن تكون إنساناً يدعو إلى الحق والموعظة الحسنة، ولا يترك الله عبده طرفة عين، ربما يغلق باباً في وجه عبده لمعرفته بعاقبة الأمور، ولكن يفتح أبواباً كثيرة ليُذكره بأنه يهتم به ويحفظه بعينه التي لا تنام.
إن من يقرأ سيرة النبي العظم صلى الله عليه سيعرف كم كانت حياة النبي صلى الله عليه واله مملوءة بالعوائق والتحديات، فمنذ البداية جرع كأس الألم بفراق والده وبعد ذلك فراق والدته وجده، وكان يعيش في أقسى الظروف حيث لُقِّب بالمجنون والساحر ويتحمل الأذى رفقاً بأمته، في تلك اللحظات الصعبة التي كانوا يهينوا فيها النبي الأكرم صلى الله واله بقذف القاذورات نحوه، كان الجميع يقف أمامه ويضحك عليه ويستهزئ به، ولكن طفلة صغيرة كانت نعم العون له في طاعة الله لتمسح القاذورات عن وجه أبيها الكريم وتذكره بأنها معه.
ربما كان يظن الجميع إنها طفلة لا تستطيع أن تقدم أي شيء ولكنها كانت ريحانة رسول الله ترد له الحياة، وكانت الخير الكثير والسر العظيم، حيث يعرف الباري عزوجل اهل الكساء بها ويقول: ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمراً منيرا ولا شمسا مضيئة .... إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها).
ويقول والدها الذي لا يتكلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى في حقها: أم أبيها.
وفي فصل آخر من الحياة كانت نعم العون في طاعة الله كما قال زوجها أمير لمؤمنين وسيد الوصيين عندما سأله النبي صلى الله عليه وآله عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها قال: نعم العون في طاعة الله.
ففي اليوم الذي سخر منه نساء مجتمعها بأن علي رجل فقير لا يمتلك من المال شيئا، كانت فاطمة الزهراء عليها السلام تعرف حق المعرفة ان المال لا يأتي بالسعادة، فجوهر السعادة الطمأنينة وذكر الله ومن كعلي يكون ذاكرا لله بل مصداقا للذكر؟.
ان فاطمة الزهراء عليها السلام بينت للجميع سر النجاح في الزواج، وهو التفاهم وطاعة الله، وكلما يكون الزوجان متصلين بالله سبحانه وتعالى يكون زواجها انجح واجمل من الاخرين، لأن الحياة السعيدة لا تحتاج الى أثاث فاخر وأشياء كثيرة بل يحتاج الى الحب والتسليم لأمر الله سبحانه وتعالى، انها كانت المرأة المثالية، حيث تقوم بأعمال البيت وتربية الأطفال وتدرس وتتعلم، فكانت "فضة" احدى المتخرجات من مدرستها حيث لم تتكلم سوى بالقرآن.
وكانت فاطمة الزهراء عليها السلام نعم العون في طاعة الله، فقد قامت بتربية أطفال كانوا فخراً للبشرية بأكملها، هذا الحسن ابن علي سيد شباب اهل الجنة وذاك صاحب الثورة الخالدة الذي لا زال العالم ينحني إجلالاً أمام عظمته وتلك ام كلثوم وزينب بطلة كربلاء، حيث تكلمت بلسان بليغ ودافعت عن امام زمانها كما فعلت والدتها وفقدت حياتها فداءا لمولاها وسيدها، إنها نعم العون في طاعة الله بل هي مصداق من مصاديق طاعة الله، والأكثر من ذلك هي سر من اسرار الخلق وعلى معرفتها دارت القرون الأولى.
بما ان الجميع يبحث عن الحب ويسأل ما هي السعادة ومن أين يستطيع الإنسان أن يحصل عليها، فيجب أن نعرف ان السعادة مرتبطة بإتباع نهجهم روحي فداهم، والراحة التي تنبع من هذه السعادة، لأن مصطلح السعادة إن دل على شيء فإن المعنى الرديف لهُ هو الراحة.
فكما ورد عن امامنا ابي عبد الله الصادق عليه السلام في زيارة الامام الحسين عليه السلام:
(مَنْ أَرَادَ اَللَّهَ بَدَأَ بِكُمْ بِكُمْ يُبَيِّنُ اَللَّهُ اَلْكَذِبَ وَ بِكُمْ يُبَاعِدُ اَللَّهُ اَلزَّمَانَ اَلْكَلِبَ وَ بِكُمْ يَفْتَحُ اَللَّهُ وَ بِكُمْ يَخْتِمُ اَللَّهُ وَ بِكُمْ يَمْحُوا اَللََّهُ مََا يَشََاءُ وَ بِكُمْ يُثْبِتُ وَ بِكُمْ يَفُكُّ اَلذُّلَّ مِنْ رِقَابِنَا وَ بِكُمْ يُدْرِكُ اَللَّهُ تِرَةَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ تُطْلَبُ وَ بِكُمْ تُنْبِتُ اَلْأَرْضُ أَشْجَارَهَا وَ بِكُمْ تُخْرِجُ اَلْأَشْجَارُ أَثْمَارَهَا وَ بِكُمْ تُنْزِلُ اَلسَّمَاءُ قَطْرَهَا وَ بِكُمْ يَكْشِفُ اَللَّهُ اَلْكَرْبَ وَ بِكُمْ يُنَزِّلُ اَللَّهُ اَلْغَيْثَ وَ بِكُمْ تُسَبِّحُ اَلْأَرْضُ اَلَّتِي تَحْمِلُ أَبْدَانَكُمْ).
إذاً السعادة الحقيقية تكمن في اتباع نهجهم والتمسك بهم، لأنهم حبل الله الذي من تمسك بهم نجا ومن تركه تخلف وهوى، ولا يهم ان تكون رجلا أو إمرأة ولكن من المهم أن تكون إنساناً يدعو إلى الحق والموعظة الحسنة، وتكون نعم العون في طاعة الله اقتداءً بسيدة الوجود....