فلسفة العذاب الدائم
لا ريب أنّ ذلك من الإشكالات المطروحة في هذا المجال والتي تتعلّق بخلود الكافرين في النار، وأنّه لابدّ من الموازنة بين المعصية والجزاء، وهذه القضية من القضايا التي لفتت انتباه العقلاء دائماً وخاصة رجال القانون الجزائي.*
ولكن يمكن الإجابة عن الإشكال المذكور بصور مختلفة،وهي:
1. انّ هذا الإشكال يرد لو كان الجزاء أمراً جعلياً، فلا ريب أنّ قوانين العقلاء ورجال القانون ترى أنّه لابدّ من الموازنة بين الجرم وجزائه، فللسرقة جزاء يناسبها، وللشتم جزاء يناسبه، وللقتل جزاء يناسبه، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الجزاء خارجاً عن تلك الموازنة، فدائماً توجد موازنة بين الجرم والجزاء.
ومن هنا نرى أنّ بعض المقننين يرون أنّ بعض تلك العقوبات متناسبة مع حجم الجرم وبعضها الآخر غير متناسب وتوجد بينهما فاصلة كبيرة. وأمّا إذا ذهبنا إلى أنّ الجزاء ليس أمراً اعتبارياً جعلياً وإنّما هو أمر تكويني ملازم لوجود الجرم بمعنى انّه توجد رابطة تكوينية بين الجرم وجزائه، وانّ الجزاء تجسيم للذنب المقترف أو الجرم المرتكب، فحينئذ تنتفي الموازنة المذكورة، إذ يمكن أن يورث العمل في نفس المجرم هيئة لا تفارقه أبداً، فتكون الظلمة الناشئة من الشرك باللّه والتمرّد على أوامره حالة ثابتة تلازم الإنسان دائماً وتنسجم بصورة عينية في العالم الأُخروي، وحينئذ تتّصف بصفة الديمومة والخلود والعذاب الدائم.
2. انّنا لا نسلّم انّ العلاقة بين الخطأ والجزاء علاقة جعلية وعقدية وقابلة للزيادة والنقصان، بل أنّنا نرى وفي الحياة الدنيا قد تكون نتيجة الخطأ لا تنسجم ولا تتوازن مع الخطأ المرتكب، فنجد انّ الخطأ يقع في لحظة واحدة ولكن عقابه دائم، فعلى سبيل المثال لو أقدم إنسان ما على الانتحار ـ لأي سبب كان ـ فقد ارتكب جرماً آنياً، ولكنّه في نفس الوقت خلّف جزاءً غير متناه وهو فقد الحياة إلى الأبد، أو أنّ هذا الإنسان أقدم على إذهاب بصره من خلال اقتراف عمل لا يتجاوز عدّة ثوان، إلاّ أنّ هذا العمل السريع جداً يستتبع نتيجة دائمة وهي فقد البصر مدى الحياة.
وبالطبع انّ ذلك ليس قاعدة دائمة في جميع الأفعال، إذ بعض الأفعال يكون جزاۆها مۆقتاً جداً ولا يتجاوز الدقائق المحدودة.
فمثلاً من يتذوّق الطعام المرّ فانّه يشعر بالألم والمرارة نتيجة ذلك العمل به، ولكنّه في الواقع شعور مۆقت يزول بعد دقائق.
ومن هنا يبحث عن العلاقة بين الجرم والعذاب الأُخروي حيث نقول: إنّ الكفر والشرك هو من قبيل الذنوب التي تكون نتيجتها دائمة وإن كان الجرم مۆقتاً، وذلك لأنّ نفس هذا العمل هو المولد والموجد للنتيجة، وليست النتيجة ناشئة من الاعتبار والجعل والتقنين، ولقد أشارت الآيات والروايات إلى هذه الحقيقة حيث اعتبرت الدنيا مزرعة للآخرة، فقد ورد عن الرسول الأكرم أنّه قال: «الدُّنْيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ»
ورد هذا المعنى في القرآن الكريم حيث قال سبحانه:
( مَنْ كانَ يُريدُ حَرْثَ الاخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ ... ) .
3. هناك قاعدة منطقية وفلسفية معروفة تقول:
«ذاتي الشيء لا يختلف ولا يتخلف» بمعنى أنّه لا يمكن إزالته من مكانه بصورة كلّية، وحينئذ فإنّ الإنسان كما أنّه خلق مقترناً بسلسلة من الصفات والخواص الذاتية التي لا تنفك عنه أبداً، فمن الممكن أن يكون الكفر والشرك الدائم ـ و خاصة العمدي منه ـ كالخصلة والسجيّة الثانوية والدائمة للإنسان بحيث تصبح من ذاتياته بنحو «لا يختلف ولا يتخلّف» وبالنتيجة تكون سبباً للعذاب الدائم.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الابرار الاخيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله تعالى بكم طرح مبارك ورائع
نسأل الله تعالى بحق محمد وآل محمد أن يحفظكم ويرزقكم خير الدنيا والآخرة وشيعة محمد وآل محمد
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
والحمد لله رب العالمين
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
السلام على الحسين و على علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
السلام على ساقي عطاشى كربلاء أبا الفضل العباس ورحمة الله وبركاته
اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ
بارك الله فيكِ وجزاكِ الله خير الجزاء أختي على هذا الطرح المبارك
اسأل الله تعالى أن يحفظكم ويقضي جميع حوائجكم بحق النبي المصطفى وعترته الأطهار عليهم السلام